صادق البرلمان على مشروع قانون مالية السنة رقم 55.23 في 7 دجنبر من السنة المالية الجارية، علما أن مقتضياته ستشمل السنة المالية المقبلة والتي ستبتدأ في 1 يناير 2024، وضياع 23 يوما كاملة، كان بإمكان السلطة التي أوكل لها المشرع الدستوري صلاحية المصادقة على القوانين أن تأخذ وقتها الكافي في المناقشة وطلب التعديل والإلحاح عليه قبل التصويت، والذي منحه إياها الدستور والقانون التنظيمي للمالية في 58 يوما كاملة، بين 30 يوما مخصصة لمجلس النواب، و22 يوما لمجلس المستشارين و6 أيام للقراءة الثانية، وهو ما يعني أن للبرلمان بمجلسيه الوقت الكافي لدراسة وتعديل والتصويت على هذا المشروع، لكي يقوم بدوره الأساسي في التصويت على قانون يندرج ضمن صنف القوانين العادية، لكنه ليس كغيره من القوانين العادية الأخرى، بمضمونه وطبيعة النصوص التي تحكم مسطرة إعداده والمصادقة عليه، فهو القانون العادي الوحيد الذي أفرد له المشرع الدستوري فصولا تتعلق بمسطرة التداول والتصويت عليه، وأحال على صدور قانون تنظيمي يبين طبيعة المعلومات والوثائق الضرورية لتعزيز المناقشة البرلمانية حول مشروع قانون المالية، وهو ما يتولاه اليوم القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13، وتحكمه أيضا مواد النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، من هذا المنطلق نستغرب استعجال السلطة التشريعية في المصادقة على مشروع قانون المالية رقم55.23 للسنة المالية المقبلة، في ظرف زمني مدته 49 يوما بين تاريخ إيداعه يوم 20 أكتوبر 2023 و07 دجنبر 2023 تاريخ المصادقة عليه في قراءة ثانية بمجلس النواب، فمن أصل 30 يوما خصصها القانون التنظيمي للمالية لمجلس النواب للبت في المشروع بت هذا المجلس في المشروع في 25 يوما، ومن بين 22 يوما مخصصة لمجلس المستشارين للبت في المشروع قام هذا المجلس بالبت في المشروع في ظرف زمني قوامه 21 يوما، ومن أصل 6 أيام خصصها القانون التنظيمي للمالية لمجلس النواب لكي يبت في المشروع في قراءة ثانية، ثم البت فيه في يوم واحد، ونعتقد أن النقاش الجاري اليوم حول تعديل القانون التنظيمي للمالية بتمكين البرلمان من وقت إضافي هو نقاش غير مفهوم، فالحكومة لا تتأخر في إيداع مشروع قانون مالية السنة، لكن البرلمان لا يستغل الوقت الذي منحه القانون التنظيمي للمالية ويقوم بالبت في المشروع 20 يوما على الأقل قبل نهاية السنة المالية، مما يؤكد هذر الزمن التشريعي، وإن كان من إصلاح فإن الإصلاح يجب أن يكون على صعيد المؤسسة التشريعية نفسها لتجويد العمل التشريعي، فالحكومة لها أجهزة مؤازرة تتمثل في الأمانة العامة للحكومة والوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، بالإضافة إلى مديرية الميزانية، في حين البرلمان مازال يشتغل بنفس المنطق السائد قبل صدور دستور 2011، ولم يغير من أسلوب اشتغاله على الرغم من التحول الجذري الذي مس الصلاحيات التي يتمتع بها كسلطة تشريعية لها دور أساسي في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية. أولا: أهميته من أهمية النصوص القانونية التي تنظمه مشروع أحيل من قبل الحكومة للمؤسسة التي أوكل إليها الدستور اختصاص المصادقة على القوانين، وأحاطه بضمانات دستورية لإحقاق المناقشة-التعديل والتصويت، تحكمه مقتضيات دستورية كونها تجري وفق مقتضيات الفصلين 75 و77 من الدستور، ومواد القانون التنظيمي رقم 130.13 وتحكمه مواد الباب الخامس من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017 من 207 إلى 227، والباب الخامس للنظام الداخلي لمجلس المستشارين لسنة 2020 المواد 236 إلى 249، ليس هذا فحسب فأجهزة مجلسي البرلمان سواء تعلق الأمر بالمكتب، اللجان البرلمانية الدائمة، ندوة الرؤساء... تشتغل بدوام كامل على هذا النص، ويحظى بمواكبة إعلامية وتتبع شعبي لما سيتضمنه هذا النص في علاقة بتأثيره على القدرة الشرائية...