في سنة 2018 تلقيتُ الدعوة من جامعة اليرموك بالأردن للمشاركة في المؤتمر الدولي الثالث، الذي نظمه مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية. وعلى هامش المؤتمر، فتح نقاش عابر ممن استضافونا من الباحثين الأردنيين حول مشروع السكة الحديدية الذي سيصل بين الأردن وإسرائيل قادما من الإمارات العربية المتحدة ومارا بالمملكة العربية السعودية، وبأن الولاياتالمتحدة بدأت في شراء أراضٍ بالأردن. واليوم وبعد أحداث طوفان الأقصى من السابع من أكتوبر من سنة 2023، والتي كانت واقعة لا محالة في قطاع غزة، بدأت الصورة تتضح وفكرة المشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط تتجلى. فما العلاقة بين ما وقع ويقع في قطاع غزة وبين المشروع الأمريكي، الذي انطلق من الهند على هامش قمة العشرين من السنة الماضية والذي سيصل إلى أوروبا عبر اليونان؟ ولماذا أمريكا فتحت كل مستودعات أسلحتها في العالم لإسناد إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة؟ ولماذا هرعت كل الدول الأوروبية للتعاطف مع إسرائيل، وعلى رأسها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا؟ هل حبا في عيون إسرائيل، أم لتأمين الطريق؟ ولماذا الولاياتالمتحدة دون باقي دول العالم تسرع الخطى لبناء ميناء في غزة، هل لإدخال المساعدات الإنسانية كما تدعي أم لغاية في نفس يعقوب؟ طريق بايدن وشوكة غزة طريق بايدن هو عبارة عن مشروع ممر اقتصادي ينطلق من الهند إلى الشرق الأوسط وصولا إلى أوروبا، حيث وقّعت كلا من الولاياتالمتحدةوالهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي -على هامش قمة العشرين في نيودلهي بتاريخ 09/09/2023 – مذكرة تفاهم لإنشاء هذا الممر الذي يشمل سككا حديدية وربط موانئ ومد خطوط وأنابيب لنقل الكهرباء والهيدروجين بالإضافة إلى كابلات لنقل البيانات، وهو يتكون في الواقع من ثلاثة ممرات: الأول يبدأ من الهند بحرًا وصولًا إلى الخليج العربي، والثاني يبدأ برًا من الإمارات مرورا بالسعودية والأردن وصولًا إلى الأراضي المحتلة حتى ميناء حيفا، والثالث من حيفا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط وصولًا إلى ميناء بيرايوس اليوناني الذي سيمثل نقطة توزيع البضائع برًا على الدول الأوروبية. المصالح الأمريكية أولا وليأتِ الطوفان المصالح الأمريكية أولا وليأتِ الطوفان، هذا هو الشعار الذي ترفعه الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ تأسيسه من طرف "هانز مورغينثاو" سنة 1948، والذي شغل منصب مستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية؛ وهو من المبادئ الستة للسياسة الخارجية الأمريكية، ويعد الركيزة الأساسية لنظرية مورغينثاو الواقعيّة حول مفهوم القوة أو "المصلحة المحددة على أساس القوة". لهذا، لا نستغرب أولا النوايا الإسرائيلية قبل 07 من أكتوبر 2023 والتي كانت تخطط لكنس قطاع غزة وكسر شوكة حكومة حماس والمقاومة الفلسطينية من طرف الحكومة اليمينية المتطرفة لنتياهو لتأمين طريق بايدن الاقتصادي . ولا نستغرب اليوم حجم الدمار الممنهج والشامل للبنية التحية في القطاع من بنايات ومستشفيات ومدارس بل مسحها ودكها وتسويتها بالأرض، ودفع الساكنة في بداية العدوان إلى إخلاء شمال القطاع القريب من ميناء حيفا ودعوة اللاجئين إلى التوجه جنوبا تم قصفهم في الطريق لتخفيض عدد الواصلين الناجين إلى أقل عدد ممكن، دون اعتبارات إنسانية أو أخلاقية. نعم، الولاياتالمتحدة يقوم وزير خارجيتها بلينكن بزيارات مكوكية ومرهقة بين العواصم الأوروبية وواشنطن وتل أبيب والدوحة والقاهرة، ليس للدعوة لوقف إطلاق النار والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ ولكن لإعطاء إسرائيل المزيد من الوقت لتصفية القضية الفلسطينية ودفع ما تبقى من الناجين إلى خارج القطاع نحو المجهول في أفق هجرة قسرية ونكبة ثانية نحو صحراء سيناء بمصر أو الترحيل عبر الميناء الأمريكي نحو دول أوروبا .