لأول مرة يقع نوع من التوافق بين رأي الجمهور والنقاد ولجنة التحكيم في تتويج بعض الأفلام التي تم عرضها للمنافسة في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة لاسيما فيلم "الصوت الخفي" لكمال كمال، وفيلم "وداعا كارمن" لمحمد أمين بنعمراوي، فيما تأكد ضعف وهزال بعض الأفلام التي تعود مخرجوها على الاشتغال أكثر على المواضيع المثيرة لحساسية الجمهور لكسب تأييد لها من خارج مواصفات الإبداع الفني السينمائي. والحقيقة أنه لم تجتمع بعد المعطيات التي تفسر هذا التحول، فباستثناء اختيار شخصية وطنية معروفة بنزاهتها على رأس لجنة التحكيم، لا تزال المؤشرات المرتبطة بالحكامة في أضعف مستوياتها في تدبير هذه المهرجانات، لاسيما ما يتعلق بمعايير اختيار الأفلام المعروضة للمنافسة. ففي الفيلم القصير، لا توجد إلى حد الآن أي معايير معلنة لانتقاء هذه الأفلام، وهو الأمر الذي جعل بعض المخرجين والنقاد والجمهور أيضا، يتساءلون عن السر في هيمنة اللغة الفرنسية على كل الأشرطة المعروضة، كما ولو كانت الأفلام القصيرة باللغة العربية غير ممثلة، بل حتى الأفلام الطويلة، لا ندري بالتحديد المعايير التي تتم على أساسها عملية الانتقاء، فبعض الأفلام، كفيلم "جيش الإنقاذ" لمخرجه عبد الله الطايع، كان هزيلا بجميع المواصفات السينمائية، ومع ذلك تم ترشيحه للمنافسة في ذهول عجيب من الجمهور والنقاد ووسط تساؤلات وعلامات استفهام من أن يكون موضوع المثلية الجنسية هو الذي رجح أوراق اعتماده! على العموم، يمكن أن نستخلص من نتائج مهرجان الفيلم الوطني بطنجة، ثلاث دلالات أساسية: 1- أن هناك حالة إبداع سينمائي مغربي متنامي، وأن الأعمال المتميزة التي قدمت تؤكد بأنه بإمكان المغاربة أن يشقوا طريقهم في نقل السينما المغربية إلى الأفق العالمي الرحب، شريطة أن تكرس السينما نفسها لخدمة الإبداع الفني، والاشتغال على القضايا والموضوعات التي تساعد في إعطاء أبعاد حقيقية لهذا الإبداع. 2- أن هناك حالة وعي عارمة لدى الجمهور والنقاد والسينمائيين، بأن النهوض بالسينما في المغرب، يلزمه اعتماد معايير تكافؤ الفرص والحكامة والشفافية، وأنه آن الأوان لإعطاء مضمون حقيقي ل"وطنية" هذه المهرجانات، بما يعني الاحتفاء بالسينما المغربية موضوعا ولغة ورهانا، والقطع مع زمن هيمنة قضايا وهمية لا تعكس الحقيقية التي ينتظر الجمهور من السينما أن تنشغل بها. 3- أن لعبة توظيف بعض القضايا الصادمة للمجتمع لاستدراج رد فعل القوى المحافظة وخلق ضجيج إعلامي حول الفيلم يساعده على تحقيق النجاح من خارج المواصفات الإبداعية، هذه اللعبة انتهت، ولم يعد لها أي تأثير، هذا رغم محاولة خلق البعض خلق عن تنظيم وقفة احتجاجية ضد فيلم بعينه، لتحقيق نفس الغرض، فالأفلام التي اشتغلت على الإثارة والمثلية الجنسية نالت امتعاض الجمهور والنقاد من مستواها الإبداعي النازل. هذه ثلاث دلالات أساسية، وهي في مجملها إيجابية، لكن هذا لا يمنع من التأكيد بأن تعيين شخصية نزيهة على رأس لجنة التحكيم هي خطوة غير كافية وإن كانت مهمة، وأن مسار الحكامة والشفافية ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص ينبغي أن يأخذ طريقه وبكل قوة في هذا المجال، كما ينبغي التنبيه في موضوع مماثل، أن الانفتاح على تعددية التعبيرات الثقافية واللغوية بإدماج أفلام أمازيغية وحسانية أمر مهم وأساسي ويعكس روح الدستور ومنطوقه، إلا أنه ينبغي الحذر من أن يدخل الاعتبار السياسي، ويصير تتويج بعض هذه الأفلام لا لشيء إلا لإعطاء صورة وهمية عن سينما مغربية تبرز فيها الأفلام من كافة التعبيرات. نخشى حقيقة، من أن يصير التعبير اللغوي والثقافي، معيارا محددا لتتويج بعض الأفلام، لأن نتيجة ذلك أن نخلق ريعا خطيرا، بل تمييزا وإقصاء ينطلق من مبدأ التعدية اللغوية الثقافية، وينتهي بإعدام معايير الإبداع الفني. مرة أخرى، نؤكد بأن مدخل الحكامة وإرساء قيم الشفافية وتكافؤ الفرص بين السينمائيين، سيمكن من كشف الخريطة الحقيقية للإبداع السينمائي في المغرب، وستمكن من رضع ألأسس المتينة لنهضة سينمائية مغربية بآفاق عالمية.