بعد التحذيرات الصادرة عن مؤسسات دستورية بشأن التداعيات الوخيمة لسيطرة الوسطاء على المعاملات التجارية داخل أسواق الجملة للخضر والفواكه، يظهر أن وزارة الداخلية تمضي نحو محاربة هذه "الظاهرة" التي تُلحق خسائر بالمنتجين وترفع أسعار المنتجات الفلاحية. هذا التوجه أكده عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، اليوم الثلاثاء، بقوله إن النموذج الحالي لأسواق الجملة للخضر والفواكه "وصل إلى مداه، ويجب المرور إلى مرحلة ثانية تقطع، بطريقة كاملة، مع المرحلة الحالية، سواء على مستوى المنظومة القانونية أو طريقة التسيير أو طريقة البيع"، مشددا على "أن هذه المنظومة كاملة يجب أن تتغير". وتساءل وزير الداخلية، عند حديثه عن مشكل الوسطاء: "اليوم، هل نحتاج إلى الوكلاء في أسواق الجملة؟ أظن أننا تجاوزنا هذه المرحلة، والهدف اليوم هو أن تتوفر كل جهة على سوق للجملة مسير بطريقة عصرية وليست فيه تدخلات ومضاربات، وتتم فيه عملية البيع بطريقة شفافة؛ لأننا بهذه الطريقة يمكن أن نخفض الأسعار، ونحمي المستهلك والمنتج والمنظومة ككل". وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد أصدر تقريرا حول تسويق المنتجات الفلاحية، دعا فيه إلى وضع إجراءات للحد من تضخم الوسطاء بين المنتجين الفلاحيين والمستهلكين، معتبرا أن تضخم حجم الوسطاء وعددهم يشجع على المضاربة وكثرة المتدخلين. ويبلغ عدد أسواق الجملة الرسمية للخضر والفواكه بالمغرب 30 سوقا مهيكلة، إضافة إلى 8 أسواق موازية غير مهيكلة، تصل مداخيل على مستوى الجماعات الترابية إلى 400 مليون درهم سنويا، فيما يصل رقم معاملاتها إلى 7 مليارات درهم سنويا، حسب المعطيات التي قدمها وزير الداخلية. وبلورت وزارة الداخلية رؤية مشتركة وموحدة لإصلاح قطاع أسواق الجملة للخضر والفواكه، حيث تم توقيع اتفاق بينها وبين وزارة الفلاحة ووزارة الصناعة والتجارة، تهمّ إحداث 12 سوقا للجملة من الجيل الجديد "تتوفر على جميع التجهيزات والخدمات الضرورية وتعتمد نظام اشتغال وتدبيرٍ عصري". ويتم حاليا إنجاز سوق للجملة من الجيل الجديد في الرباط، يُرتقب أن تُفتح أبواع نهاية السنة الجارية أو بداية السنة المقبلة، على أن يتم الشروع في إنجاز أسواق مماثلة في جهة فاس – مكناس وجهة الشرق، وجهة مراكش – آسفي وجهة سوس -ماسة وجهة الدارالبيضاء – سطات وجهة بني ملال – خنيفرة. وأردف المسؤول الحكومي ذاته: "اليوم، وصلنا إلى قناعة بأن هذه الأسواق هي التي يجب أن تكون في بلدنا، على غرار السوق الذي يشيد في الرباط، والذي سيكون نموذجا للأسواق التي سيتم تشييدها في جميع مناطق المغرب". وبخصوص وضعية الأسواق الأسبوعية، قال لفتيت إن هذه الأخيرة تعدّ مرفقا عاما يساهم في التنمية واستقرار الساكنة، من خلال توفير الحاجيات الأساسية من المواد الغذائية والمستلزمات الضرورية؛ غير أنها تعاني من مجموعة من الاختلالات. وتتجلى أبرز الاختلالات التي تعاني منها الأسواق الأسبوعية، حسب المعطيات التي قدمها وزير الداخلية، في "تقادم البنية التحتية، وهيمنة الوسطاء، وضعف المهنية، وغياب مخطط للتنظيم والعرض"، مبزرا أن الاختلالات التي تعاني منها هذه الأسواق تساهم في ضعف قدرتها الاستقطابية لتسويق المنتجات وضعف الخدمات الواجب توفيرها للمنتجين والتجار والمستهلكين. ويبلغ عدد الأسواق الأسبوعية 828 سوقا؛ منها 753 في المجال القروي، و69 في المجال الحضري. وأوضح المسؤول الحكومي ذاته أن وزارة الداخلية وضعت، بشراكة مع القطاعات الحكومية المعنية، برنامجا وطنيا يهدف إلى تنظيم فضاءات الأنشطة الاقتصادية لا سيما الأسواق الأسبوعية بالجهات، وإنعاش المنتجات المحلية، وتحسين جاذبية المجالات الترابية وتقوية التنافسية والتنمية المستدامة وتحسين ظروف العرض وتعزيز فرص الشغل وتدارك النواقص المسجلة في الأسواق الأسبوعية؛ وذلك بغلاف مالي أولي يقدر بمليار درهم، تساهم فيه الوزارة ب500 مليون درهم، ووزارة الفلاحة ب250 مليون درهم، ووزارة الصناعة والتجارة بالمبلغ المالي نفسه.