شنت إسرائيل غارات جوية جديدة على قطاع غزة الأحد، بعد توعد رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو بمواصلة "الضغط العسكري"، رغم مواجهته ضغوطا متزايدة لإجراء تفاوض يتيح إطلاق رهائن تحتجزهم حماس. ونزلت عائلات الرهائن الذين مازالوا محتجزين منذ هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، إلى شوارع تل أبيب السبت، وطالبت حكومة الدولة العبرية بإعداد خطة فورية تتيح الإفراج عنهم بعد إعلان الجيش الإسرائيلي قتل ثلاثة منهم "عن طريق الخطأ" خلال عملية داخل القطاع. وكان هؤلاء ضمن نحو 250 شخصا تقدّر السلطات الإسرائيلية أنهم خطفوا في الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حماس، وأسفر عن مقتل نحو 1140 شخصا غالبيتهم من المدنيين قضى معظمهم في اليوم الأول، وفق أرقام هذه السلطات. عقب ذلك، توعدت إسرائيل ب"القضاء" على حماس وإعادة الرهائن، وبدأت هجوما واسع النطاق أدى إلى دمار هائل في قطاع غزة. وتسبب القصف في مقتل 18800 شخص على الأقل، نحو 70 بالمائة منهم من النساء والأطفال، وفق حكومة حماس. وخلال تحرك السبت، قالت نوام بيري، ابنة الرهينة حاييم بيري: "لا نتلقى سوى مزيد من جثث الرهائن"، وأضافت: "مطلبنا ليس معركة، إنه مطلب يرفعه أي شخص فقد والده. خذونا في الاعتبار واقترحوا الآن خطة" تفاوض. وفي أواخر نوفمبر، أتاحت هدنة إنسانية من سبعة أيام تمّ التوصل إليها بوساطة قطرية مصرية أميركية الإفراج عن 80 رهينة من الإسرائيليين مقابل 240 من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. كما أفرجت حماس عن عدد من الرهائن الأجانب من خارج الاتفاق الأساسي. ووفق أرقام السلطات الإسرائيلية مازال 129 شخصا محتجزين في القطاع. وكان الجيش الإسرائيلي أعلن الجمعة أن قواته قتلت ثلاث رهائن "عن طريق الخطأ" في حي الشجاعية بمدينة غزة، بعدما اعتقدت أنهم يشكلون "تهديدا"، ما أثار احتجاجات في تل أبيب. وفي تحقيقه الأولي، أكد الجيش أن الثلاثة، وهم رجال في العشرينات من العمر، لوّحوا براية بيضاء وتحدثوا بالعبرية. رغم ذلك، أكد نتانياهو السبت مضيه في الضغط العسكري على حماس، وقال خلال مؤتمر صحافي: "رغم كل الحزن العميق (بشأن الرهائن الثلاثة)، أريد أن أوضح أمرا: الضغط العسكري ضروري لإعادة الرهائن وضمان النصر على أعدائنا". وواصل الطيران الإسرائيلي قصف مناطق عدة في مختلف أنحاء القطاع. وفي وقت مبكر الأحد، أوردت وزارة الصحة التابعة لحماس عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصا في غارات إسرائيلية على مخيم دير البلح وسط القطاع. وأفاد شهود عيان عن قصف جوي ومدفعي عنيف على بلدة بني سهيلا شرق خان يونس، كبرى مدن جنوب القطاع. – إعادة تفعيل الوساطة القطرية؟ – في الموازاة، ألمح نتانياهو إلى إعادة تفعيل التواصل مع قطر لإبرام اتفاق بشأن الرهائن. وقال رئيس الوزراء: "لدينا انتقادات شديدة لقطر، وأعتقد أنكم ستسمعون عنها في الوقت المناسب، لكننا نحاول الآن استكمال عملية استعادة رهائننا". وذكر موقع أكسيوس الإخباري أن مدير جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) ديفيد برنياع يتواجد في دولة أوروبية مع رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لمناقشة هدنة ثانية تقود إلى صفقة تبادل. وأورد الموقع الإلكتروني لصحيفة هآرتس الإسرائيلية أنه تم عقد اللقاء. من جهتها، جددت الدوحة في بيان السبت تأكيد بذل "جهودها الدبلوماسية المستمرة لتجديد الهدنة الإنسانية". في المقابل، أكدت حماس في بيان على تلغرام موقفها "عدم فتح أي مفاوضات لتبادل الأسرى ما لم يتوقف العدوان على شعبنا نهائيا"، موضحة أنها "أبلغت موقفها هذا لجميع الوسطاء". وستكون قطر محطة في جولة أعلنها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن السبت، تشمل إسرائيل والبحرينوقطر، للتأكيد على "التزامات واشنطن بتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين". – اضطراب الملاحة في البحر الأحمر – ونقل عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية أن أوستن سيبحث أيضا في إسرائيل "الخطوات التالية للنزاع" في غزة والإجراءات التي يتخذها الجيش الإسرائيلي "للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين"، بعد مطالبات أميركية متكررة بهذا الشأن في الأيام الماضية. ويتوقع أن تتطرق زيارة أوستن كذلك للتوترات الإقليمية المتصاعدة على خلفية الحرب في غزة، إن في البحر الأحمر حيث يشنّ الحوثيون هجمات دعما للفلسطينيين، أو في جنوبلبنان، حيث تتبادل إسرائيل وحزب الله القصف اليومي. ووفق ما أعلن البنتاغون، من المقرر أن يبحث أوستن في البحرين "عقد تحالفات متعددة الأطراف للرد على الأعمال العدائية" في البحر الأحمر. وكانت مدمّرة أميركية أسقطت السبت 14 مسيّرة في البحر الأحمر أطلقت من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، وفق القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم". وخلال اليومين الماضيين، أعلنت شركات شحن عملاقة تعليق مرور سفنها عبر البحر الأحمر بعد هجمات الحوثيين. وقالت شركات ميرسك الدنماركية، وهاباغ-لويد الألمانية، و"سي أم آ سي جي أم" الفرنسية، و"إم إس سي" الإيطالية السويسرية، إن سفنها لن تستخدم هذا الممر الحيوي الرابط بين قناة السويس ومضيق باب المندب لفترات متفاوتة، تراوحت بين "حتى إشعار آخر" أو حتى الإثنين على الأقل أو "حتى يصبح المرور عبر البحر الأحمر آمنا". وفي شمال إسرائيل، أعلنت مصادر عسكرية مقتل جندي وإصابة اثنين بمنطقة مرغليوت (شمال) قرب الحدود مع لبنان جراء هجوم نفذته "طائرة معادية". وأكد حزب الله اللبناني من جهته أنه شنّ "هجوما جويا بطائرة مسيرة انقضاضية على تموضع لجنود الاحتلال الإسرائيلي خارج ثكنة راميم (قرية هونين اللبنانيةالمحتلة)"، وذلك في إطار عمليات "إسناد" دعما للفلسطينيين. وفي محاولة لتهدئة التوترات، تزور وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إسرائيل والضفة الغربية المحتلة الأحد، ولبنان الإثنين. – "جوع ومرض وضعف مناعة" – مع ذلك، تزداد الأزمة الإنسانية حدة في غزة، حيث نزح نحو 1,9 مليون شخص، أي 85% من سكان القطاع، عن منازلهم بحسب الأممالمتحدة. واضطر كثيرون منهم إلى الفرار مرات عدة إلى مناطق مختلفة، ويعانون من نقص الغذاء والمياه والدواء وضعف منظومة الصرف الصحي، وسط مخاوف من الأوبئة. وقالت الأممالمتحدة هذا الأسبوع إن الجوع واليأس يدفعان الناس للاستيلاء على المساعدات التي تدخل إلى غزة، محذرة من "انهيار النظام العام". وقال المفوض العام لوكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني: "لن أتفاجأ إذا بدأ الناس يموتون من الجوع، أو جراء مزيج من الجوع والمرض وضعف المناعة". ورغم الدعوات لحماية المدنيين تؤكد أطراف عدة داعمة لإسرائيل معارضتها وقف إطلاق النار حاليا. وفي مقال مشترك في صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، السبت، أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد كامرون ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك "الحاجة العاجلة" لتحقيق "وقف دائم لإطلاق النار" في غزة. لكنهما قالا إنهما "لا يعتقدان أن الدعوة الآن إلى وقف عام وفوري لإطلاق النار... هو السبيل للمضي قدما"، لأن ذلك "يتجاهل سبب اضطرار إسرائيل للدفاع عن نفسها: حماس هاجمت إسرائيل بوحشية ومازالت تطلق الصواريخ لقتل المواطنين الإسرائيليين كل يوم. يجب على حماس أن تلقي سلاحها". وكانت إسرائيل أعلنت الجمعة أنها ستسمح "مؤقتا" بإدخال المساعدات إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم الحدودي بين أراضيها وقطاع غزة المحاصر، من دون تحديد موعد محدد. وفي غضون ذلك، تتواصل المعارك الميدانية المحتدمة في أنحاء القطاع. وأعلن الجيش الإسرائيلي الأحد مقتل اثنين من عناصره، ما يرفع إلى 121 عدد قتلاه منذ بدء العمليات البرية أواخر أكتوبر. إلى ذلك، قتلت امرأة وابنتها السبت برصاص جندي إسرائيلي داخل رعية العائلة المقدسة في غزة، وهي الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في القطاع، على ما أفادت بطريركية اللاتين في القدس. وأوضحت في بيان: "ظهيرة يوم 16 ديسمبر 2023 اغتال قنّاص من الجيش الإسرائيلي سيّدتين مسيحيتين داخل رعية العائلة المقدسة في غزة، حيث لجأت غالبية العائلات المسيحية منذ بداية الحرب" في القطاع.