في "خطوة نموذجية" تروم "دمقرطة السينما بالمغرب"، وإيصالها إلى مختلف المدن الصغرى والمتوسطة، ترأس محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، بمدينة تامسنا، إعطاء الانطلاقة الفعلية رسميا للعمل ب50 صالة جديدة للعرض السينمائي بمجموع التراب الوطني في إطار مشروع 150 قاعة، الذي أطلقته الوزارة المذكورة، للسماح بممارسة مهن السينما والمسرح والموسيقى في أشكال واعدة. ويعد إدخال السينما إلى "الهامش" مطلبا حيويا ارتفع مرارا ولسنوات تحت يافطة الحقوق الثقافية، وتستجيب له الدولة المغربية أخيرا، "لتفك العزلة" وترسم "طريقا جديدا" لتعاطي الحكومة مع مسألة الصناعة الثقافية والسينمائية وتقريب "الصنعة المغربية" من عموم المواطنين، الذين كانت حياتهم تشكو من خصاص ما في "احتضان الشريط السينمائي". وبالكثير من الابتهاج والحماس، تحدث محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، إلى الحاضرين من ساكنة المدينة وشخصيات بارزة في المجال الفني والأكاديمي، قائلا إن "إطلاق 50 قاعة اليوم يعني وصول السينما إلى المدن الصغرى والمتوسطة. وهذا ليس مشروع وزير أو مشروع حكومة، بقدر ما هو مشروعنا جميعا، لكونه يدخل في إطار المنهجية الإيجابية التي أطلقها الملك محمد السادس، لأننا حين نتحدث عن الدولة الاجتماعية فنحن نتحدث عن الحقوق الثقافية". بنسعيد، وهو يتكلم من تامسنا هذا المساء، اعتبر إشعار المغاربة بأن هذه القاعات ستبدأ في عرض خدماتها خطوة إيجابية، لكي يستطيع المواطنون الاستفادة من هذه الخدمة، مؤكدا أن المراكز الثقافية التي ستقدم عروضا سينمائية لن تصبح صالات عرض حصرا، بل ستكون هذه خدمة ثقافية جديدة داخل هذه المركبات. وستظل العروض الموسيقية والمسرحية، لكن ستنضاف إليها السينما التي كانت غائبة. وأشار المسؤول الحكومي إلى أن "السينما، في الأخير، صناعة ثقافية. وهناك ارتباط بين التواصلي والثقافي؛ واليوم يعد مفرحا أن نرى السينما تُعرض في ورزازات التي كانت قبلة للأفلام العالمية، وفي مدن عديدة كانت تحتاج أن تصلها الأفلام المغربية، مثل زاكورة ودبدو والريصاني... إلخ". وأوضح محمد المهدي بنسعيد: "هذه القاعات ستعضد كذلك اللقاء بين المخرج والمنتج والممثل مع المواطنين؛ ولقد لاحظنا إقبالا رائعا من هؤلاء على لقاء الفنانين المغاربة". وأكد وزير الشباب والثقافة والتواصل أن الشباب اليوم يحتاجون إلى مشاهدة أفلام تاريخية بوجوه مغربية وبلغة تشبه المغاربة، تعبر عن حضارتنا التي تمتد لأكثر من 12 قرنا، مستطردا أن "هذا الرهان يحتاج إلى إمكانيات، وإذا جرى الاقتصار بشكل حصري على دعم المركز السينمائي المغربي، فلن نمضي قدما. فلهذا، كنا في حاجة إلى خلق ديناميكية اقتصادية ونظام اقتصادي يُطمئن المنتج بأن أفلامه ستجد مشاهدين وستجد فضاءات لعرضها". ونفى المتحدث عينه أن "يكون المغاربة غير محبين للفن السابع؛ ففي كل مكان زرناه رأينا تعطشا كبيرا للسينما"، مبرزا الحاجة التي كانت قائمة إلى القاعات السينمائية. وأورد: "عشنا أيضا في أواخر التسعينيات وبداية الألفية مشكلات من قبيل القرصنة وترويج الأفلام في أقراص... إلخ، لكن شيئا من هذا لم يعلن نهاية السينما. علينا، إذن، كقطاع للشباب والثقافة والتواصل أن نتعاون مع المجتمع المدني، للتشبث بالقاعات السينمائية؛ فالصالات على المستوى العالمي تزداد". ولأن "مشكلة السينما" هي "مادية" أيضا، فمحمد المهدي بنسعيد لم ينكر أن "تأهيلها بالمغرب يستدعي إنتاجا كميا ونوعيا، ليقدم للمشاهد المغربي بأثمنة تحترم جيوبه". وأورد شارحا: "أقررنا 15 درهما كثمن رمزي بالنسبة للشباب و20 درهما بالنسبة لباقي المواطنين. وهي أثمنة تراعي القدرة الشرائية وتشجع على الإقبال على السينما". وزاد: "ولأجل عقلنة التكاليف عقدنا كذلك شراكات مع صالات العرض المعروفة لتخفيض سعر التذكرة في إطار "جواز الشباب"". وفي سياق آخر، علق المخرج المغربي عبد الإله الجوهري، في تصريح لهسبريس، قائلا: "أي مبادرة تروم دعم وتقوية وجود الثقافة السينمائية المغربية، فالتنويه بها مستحق، وأتمنى أن تنجح المبادرة وأن تسير في الاتجاه الصحيح". وأضاف رئيس اتحاد المخرجين والمؤلفين المغاربة: "يبقى تأهيل هذه المبادرة في حاجة ماسة أيضا إلى خلق وعي سينمائي من خلال تربية الناس على عشق الفن عامة والسينما خاصة؛ لأن المشكل مركب، وليس مرتبطا بالقاعات فحسب". وزكى الجوهري خلق 150 قاعة سينمائية؛ لكنه دعا إلى "فتح مؤسسات للإبداع السينمائي على مستوى التراب الوطني". وقال خاتما: "صحيح أن تعدد القاعات في مختلف المدن، حتى التي نقول عنها "هامشية"، سيساهم في دمقرطة الصورة السينمائية وسيفك العزلة عن هذه المناطق على مستوى مُعانقة السينما؛ لهذا سنحتاجُ أفلاما تربي الذائقة وتنمي القدرات النقدية لدى الجمهور". وكان المركز السينمائي المغربي قد أعلن، سابقا، عن انطلاق عملية طلب إبداء الاهتمام لفائدة شركات إنتاج الأفلام السينمائية الطويلة التي سيتم عرضها بالقاعات السينمائية المجهزة بالمراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة؛ وذلك في إطار تنزيل برنامج 150 قاعة عرض سينمائية، مشيرا إلى أنه "سيتم توقيع عقود خاصة مع شركات الإنتاج السينمائي تحدد التزامات الطرفين، كما سيتم إعداد ميثاق لتدبير هذه العملية".