أقر حكيم بن شماس، القيادي والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، بأن حزب "البام" يعيش أزمة صعبة لا يوجد بينها وبين الورطة الأخلاقية والسياسية سوى خيط رفيع" على حد وصفه. واستدرك بن شماس، في حوار أجرته معه جريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "لا يجب أن نجعل من حزب الأصالة والمعاصرة كبش فداء أو مشجبا نعلق عليه خطايا الحقل الحزبي المغربي"، مشددا على أن الممارسات التي كشف عنها ملف "إسكوبار الصحراء" ما هي إلا مظهر من مظاهر كثيرة ومتعددة من التلويث الذي تعرض له نبل العمل السياسي. وأبرز الأمين العام السابق لحزب "الجرار" أن هذه الأزمة أصابت المشروع السياسي للتنظيم بأذى عميق وبأضرار بليغة مست، في الجوهر، جزءا كبيرا من كينونته وهويته السياسية، وفاقمت ما عاناه من أعطاب وأمراض. هذا نص الحوار الذي يتضمن مواضيع سياسية وحزبية أخرى: دعنا نبدأ هذا الحوار بسؤالك عن سبب هذا الصمت من جانبك كأمين عام سابق لحزب الأصالة والمعاصرة، وهذا الأخير يعيش اليوم على وقع اعتقال بعض قياداته البارزة على خلفية ما بات يسمى ملف "إسكوبار الصحراء"؟ هذا الصمت ليس وليد انفجار الملف الذي أشرت إليه. أنا صامت منذ قرابة أربع سنوات، وتحديدا منذ المؤتمر الرابع للحزب، ولست وحدي من صمت. كثيرون جدا غيري ركنوا للصمت وفضلوا الانزواء والابتعاد تنظيميا عن الحزب أو على الأصح جرى إبعادهم، ومع ذلك فأنا لم أقدم استقالتي ومازالت مرتبطا بالمشروع وجدانيا ومؤمنا بنبل رسالته ووفيا لمنطلقات وقيم تأسيسه. لكن اشرح لي ما سبب هذا الابتعاد التنظيمي؟ أفضل أن أحتفظ بهذه الأسباب لنفسي، وربما قد أوضحها بالتفصيل ذات يوم في مذكراتي. ما يمكن أن أقوله حاليا هو أن المسافة التنظيمية والسياسية التي قررت أن أبقيها مع التجربة الحالية للحزب نابعة من تقدير معين للمسؤولية، تأسس على قناعة إتاحة الفرصة للقيادة المنبثقة عن المؤتمر لتدبر شؤون الحزب والمشاركة في الحكومة، مستحضرا في ذلك السياق السياسي العام بالبلاد، ومختلف التطورات التي ترافقه، والانتظارات الكبرى المعلنة من قبل عاهل البلاد بإطلاق أوراش مهيكلة لمشروع الدولة الاجتماعية، فكان خيارنا الأنسب ألا ننساق وراء معارك هامشية، وألا ننخرط في صراعات تنظيمية وإعلامية مجانية قد تزيد من إنهاك الحزب، وتسفيه صورة السياسة المعتلة أصلا، في سياق وطني مازال يسائل كل عوامل الانقراض التدريجي لوسائط التأطير المجتمعي. طيب، لكن الحزب اليوم مقبل على تنظيم مؤتمره الخامس خلال بضعة أيام، وذلك في سياق مازالت تتفاعل فيه باستمرار تداعيات ملف "إسكوبار الصحراء". ما هو تصورك للمؤتمر؟ وكيف تتوقع أن تكون مخرجاته؟ صراحة ليس لدى جواب عن هذا السؤال. ولكن الذي أنا متيقن منه أن الحزب تلاحقه أسئلة كبرى تتعلق براهنه ومستقبله، وخلال هذا المؤتمر سيواجه تحدي إثبات المعنى والجدوى، وهو كما لا يخفى عليك تحد مختلف تماما عن التحديات التي واجهها طيلة خمس عشرة سنة من وجوده على الساحة السياسية الوطنية. وإنني لأخشى أن يكون ضيق الوقت المتاح غير مسعف لاستجماع وتوظيف ما يكفي من العدة للتصدي بنجاح لهذا التحدي، علما أن هذا التحدي يزداد صعوبة وضراوة إذا وضعنا هذا المؤتمر في