، كل ذلك يؤكد بأنه مشروع ليس كباقي مشاريع القوانين ما يستوجب على الأقل تنزيل مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي للمالية التي أعطت لأعضاء مجلسي البرلمان مدة 58 يوما كافية قبل الحسم في هذا النص، اعتبارا أيضا لمواده التي يغلب عليها الطابع التقني. ثانيا: قانون عادي يعدل قوانين عادية أخرى اختصاصات البرلمان واردة حصرا، لكن بإمكان الحكومة أن تشرع مكانه وبإذنه في بعض المجالات، التي يختص بها، كما هو منصوص عليه في الفصل 70 من الدستور، بشروط لا بد من توافرها لإعمال ممارسة هذا الحق، وضمن قانون المالية المصادق عليه من قبل مجلسي البرلمان نجد أنه يمكن للحكومة أن تقوم بمقتضى مراسيم خلال السنة المالية 2024، بتغيير أسعار أو وقف استيفاء الرسوم الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المفروضة على الواردات والصادرات، وكذا الضرائب الداخلية على الاستهلاك، باستثناء الضريبة على القيمة المضافة، هذا مثال فقط يؤكد إمكانية الحكومة التشريع في اختصاص البرلمان بناء على تفويض مسبق صادق عليه البرلمان، مما يؤكد بأن أعضاء مجلسي البرلمان في حاجة لاستغلال أي يوم بل أي دقيقة لاستعمال الصلاحيات الكبيرة التي متع بها المشرع الدستوري البرلمان، سواء عبر الدراسة والمناقشة والتعديل قبل التصويت لكون مقتضياته تهم كل المجالات وآثاره تهم كل فئات المجتمع، وهو ما يقتضي انفتاح المؤسسة التشريعية، التي يغلب الطابع السياسي في نقاش أعضائها، على الدراسات التي تنبه لخطورة التعديلات التي يمكن أن تتضمنها قوانين مالية السنة على قوانين موجودة، يجب أن يخصص لها الوقت الكافي للدراسة والمناقشة والتعديل، في مبادرات تشريعية مستقلة عما يمكن أن تتضمنه قوانين مالية السنة من تعديلات محكومة بالآجال الدستورية. ثالثا: قانون عادي لا يحال إلى المحكمة الدستورية بما أن قانون المالية يندرج ضمن صنف القوانين العادية، وبما أن البرلمان صادق على هذا المشروع في 7 دجنبر من السنة المالية الجارية، فهذا يعني إمكانية إحالته اختياريا إلى المحكمة الدستورية لكي تنظر في دستوريته، ومدى مطابقة مواده لأحكام الدستور والقانون التنظيمي للمالية 130.13، على اعتبار أنه يجب أن يصدر وهو غير متضمن لأي مخالفة دستورية، وهو ما أتاحه الدستور وبين القانون التنظيمي رقم 1.14.139 المتعلق بالمحكمة الدستورية، في المادة 23 بالتنصيص على أنه تكون إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية قصد البت في مطابقتها للدستور، طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 132 منه، برسالة من الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو برسالة أو عدة رسائل تتضمن في مجموعها إمضاءات عدد من أعضاء مجلس النواب لا يقل عن خمس الأعضاء الذين يتألف منهم، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، وهنا نتساءل لماذا لم تقم المعارضة بمجلس النواب بتقديم رسالة موقعة من قبل 79 نائبا، وهو خمس أعضاء مجلس النواب، ينتمون إلى صفوف المعارضة إلى المحكمة الدستورية، بهدف التأكد من مدى مطابقة مواد قانون المالية لأحكام الدستور، ونستغرب أيضا عدم تقديم رسالة موقعة من قبل 40 عضوا من أعضاء مجلس المستشارين بتوقيع رسالة وتوجيهها للمحكمة الدستورية، لكي تنظر في مدى مطابقته للدستور والقانون التنظيمي للمالية، علما أن الدستور مكنها من اللجوء إلى هذه الآلية، من خلال تخفيض النصاب القانوني لطلب إحالة هاته القوانين على المحكمة الدستورية من ربع الأعضاء في الفصل 81 من دستور 1996 إلى خمس أعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوا من مجلس المستشارين.