في ظل غياب معطيات رسمية حديثة حول عدد المتسولين في المغرب، قدّم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيا حول موضوع "ممارسة التسول بالمغرب"، قدم فيه مجموعة من التوصيات؛ أبرزها تشديد العقوبات على الشبكات التي تستغل الأطفال والنساء والأشخاص ذوي إعاقة، وكذا ممارسي "التسول المهني"، أي الذين يهدفون من وراء هذه الممارسة إلى الربح، وليس إلى سد حاجياتهم. أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، شدد، خلال اللقاء التواصلي الذي قدم فيه المجلس رأيه، اليوم الأربعاء، على "تشديد العقوبات القضائية ضد الشبكات التي تستغل الأطفال والنساء والمسنين والأشخاص في حالة إعاقة من أجل كسب أرباح عبر استغلالهم في التسول". وقال الشامي إن التسول "ظاهرة اجتماعية معقدة من حيث أسبابها الظرفية والبنيوية، وأبعادها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأشكالها المتعددة، وتداعياتها على الأفراد والمجتمع والنظام العام". ويأتي اشتغال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على موضوع ممارسة التسول لاعتبارات عديدة؛ "أولها أن هذه الممارسة لا مكان لها ضمن طموح الدولة الاجتماعية التي تسعى بلادنا إلى إرسائها بشكل تدريجي بناء على أسس استراتيجية ومستدامة"، حسب الشامي. واشتغل المجلس على هذه الممارسة أيضا؛ لكونها "تمس بالدرجة الأولى فئات هشة في حاجة إلى الحماية من كل استغلال ومُتاجرة، لا سيما الأطفال والنساء والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة"، ولأن التسول انتهاكا للكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية للأشخاص الذين يمارسونها". واعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في الرأي الذي قدمه حول موضوع "ممارسة التسول بالمغرب"، أن انتشار هذه الظاهرة في الفضاءات العمومية "من شأنه أن يمس بالنظام والأمن العام، وبصورة بلادنا في الداخل والخارج". وأكد الشامي أن غياب دراسات معمقة ومعطيات إحصائية محينة وشاملة حول حجم التسول بالمغرب "يشكل عائقا كبيرا أمام السياسات العمومية الرامية إلى محاربة هذه الظاهرة بشكل فعال". وبالرغم من غياب معطيات رقمية محينة حول الظاهرة، فإن المؤسسة الدستورية المستقلة التي تضطلع بمهام استشارية حول الاختيارات التنموية الكبرى والسياسات العمومية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المستدامة والجهوية المتقدمة أشارت إلى أن التمثلات الفردية والجماعية المسنودة ببعض البحوث الميدانية "تذهب في اتجاه تزايُد هذه الممارسة واستفحالها، لا سيما بعد الأزمة الصحية ل"كوفيد 19′′ وتداعياتِها المتواصلة على الاقتصاد والشغل والقدرة الشرائية، واتساع قاعدة الفقر والهشاشة، حيث انضاف أكثر من 3 ملايين شخص إلى الفئة الفقيرة والهشة". وحسب النتائج التي توصل إليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن هناك عوامل أخرى من شأنها أن تزج بالأشخاص في آفة التسول، مثل التخلي الأسري، والطلاق أو فقدان المعيل بالنسبة للنساء، وتدني المستوى الدراسي والتكويني، وتراجع قيم التضامن العائلي، والوضعية الصحية (الصحة البدنية والعقلية، والإعاقة). ونوه المجلس بأهمية الجهود المبذولة من قبل السلطات العمومية المعنية في التصدي لظاهرة التسول، وفق مقاربة تجمع بين البعد الوقائي والتكفل الاجتماعي والتدخل الزجري القضائي؛ غير أنه سجل محدودية هذه الجهود من حيث الفعالية والنجاعة والنتائج، بسبب صعوبة تحديد واستهداف الفئات المعنية بالتسول وتعدد وتشتت برامج الدعم الاجتماعي ومحاربة الفقر وضعف الموارد المالية والبشرية المرصودة لها. وترى المؤسسة ذاتها أن هناك "رهانا كبيرا على ورش الحماية الاجتماعية، في حكامته واستهدافه، لا سيما في ما يتعلق بتعميم التغطية الصحية وتقديم الدعم المباشر للمعوزين، للقضاء على مختلف مصادر الهشاشة الاجتماعية، بما فيها العوامل التي قد تؤدي إلى التسول". وانطلاقا من هذا التشخيص الذي قام به لظاهرة التسول في المغرب، يرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن القضاء على هذه الظاهرة يقتضي التنزيل المتجانس والمُنسق لجملة من الإجراءات الرامية إلى تحقيق هدفين؛ هما ضمان احترام مقتضيات الدستور، لاسيما في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص في وضعية تسول، دون أي تمييز أو وصم، والهدف الثاني هو ضمان احترام النظام والأمن العام. وأوصى المجلس بالقضاء على جميع أشكال تسول الأطفال، من خلال تعزيز آليات حماية الطفولة على صعيد المجالات الترابية (وحدات حماية الطفولة) على مستوى التنظيم الجيد، وتوفير الموارد البشرية والمادية الضرورية، وكذا عبر تشديد العقوبات في حق مُسْتغلي الأطفال والمتاجرين بهم في التسول. كما أوصى المجلس بحماية الأشخاص في وضعية هشاشة من الاستغلال في التسول، من خلال تشديد العقوبات على الممارسات التي يتم ارتكابها تحت غطاء التسول، طبقا لمقتضيات القانون الجنائي، لاسيما ضد الشبكات الإجرامية التي تستغل النساء والمُسنين والأشخاص في وضعية إعاقة. ومن ضمن التوصيات التي قدمها المجلس النهوض بالسياسات المتعلقة بحماية ومساعدة الأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين، والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين المُعرضين لممارسة التسول، وإعادة تأهيل وإعادة إدماج الأشخاص في وضعية تسول. ومقابل دعوة المجلس إلى تشديد العقوبات على الممارسات التي يتم ارتكابها تحت غطاء التسول، دعا إلى "إلغاء تجريم التسول" الذي يتم تحت دافع الحاجة.