السياق الوطني والجهوي والدولي الذي ينعقد فيه، وهو سياق معقد وحابل بالتحديات. وإنه لأمر مؤسف، ومحزن في الوقت نفسه، أن تكون قيادة حزبنا، وبالأخص من يتأهب للترشح للأمانة العامة، وهي مسؤولية جسيمة بقدر جسامة ودقة المنعطف الذي يجتازه حزبنا، لم تبادر حتى الآن إلى الإفصاح لا عن العرض السياسي ولا عن خارطة الطريق الكفيلة بربح هذا التحدي، ولا حتى عن مجرد نواياها بشأن مداخل ومنهجية وأدوات تصحيح مسار الحزب وإعادة الوهج لروحه التي لحقها الأذى. لكن رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر أعلن في برنامج تلفزيوني أن كل الترتيبات جاهزة، بما في ذلك الأوراق السياسية؟ يمكن أن يكون هذا صحيحا بالنسبة لحجز قاعات المؤتمر والإطعام وما شابه ذلك. لكن 'يكذب عليك الكذاب' إذا قال إن هناك نقاشا أو أوراقا سياسية وفكرية، أعنى مشاريع أجوبة عن التحديات والأسئلة الكبرى التي تسائل الحزب. في كل المؤتمرات السابقة كان هناك نقاش حيوي وأطروحات وعروض وأوراق سياسية ومذهبية تساعد، ليس فقط على ضبط البوصلة وإنضاج الرؤية، ولكن أيضا تسمح ببلورة خارطة الطريق التي تضمن مساهمة الحزب في الاستحقاقات والأوراش الوطنية، وفي التصدي للتحديات الخارجية. لا شيء من ذلك يحدث الآن، بل حتى أبسط الأمور من قبيل محاضر انتداب المؤتمرين لم يتم نشرها ولا نعرف عنها شيئا. ألا يعد ذلك ضربا من ضروب العبث؟ وأين نحن من المسؤولية ومن الجدية التي دعا جلالة الملك إلى جعلها روحا تؤطر وترفرف على كل واجهات عمل المؤسسات والفاعلين؟. هذه سابقة لم نعشها أبدا، والنتيجة هي ما نراه اليوم: سيادة حالة من عدم اليقين، رؤية ضبابية بشأن سلم الأولويات والأهداف التي ينبغي أن ننهض بها جميعا، بروح الالتزام والوطنية الصادقة، وبروح العمل الجماعي والوحدوي، والإنصات والإدماج والتشارك، وهي جميعها ضرورات في هذا الظرف العصيب الذي يجتازه الحزب لم يتم، مع الأسف، إعمالها ولا حتى الالتفات لها بالمطلق. إذا كان ما تقوله صحيحا فهل يعزى ذلك إلى انفجار ملف غير متوقع أدى إلى اعتقال ومتابعة شخصيات مهمة في الحزب؟ وما هو تصورك لتداعيات هذا الملف على مستقبل الحزب؟ سياسة النعامة هنا والهروب إلى الأمام لا تكفي، بل إنها غير مجدية على الإطلاق. لذلك وجوابا عن هذا السؤال ينبغي أن نتحرر من أي مركب نقص وألا نجد حرجا في الإقرار بحقيقة أن حزبنا يعيش اليوم أزمة صعبة لا يوجد بينها وبين الورطة الأخلاقية والسياسية سوى خيط رفيع، وذلك لعدة أسباب يطول شرحها، لكن أحدثها السبب الذي أشرت إليه، والمرتبط بشبهة تورط بعض مسؤولي الحزب في هذا الملف المشين. هذا الملف في تقديري ينطوي على درجة كبيرة من الخطورة تتجاوز- في حال ما إذا أقر القضاء صدق ما يتداول بشأنه من وقائع جرمية- مجرد الإساءة لرصيد الحزب ولمؤسسيه والمنتسبين له، إلى ارتكاب عدوان رمزي على الدولة والمجتمع. وحتى لا يفهم كلامي بالخطأ، أؤكد أنه ليس من العدل، في هذا السياق، أن نجعل من حزب الأصالة والمعاصرة كبش فداء أو مشجبا نعلق عليه خطايا الحقل الحزبي المغربي. إن مثل هذه الممارسات التي كشف عنها ملف "إسكوبار" ما هي إلا مظهر من جملة مظاهر كثيرة ومتعددة من التلوث أو على الأصح من التلويث الذي تعرض له