عندما تمر مرور الكرام- كما يفعل اغلب المغاربة- على إحدى قنواتنا الوطنية، يستوقفك منظر أصبح شبه مألوف. شاب وسيم في الثلاثينات من العمر ببدلة أنيقة و ابتسامة عريضة، يجيب على أسئلة الصحافة رغم لغته العربية المتلعثمة. وسرعان ما يتبين لك أن هذا الشاب ما هو إلا أحد الوزراء. "" وهنا غالبا ما تتساءل، كيف أصبح هذا الشخص وزيرا؟ "عطيني وقت نقوليك" أنت يا من لن تصبح يوما وزيرا. يقال "جابها بقرايتو" لكن ليس وحده من درس و اجتهد، و لنفرض جدلا انه يملك من العلم ما يؤهله لذلك، فأي علم هذا الذي يخول لصاحبه ثارة أن يكون وزير فلاحة وثارة اخرى وزير نقل ولا ننسى انه قد يصبح وزير صحة ثم تعليم ... "سوبرمان هذا" يقال "خلاها ليه باه" هذا كلام آخر، فحسب علمي في الدستور المغربي، الوزارة لا تورث، لكن مع تعاقب نفس الاسم العائلي على مجموعة من الوزارات، يمكننا الاعتقاد بذلك. يقول المثل "لي خلا ليه باه شي عقبة كي طلعها" وهم ترك لهم آباؤهم "هبطة". دعونا ننسى كيف أصبح وزيرا. ولنطرح سؤالا آخر "آش كيدير لينا هاذ الوزير"؟ يوقع الاتفاقيات، يبتسم أمام الكمرات و "يدردك" هنا وهناك في المهرجانات، و بعدما يتعب سيادته من كل هذه المسؤوليات الجسام، يسافر هو وزوجته بحثا عن الراحة في اكبر عواصم العالم، و ما أدراك ما أكبر عواصم العالم، حيث "بوزبال و كحل الراس لا يدوران". وفي طريق عودته وهو يشتري العطور و الألبسة من أفخم المحلات، لا ينسى أن يعرج على وزارة تلك الدولة ليطلع على آخر عروض القوانين و يمارس هوايته القديمة، التي كان يمارسها أيام الدراسة بالغش "النقلة" من الأصدقاء، فيحمل تلك القوانين كما أنزلت لينشرها باسم وزارته. إذا كان هذا هو عمل الوزير، فمن يقوم بالعمل الصعب و الشاق؟ من يحافظ على دوران العجلة الصدئة و المفرغة من الهواء لهذا البلد؟ أو بعبارة أخرى، من يدفع "الكروسة"؟ وأنا أبحث عن جواب لهذا السؤال وعلى ذكر "الكروسة"، تبادر إلى ذهني حيوان خدوم جدا إنه حمار الطاحونة، فحمار الطاحونة ليس كغيره من الحمير –أعزكم الله- حيث يربطه صاحبه إلى رحى الطاحونة و يعصب عينيه ثم يضربه ليمشي. فيأخذ الحمار في الدوران حول الطاحونة محركا بذلك الرحى التي تطحن الحبوب، معتقدا بأنه يمضي قدما في حين انه لم يبرح مكانه، أما صاحبه فيفوز بالدقيق دون عناء يذكر. أجل يا إخواني الكرام، إنه حمار الطاحونة الذي يقوم بكل شيء، خوفا من أن يحرم رزمة البرسيم التي تعطى له آخر الشهر عفوا أقصد آخر اليوم و خوفا من أن يطرد من البيت أقصد الزريبة التي بناها و مازال يدفع عنها الأقساط الشهرية. مسكين هو حمار الطاحونة، يقوم بالعمل كله، لكنه لا يستطيع يوما أن يكون صاحب طاحونة، لأنه لا يملك من المؤهلات و الشواهد ما يؤهله لذلك و خصوصا شهادة الحالة المدنية باسم عائلي مرموق. و حتى أبناءه مهما بلغوا من العلم لا يمكنهم أن يصبحوا أصحاب طاحونة، ففي نهاية الأمر سيكونون حمير طاحونة هم أيضا. يعمل ليعيش و يعيش ليعمل، ذاك هو حمار الطاحونة، متفان في العمل، لا يتذمر و لا يشتكي و لا يقلق راحة صاحبه بالرغبات. يقوم بالعمل عوضا عنه عسى أن يجود عليه بحفنة إضافية من الشعير أو بيوم راحة. فهل هناك أقنع من حمار الطاحونة؟ سيتساءل البعض ما علاقة الوزير بحمار الطاحونة؟ من لا يرى من الغربال فهو أعمى "و الفاهم يفهم". سيعتقد بعضكم أنني أحسد الوزير على نعمته، نعم أحسده، فأنا أرى أنه لا يقوم بما يجعله يستحقها. و سيضن البعض أنني أريد أن أصبح وزيرا، "ما كرهناش" ولكن ليطمئن قلبكم فأنا لا أملك المؤهلات التي تخول للإنسان أن يصبح وزيرا. فاسمي العائلي يعد نكرة، عكس الوزراء الذين يكفي أن تسمع نسب أحدهم في احد نقط المرور حتى ترفع الحواجز و تعوض الأسئلة بالتحيات العسكرية. ولا أملك من التملق ما يخول لي الحصول على تزكية حزبية من أعرق الأحزاب الوطنية. و مؤهلات أخرى يجب أن تتوفر في المرشح للوزارة لا داعي لذكرها و أخرى لا أعلمها. نحن لا نريد من سيادة الوزير أن يفقد ابتسامته، أو يتخلى عن عطره الغالي أو أن يكف عن التمايل في المهرجانات. نحن نريد منه أن يحتفظ بكل هذا و أشياء أخرى نحن في غنا عنها. ولكن نريد منه الكف عن مزاحمة البسطاء في أرزاقهم، بسن قوانين تتماشى وواقع معيشتهم، و يوفر لهم ليس سبل الراحة، بل سبل الحياة. أن يقلد وزراء الغرب ليس في قوانينهم، بل في تفانيهم في خدمة مواطنيهم. و أن يعين حمار الطاحونة على بلائه، ليس بالدوران معه، ولكن بإراحته و الحفاظ على حياته، حتى تجد الطاحونة غدا حمارا يديرها.