جدد محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التعبير عن ضرورة الحاجة إلى إصلاح تشريعي من أجل تدبير أمثل لقضاء النقض، حيث ما زال المُخلّف من القضايا (عدد القضايا التي لم يتمّ البتُّ فيها) مرتفعا، داعيا الحكومة والبرلمان إلى الانكباب على إصلاح هذا الوضع. وأعرب عبد النباوي، في كلمة بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2024 صباح اليوم بمقر محكمة النقض بالرباط، عن قلقه من مسألة تفاقم "المُخلَّف" من القضايا. وقال المسؤول القضائي ذاته "إن المُخلَّف (51.247 قضية) أصبح يتجاوز كل قدرات القضاة في الأحكام (46.757 قرارا)"، مشيرا إلى أن هذه الوضعية "ماضية نحو التفاقم بسبب تجاوُز المسجَّل للمحكوم سنة بعد أخرى". ونبّه عبد النباوي إلى أن حل هذه الإشكالية "يتجاوز صلاحيات الإدارة القضائية لمحكمة النقض، ويَرتبط بفلسفة التشريع التي نرى أنه آن الأوان لأن تتناولها الحكومة والبرلمان بنظرة أخرى حتى لا تصبح محكمة النقض درجة ثالثة للتقاضي، في الوقت الذي تمنح فيه الدساتير والمواثيق الدولية الحق في التقاضي على درجتين فقط"، لافتا إلى أن "دور قضاء النقض "يرتبط بتوحيد الاجتهاد وتحقيق الأمن القضائي". وحسب المعطيات التي قدمها الرئيس الأول لمحكمة النقض، فقد بلغ المُخلّف من القضايا عن سنة 2022 ما مجموعه 49.874 قضية، وبلغ عدد المُسجّل من القضايا في سنة 2023 ما مجموعه 48.130 قضية، ليصل مجموع الرائج خلال السنة الفارطة إلى 98.004. واستطاع مستشارو محكمة النقض أن يبتّوا في 46.757 قضية من بين 48.130 قضية جديدة سُجلت بالمحكمة خلال سنة 2023، بنسبة 97.15 في المائة من المُسجّل خلال السنة نفسها؛ في حين أن نسبة القضايا الرائجة المحكومة (98.004 قضايا) كانت في حدود 47.71 في المائة. "إن هذه الإحصائيات لئن كانت تفصح بجلاء عن المجهود الجبار الذي بذله قضاة محكمة النقض للبت في ملفات ضخمة، فإنها تعلن بوضوح على خلل تشريعي في تدبير قضاء النقض"، أردف عبد النباوي، ثم تساءل "عن إمكانية قيام محكمة النقض بهذه المهمة، ونحن نرى أن بعض مستشاريها قد أصدروا ما يزيد على 640 قرارا خلال السنة الماضية؛ وهو رقم يتجاوز معدل القرارات التي يصدرها قضاة محاكم الاستئناف". وأضاف المسؤول القضائي ذاته أن مهمة رؤساء الغرف "تزداد تعقيدا كلما تعددت هيئات الغرفة الواحدة؛ بل إن رئيس الهيئة الواحدة قد يجد صعوبة في تدبير المداولات داخل هيئته كلما ازداد عدد أعضاء الهيئة، لأن محكمة النقض تضيف مستشارين يزيدون عن الحد الأدنى للنصاب القانوني إلى أغلب الهيئات لأجل تحقيق إنتاج أكبر". وعلاوة على الضغط الذي يشكله تراكم المخلّف على مستشاري محكمة النقض، فإن عبد النباوي نبّه إلى أن هذه الوضعية ترفع التكلفة المالية للتقاضي، قائلا: "بالنظر إلى كلفة التقاضي التي تمضي نحو الارتفاع، فإن المنطق السليم يفيد بأن إتاحة النقض في قضايا مدنية بسيطة هو بمثابة هدر للمال العام، حيث تصرف الدولة على كل دعوى أكثر من الحد الأدنى المنصوص عليه حاليا في الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية (عشرين ألف درهم)". وفي ظل هذا الوضع، أردف الرئيس الأول لمحكمة النقض، فإن الدولة تصرف على الدعوى في النزاعات البسيطة أكثر من المبلغ الأدنى للقضايا التي يجوز الطعن في الأحكام الصادرة فيها بالنقض، معتبرا أن "هذا المعطى وحده كفيل بمراجعة الفصل 353 من قانون المسطرة المدنية، بالإضافة إلى تحديد وجيبة قضائية تحُول دون المجازفة بالطعون". وشدد على أن هذا النهج يتعين كذلك سلوكه بالنسبة للقضايا الزجرية، بالرفع من مبلغ الوديعة المحددة في المادة 530 من قانون المسطرة الجنائية وحذف الفقرة الأخيرة من تلك المادة لإعطاء مفعول لعدم إيداع تلك الوديعة. وعلاوة على الجانب المادي، فإن تزايد الطعون بالنقض يؤدي إلى تضاعف مُدد البت في القضايا، حيث تفيد المعطيات التي قدمها عبد النباوي بأن حوالي 40 في المائة من القضايا المدنية فقط تحكم داخل السنة؛ في حين تتطلب 30 في المائة تحكم ما بين سنة وسنتين، و24 في المائة بين سنتين وثلاث سنوات. طُول المدة التي يستغرقها البتّ في القضايا الرائجة أمام محكمة النقص يعكسها أيضا أن حوالي 5 في المائة من القضايا تروج بالمحكمة ذاتها منذ أكثر من ثلاث سنوات.