نبل العمل السياسي، وفي ذلك أولاد عبد الواحد كلهم واحد. أدرك أن هذا الكلام صعب، لكن هذه هي الحقيقة بدون رتوش، وإلا فكيف نفسر أن جلالة الملك محمد السادس في أكثر من 18 خطابا ساميا منذ إقرار دستور 2011 وحتى اليوم طرح على الفاعلين السياسيين والحزبيين أسئلة حارقة بلغت حد التقريع ولم يتم التفاعل أو التجاوب معها بالجدية المطلوبة من قبل هؤلاء حتى الآن. لا يسمح هذا الحوار بالتذكير بكل ما قاله جلالة الملك ولكن مازلت أتذكر تأكيده، في سياقات مختلفة، على أن أحد أسباب تأزيم الوضع بالبلد هو تراجع الأحزاب السياسية وممثليها عن القيام بأدوارهم عن قصد وسبق إصرار أحيانا، وانعدام المصداقية والغيرة الوطنية أحيانا أخرى، وتأكيده على ضرورة إعادة الاعتبار لنضالية العمل السياسي، وتشديده أكثر من مرة على أن النيابة عن الأمة أمانة جسيمة وليست امتيازا أو ريعا أو حصانة لمصالح شخصية، وأخيرا وليس آخرا حديثه عن فقدان الشعب الثقة في سياسييه وسؤاله عن أين الثروة....الخ. على كل حال هذا الموضوع المغيب عن النقاش العمومي يحتاج ربما إلى حوار مستقل. غير بعيد عن الموضوع دعني أطرح سؤالا عن الأجوبة التي قدمها أو ينوي حزب الأصالة والمعاصرة تقديمها؟ قبل ذلك أريد عن أعود لتكملة جوابي عن تداعيات ملف "إسكوبار" على الحزب دون الحديث عن الأحزاب الأخرى لأن هذا شأن يعنيها. أولا لا بد أن نذكر هنا بقرينة البراءة المكفولة دستوريا، ولا بد أن نجدد التعبير عن اعتزازنا بكفاءة ومهنية مؤسساتنا الأمنية والقضائية وثقتنا في تعاطيها مع هذا الملف، ولكن الواجب يدعونا، في الوقت نفسه، إلى الإقرار بأن هذه الأزمة أصابت مشروعنا السياسي بأذى عميق وبأضرار بليغة مست، في الجوهر، جزءا كبيرا من كينونته وهويته السياسية، وهي أضرار عمقت وفاقمت ما عاناه من أعطاب وأمراض نتيجة تكريس عقلية تسلطية غريبة ودخيلة أفضت عمليا ليس فقط إلى اعتماد أسلوب مسح الطاولة في تشكيل هياكل الحزب ومؤسساته، وفي إدارة شؤونه، ولكن وأساسا إلى المس بسمعته وصورته وبمصداقية شعاراته وقيمه التي شكلت إحدى علل وجوده في المشهد السياسي الوطني. وبطبيعة الحال سيكون من الإجحاف، كما قلت سابقا، أن نحمل حزبنا ما لا طاقة له به، إذ لم يكن بمقدوره تنصيب محاكم التفتيش على كل أبوابه للنبش في الذمم الأخلاقية والمالية لعضواته وأعضائه. فالحزب، في الأول والأخير، كيان مدني وليس ثكنة عسكرية. غير أن هذه المسلمة لا يجب أن نسوقها على سبيل الحق الذي يراد به باطل، إذ من المؤكد أن لقيادة حزبنا مسؤولية سياسية وأخلاقية ثابتة في تسلل وتغلغل نماذج من الشاكلة المشتبه تورطها في ملف "إسكوبار الصحراء" واحتلالها مواقع قيادية في قمرة قيادة الحزب وغيره من المؤسسات. حدث ذلك نتيجة اعتبارات متعددة منها ما هو مرتبط بتغليبها الكاسح للهم الانتخابي، بما استتبعه من فتح لأبواب الحزب على مصراعيها لكل من هب ودب، على ما عداه مما يتصل بوظائف الحزب في التأطير والتخليق والتنشئة والمواكبة، ومنها ما هو مرتبط بازدراء الأصوات المعارضة داخل الحزب وعدم اكتراثها المطلق لما نبهت إليه من انزلاقات وانحرافات. طيب، الملف الآن يأخذ مجراه وهو قيد التحقيق التفصيلي، لكن سياسيا ماذا تقترحون لاحتواء تداعياته على الحزب؟ نعم الملف يأخذ مجراه ولنا الثقة الكاملة في عدالتنا. سياسيا أنا من المؤمنين بحكمة المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني التي قال فيها إن وراء كل تحد ثمة فرصة. والحقيقة أن حزبنا يمر اليوم، كما قلت سابقا، بمرحلة دقيقة يوجد فيها على مفترق طريقين لا ثالث لهما، إذ تحدق به نذر الانهيار، وأعني بالانهيار هنا أن يفقد الحزب وهجه وأن تنطفئ الروح المتقدة التي ميزته وأن يتحول إلى رقم عادي وعلة زائدة، ومكمل لا لون له، وفي الوقت نفسه تتراءى له في الأفق بشائر انبعاث جديد، ووحده قرار العقلاء سيحدد أي الطريقين نسلك، طريق الانهيار أو طريق الانبعاث. نعم أمام حزبنا اليوم فرصة الانبعاث والنهوض أقوى مما كان شريطة القيام بالمراجعات الضرورية المستعجلة التي ينبغي أن تتخذ، الآن وغدا، شكل الصاعقة التي يجب أن تعيد لقلب الحزب وعقله نبضاتهما القوية والمنتظمة. ماذا تعنيه بالصاعقة؟ وما الذي يتوجب القيام به عمليا من وجهة نظرك؟ الحزب، أي حزب جاد، هو حاصل تفاعل منظومة مترابطة من العناصر: أشخاص، رؤية، إستراتيجية، برنامج عمل، مرجع معياري وقانوني، أدوات وميكانيزمات ...الخ. في كل هذه المستويات يحتاج حزب الأصالة والمعاصرة إلى تجديد حقيقي وفي بعض المستويات إلى تغيير جذري. هناك في المقام الأول الحاجة إلى قيادة حقيقية تتوفر فيها مقومات القيادة، وأهمها الالتزام الأخلاقي والسياسي والمسؤولية والجدية. وبالإضافة إلى عملية الغربلة والتنظيف التي ينبغي مباشرة العمل فيها بنفس طويل، يتعين أيضا الاشتغال على ورش إنضاج شروط انبثاق وعي وخطاب سياسيين جديدين يجب أن يستلهما إرث حركة لكل الديمقراطيين التي كان الهدف منها، على عكس كل ما قيل بشأنها على سبيل التبخيس، هو المساهمة في تقديم الأجوبة عن التساؤلات التي طرحها جلالة الملك، والتي أشرت إلى بعضها سابقا، وبعبارة أوضح المساهمة في تسريع وتيرة التاريخ من أجل مواكبة وإثراء ديناميات وأوراش الإصلاح التي ما انفك العهد الجديد يطلقها في كل الاتجاهات والمجالات، ومن أجل تمنيع وتقوية قدرة بلدنا على مواجهة الصدمات. وقبل هذا وذاك، وفي ارتباط بكيفية معالجة تداعيات شبهة تورط بعض مسؤولي الحزب في الملف الذي تحدثنا عنه، يتوجب، بكل شجاعة، تقديم الاعتذار والتماس الصفح: أولا، من مواطنينا الذين توسمت قطاعات عريضة منهم خيرا في حزبنا وعلقت عليه، بالنتيجة، آمالا عريضة، وثانيا، من مناضلاتنا ومناضلينا عن عدم أخذنا بالجدية والحزم المطلوبين ضرورات تحصين حزبنا وتطهيره من الذين عبثوا ويعبثون بنبل العمل السياسي. فلا يعقل مثلا أن لجنة الأخلاقيات لم تشتغل منذ المؤتمر الرابع. وبالطبع لن يكون لهذا الاعتذار مغزى إن لم يكن مقترنا بإعمال فضائل المصارحة والمكاشفة والنقد الذاتي، وهي شروط لا غنى عنها في الممارسة السياسية القويمة. ولا يخفى عليكم أن إعمال هذه الفضائل لن يكون لها، كذلك، من معنى إذ بقيت مجرد نوايا وأقوال، بل لا بد أن تكون مقرونة بالأفعال، أعني بالسياسات والقرارات والإجراءات، وأولها بإصلاح وتغيير أدوات الإصلاح في الآن ذاته، كما أنه لا بد أن يتم تقعيدها بالضوابط المعيارية والقانونية وبوضع وإرساء أطرها وقنواتها المؤسساتية داخل الحزب في