يُجري الملك محمد السادس، ابتداء من اليوم الإثنين، زيارة رسمية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بدعوة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حسب ما أفادت به وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة في بلاغ لها. وتعد هذه الزيارة الأولى من نوعها بعد تولي محمد بن زايد رئاسة الدولة خلفا للشيخ الراحل خليفة بن زايد آل نهيان، الذي توفي في ماي من العام الماضي. وتربط الرباطوأبوظبي علاقات تاريخية متميزة، سواء على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية أو على المستوى الإنساني، وهو ما يُترجمه تطابق مواقف البلدين في عدد من القضايا، أهمها التأكيد على دعم الوحدة الترابية لبعضهما البعض، إلى جانب القضايا الشائكة في العالم، على غرار القضية الفلسطينية التي أكدا على مركزيتها في سياستهما الخارجية، وسعيهما إلى إحلال سلام دائم في الشرق الأوسط ومواجهة كل الأجندات الخارجية التي تروم تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. دون أن ننسى أن هذه الدولة الخليجية كانت من الدول القلائل التي قبلت الرباط مساعداتها عقب زلزال الحوز الأخير. ويرى محللون أن زيارة العاهل المغربي إلى الإمارات العربية المتحدة تأتي تأكيدا لعمق هذه العلاقات الإستراتيجية التي تربط البلدين، كما تنطوي على مجموعة من الرهانات السياسة الإقليمية المرتبطة بتوحيد جهود البلدين من أجل التوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بالنظر إلى الثقل السياسي للبلدين في الساحة العربية، وعلاقاتهما المتوازنة مع أطراف هذا النزاع؛ دون أن تخلو هذه الزيارة من رهانات اقتصادية مرتبطة بالتوجهات العالمية على هذا المستوى. شراكة نموذجية ومواقف متطابقة سعيد بركنان، محلل سياسي، قال إن "هذه الزيارة الملكية إلى دولة الإمارات العربية، بدعوة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، لا يمكن أن نخرجها من السياق العام الذي يميز العلاقات التي ترقى دائما إلى الشراكة الإستراتيجية والنموذجية، ويسعى كل من المغرب والإمارات إلى جعلها نموذجا في محيطهما العربي، وخلق نموذج سياسي يُحتدى به في المنطقة الإقليمية". وأضاف بركنان أن "هذه الزيارة الملكية تندرج أيضا في باب توطيد البعد الإستراتيجي القوي الذي تتسم به العلاقات الإماراتية المغربية، أولا من باب تأكيد مبادئ البلدين حول الوحدة الترابية لكليهما، سواء من جهة دعم المغرب السيادة الإماراتية على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وهو الموقف الثابت الذي دأبت الرباط على تأكيده كلما سنحت لها الفرصة في الأممالمتحدة، في مقابل إعادة تأكيد أبوظبي على موقفها الثابت والمساند لسيادة المغرب على صحرائه، الذي توجته الإمارات بإقامة تمثيلية دبلوماسية في مدينة العيون بالصحراء المغربية". ولفت المتحدث ذاته، في تصريحه لهسبريس، إلى أن "الزيارة لا يمكن أن نخرجها من السياق الخاص الذي يميز المرحلة السياسية الحالية في الشرق الأوسط، وكذا احتضان الإمارات مؤتمر المناخ 'كوب 28' الذي حضره أزيد من 140 رئيس دولة، وكان مناسبة لدولة الإمارات العربية للقيام بمشاورات في العديد من القضايا، تتعلق بتحولات المناخ والاحتباس الحراري وتأثيره على العيش على كوكب الأرض؛ كما كان مناسبة لمناقشة قضايا الاحتباس السياسي الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط ومدى تأثيره على العلاقات العربية الإسرائيلية، وكذلك تطورات المنطقة التي انتقلت فيها الأحداث الميدانية إلى مواجهات عسكرية أودت بالعديد من الضحايا في قطاع غزة". وخلص المحلل السياسي عينه إلى أن "تنسيق المواقف في القضايا الدائرة في الشرق الأوسط والسير بالانحباس السياسي للصراع العربي الإسرائيلي لمحاولة العودة به إلى سكة المفاوضات السياسية، لإيجاد الحلول السياسية الدائمة، جميعها نقاط يتوافق الموقفان المغربي والإماراتي حولهما"، مسجلا أن "البلدين يعتبران من الدول الفاعلة والمؤثرة في سير الأحداث في العالم العربي، ويمكن لهذا التوافق بينهما أن يعطي دفعة قوية للحوار والسلام في الصراع العربي الإسرائيلي، بالنظر إلى العلاقة التي تربط البلدين بكل من طرفي الصراع، الجانب الفلسطيني ممثلا في السلطة الفلسطينية وكذا الجانب الإسرائيلي". علاقات أخوية ورهانات مختلفة من جهته، أورد جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية، أن "الزيارة الرسمية التي سيقوم بها الملك محمد السادس للإمارات العربية المتحدة اليوم الإثنين تأتي تأكيدا على قوة العلاقات الأخوية والثنائية التي تربط البلدين الشقيقين، خصوصا أنها الأولى لجلالة الملك بعد تولي الشيخ محمد بن زايد منصبه الجديد كرئيس لبلاده". وأشار القسمي، في تصريح لهسبريس، إلى أن "تقارب الرؤى بين البلدين حول الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية أكسب العلاقات بينهما زخما كبيرا، وتعززت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وعلى كافة المستويات، ما جعل من الإمارات شريكا اقتصاديا وتجاريا مهما للمملكة المغربية، إذ يعد هذا البلد الخليجي ثاني مستثمر أجنبي في المغرب". وحول رهانات هذه الزيارة ارتباطا بتطور الأوضاع في الشرق الأوسط، لفت المتحدث ذاته إلى أنها "يتوقع بشدة أن تشمل مباحثات حول التطورات الخطيرة في المنطقة والحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها الجيوسياسية على المنطقة ككل، إذ من المتوقع أن تدفع في اتجاه وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، خصوصا أن البلدين طرفان في اتفاقيات أبراهام مع الجانب الإسرائيلي، فمن شأن أي قرار مشترك بين البلدين أن يساهم في التوصل إلى تسوية معينة، نظرا لحجم الدولتين في السياسة العربية". وخلص الباحث في العلاقات الدولية إلى أن "قمة من هذا الحجم أكيد أن الأنظار ستتوجه إليها، في انتظار مخرجاتها، خصوصا وهي تأتي في سياق جيوسياسي خطير، وتطورات تنذر بتداعيات خطيرة على المنطقة برمتها"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه "بالإضافة إلى ما سبق فمن المتوقع في الشق الاقتصادي الإعلان عن استثمارات كبيرة في المغرب في مجالات وقطاعات مختلفة، مرتبطة بتطلعات البلد المستقبلية، وخصوصا استضافته كأس العالم 2030".