دقيقتان قد تكون أقل من الوقت الذي تستغرقه للذهاب إلى المرحاض بين شوطي مباراة لكرة القدم، لتعاود جلوسك في المقهى. دقيقتان قد تستغرقهما للبس حذائك قبل خروجك من البيت. دقيقتان هي معدل ما يقضي المغربي سنويا في القراءة. رقم مخيف، حتى لو قارنّاه بمعدل الدول العربية الأخرى، وهو لا يتجاوز ست دقائق. في المقابل، يقضي الأوروبي 200 دقيقة في القراءة سنويا. يصدمك هذا الرقم، ويدفعك إلى القول بأنها مؤامرة دولية موجهة ضد العرب والمغرب للنيل منه. وسرعان ما أتذكر الواقع الذي نشاهده في الفضاء العام، مقارنة بدولة كبريطانيا يصدر فيها كتاب لكل 500 مواطن. في المغرب، نادرا ما تجد في القطار أو الباص أشخاصا منهمكين في القراءة. الاستمتاع بالرواية وتعاطفك مع البطل في الباص قد يجعل محفظتك عرضة للنشل، فلا داعي للقراءة. إداراتنا تجعل من المواطن أسير الانتظار، فلا داعي لقضاء هذا الوقت في القراءة، والأفضل فتح نقاش مع من بجانبك لتعرضا سيرتيكما الذاتية على بعضكما البعض. الكتاب هو السلعة الوحيدة التي لا تغري بالسرقة. قد يضيع منك كتاب، وتتذكر ذلك بعد أسبوع، وتجده في انتظارك. ستجد العشرات ينبهونك إذا نسيت رواية في القطار، ولكن الأمر قد يختلف مع محفظتك. كلنا مسؤولون عن هذا العداء الذي ننصبه للكتاب، ونحكم عليه بالنفي الاضطراري من حياتنا. الدولة تقيم له معارض وندوات يأتي إليها "مثقفون" يناقشون كتبهم مع "مثقفين" آخرين. مقاربة الدولة للثقافة والقراءة كوقت ثالث جعلها حبيسة الصالونات الأدبية. كما تخلو المناهج الدراسية الموجهة للأطفال من أي تشجيع على القراءة. وحتى في بيوتنا الخزانات بدل أن تزين رفوفها الكتب تجدها مليئة بالأطباق الصينية وفناجين الشاي. وإن وجد كتاب فهو قطعة أثرية محرمة على اللمس، حتى لا تفقد قيمتها التاريخية. في هولندا، الثقافة من مهام وزارة التعليم، ويقام كل سنة أسبوع وطني للكتاب. تستقبل المدارس على مدى أسبوع كتابا مرموقين يقرأون رواياتهم للأطفال، وتقام مسابقات للتشجيع على الكتابة والقراءة. نهاية هذا الاسبوع لا يعني نهاية القراءة فالانخراط بالمجان في المكتبات حتى سن الثامنة عشرا. وبنقرة على موقع المكتبات تتوصل بالكتاب الذي تريد. ومقاربة الدولة للقراءة تتلخص في الشعار التالي: "إذا لم يذهب محمد إلى الكتاب، فيجب أن يذهب الكتاب إلى محمد". *ينشر بالاتفاق مع هنا صوتك