كل واجهات عمله. هذه هي المداخل الكفيلة بترميم وتصحيح صورة الحزب وبتثمين المكتسبات السياسية والتنظيمية والانتخابية التي حققها؛ وهي، على كل حال، ليست اكتشافا جديدا بل أجرأة أمينة لروح الخيارات الأساسية لهوية الحزب ولموقعه كحزب سوسيو-ديمقراطي، مؤسس على اختيارات وقيم المشروع الديمقراطي المشدود إلى أفق الحداثة الواسع على النحو المبين في وثائقه التأسيسية، والمفصل في وثيقة "الديمقراطية الاجتماعية ورهانات التحديث السياسي بالمغرب" المصادق عليها في المؤتمر الثالث للحزب، وفي وثيقة "طريق الانبعاث" التي جرى تقديمها عشية المؤتمر الوطني الرابع وطالتها اليد العابثة ضمن سياسة مسح الطاولة. أضيف إلى ذلك أنه من الناحية السياسية أيضا، يجب، كي نكون صادقين مع أنفسنا ومع الرأي العام الوطني أن نضع، بالقدر نفسه من الإلحاح، مشاركة حزبنا في الحكومة، على بعد أيام قليلة من منتصف ولايتها، تحت مجهر التقييم والتقويم. جيد أنك أشرت إلى ذلك لأن سؤالي يتعلق بتقييمك لمشاركة الحزب في الأغلبية الحكومية؟ يحز في نفسي أن حزبنا الذي كان يملأ دنيا السياسة بالأفكار والمبادرات والمواقف المغذية والمحفزة للنقاش العمومي البناء قد ركن إلى كل هذا الصمت غير المعقول. وأتصور أن غياب النقاش العمومي الحزبي حول هذا الموضوع هو من جملة نتائج تجريف الحزب من أطره ومن جملة نتائج الهدر البشري الشامل الذي لحق به جراء البيروقراطية الحزبية المتنفذة. لم يجر الحزب حتى الآن أي تقييم جدير بهذا الوصف لتجربة مشاركته في العمل الحكومي. وبشكل عام أرى أن هذه المشاركة باهتة، رغم الأداء الجيد للبعض القليل جدا من وزيراتنا ووزرائنا. في الإجمال أرى أيضا أن الحزب سجل في تجربته الحكومية الراهنة إخفاقات ستكون لها تداعيات طويلة المدى على مكانته وصورته في المجتمع جراء التصريحات والمواقف المعلنة في كثير من المناسبات من قبل بعض مسؤوليه، إذ تم جر التنظيم، تارة، إلى مواجهات مجانية مع فئات مهنية واجتماعية عريضة من الشعب المغربي كانت تشكل، حتى الأمس القريب، الحاضنة الشعبية لمشروعه، وتارة أخرى إلى تبني مواقف سياسية واقتصادية تضرب في العمق خيارات الديمقراطية الاجتماعية التي اختارها الحزب بوصلة ناظمة لتموقعاته وقراراته، حتى تحول إلى ما يشبه عجلة احتياطية أو ملحقة سياسية تؤدي وظيفة "البارشوك" وتبرر أسوأ الاختيارات المالية والاقتصادية والتشريعية المنحازة لجشع اقتصاد السوق. هذه مجرد ومضات أو ملاحظات سريعة عن مشاركة الحزب في الحكومة. أما التقييم الحقيقي فينبغي أن ينطلق من سؤال هل واكب الحزب بالجدية والكفاءة المطلوبتين، من موقع العمل الحكومي وخارجه، الأوراش والديناميات الإصلاحية الكبرى للدولة في شقيها الداخلي والخارجي. لدي سؤال أخير لضيق الوقت، هل تفكر في الترشح من جديد للأمانة العامة؟ وفي حالة ما إذا كان الجواب بالنفي من ستؤيد إذا انحصر التنافس بين الأمين العام الحالي ورئيسة المجلس الوطني بحسب ما يروج؟ اسأليني أولا عن الحضور للمؤتمر. بصراحة ما قلته جوابا عن سؤالك بشأن ما يتوجب عمله يمثل، بالنسبة لي، الحد الأدنى الضروري مما سوف يحفزني على التعاطي الإيجابي مع أي مبادرة جادة في هذا الأفق، والهدف هو خدمة الوطن في الأول والأخير.