أكد الناشط الصحراوي، مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، أن "دعوة زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية لانتخابات برلمانية، خلال هذا التوقيت، تأتي هروبا من الاحتجاجات الحالية التي عمت معظم المخيمات، ولأنه ليس هناك من حدث دولي أو وطني يصلح مادة للشحن الداخلي". وأفاد سيدي مولود، في مقال توصلت به هسبريس، بأن "زعيم البوليساريو يتمسك بنفس الأشخاص في الإشراف على كل شيء في المخيمات"، ما يعني أن الجبهة "وصلت الحد الأقصى من الانحسار السياسي وفقدان الثقة، ليس في من تسميهم مناضليها أو مواطني جمهوريتها، بل حتى في هيئاتها ومؤسساتها". وفيما لي نص مقال مصطفى سلمة ولد سيدي مولود: في غمرة الاحتجاجات التي تعيشها مخيمات اللاجئين الصحراويين فوق التراب الجزائري، ولإلهاء الرأي العام الداخلي، وإيهام العالم بأن الأمور بخير، عمد زعيم البوليساريو (أقدم "رئيس" في العالم 1976- 2014) إلى الدعوة لانتخابات برلمانية هي الثانية في ظرف سنتين. وفي كلمته أمام اللجنة التي ستشرف على هذه الانتخابات، قال الزعيم: "إن تشكيل لجنة وطنية للإشراف على استحقاق تجديد عهدة المجلس الوطني الصحراوي، تضم إطارات ومناضلين من مختلف أطياف المجتمع يشكل رسالة قوية بأن البوليساريو تراهن على تأهيل وتكوين الكادر الوطني الذي سيكون دعامة لضمان المستقبل". اللجنة الجديدة المشكلة من 125 عضوا، والتي سوّقها زعيم البوليساريو كحدث من خلال الكلمة التي ألقاها أمام أعضائها، لم تكن سوى نسخة طبق الأصل من اللجنة التي أشرفت على نفس الانتخابات في بداية 2012 ( بنسبة 80.5%)، ولولا بعض الوفيات وبعض التعيينات في الخارج من بين أعضاء اللجنة القديمة، لجاءت اللجنتان متطابقتان حتى في ترتيب الأسماء. اللجنة مشكلة أصلا من (72%) من أعضاء القيادة السياسية للبوليساريو، وكافة أعضاء الحكومة وقادة النواحي العسكرية وأعضاء هيئة الأركان العامة، وبنفس ترتيبهم في المرسوم الرئاسي المحدد لتشكيلة الحكومة في يناير 2012؛ ويفترض بهذه اللجنة أن تشرف على انتخاب ممثلي الشعب في البرلمان، الذين عليهم أن يراقبوا عمل الجهاز التنفيذي المشكل من أعضاء القيادة السياسية و الحكومة؟؟؟. المادة (75) من دستور البوليساريو تقول: "المجلس الوطني الصحراوي هو الهيئة التشريعية للبلاد. يضطلع بمهام الرقابة على الهيئات و الأجهزة التنفيذية..."، رغم أن نفس الدستور يقطع الطريق أمام المنافسة السياسية، من خلال المادّة (31)، التي تنصّ على أنّ "حق إنشاء الجمعيات و الأحزاب السياسية ممنوع قبل الاستقلال"، والمادة (32) التي تنصّ على جبهة البوليساريو تبقى هي الإطار السياسي (الوحيد) الذي ينضوي فيه الصحراويون سياسيا...". و رغم أن دستور البوليساريو يحصر البرلمانيين المحتملين في دائرة ضيقة من موظفي الجبهة، المعينين أصلا في مهامهم إما من طرف الرئيس أو الوزير الأول؛ ومعلوم أن الوظائف في البوليساريو هي هبات تمنح لمستحقيها حسب درجة ولائهم للقيادة لا حسب مؤهلاتهم، حيث تقول المادة (80): يشترط في المرشح لعضوية المجلس الوطني ( فقرة 4): - شهادة تخرج جامعية مع خمس سنوات خدمة، أو تجربة ميدانية لا تقل عن خمس سنوات في وظيفة أو أكثر من الوظائف التالية: أ - ركن جهوي في الجيش فما فوق (أي رتبة قائد كتيبة أو فيلق، وهي أعلى الرتب العسكرية). ب- عضو مجلس جهوي فما فوق (أي مدير لأحد القطاعات الوزارية على مستوى ولاية). ج- مدير مركزي على مستوى وزارة فما فوق. د- السفراء و الممثلون و رؤساء البعثات على مستوى الدول. ه- برلماني سابق. و- عضو مكتب تنفيذي لمنظمة جماهيرية (الشباب والنساء والعمال و الطلبة). أضف إلى ذلك أن المادة (82) من نفس الدستور تفرغ المؤسسة التشريعية من وظيفتها من خلال فرض رئيس عليها من خارجها يكون حارسا عليها وموجها لعملها: - تعقد الجلسة التأسيسية للمجلس الوطني تحت رئاسة رئيس الجمهورية. تخصص هذه الجلسة لانتخاب رئيس المجلس الوطني من بين أعضاء الأمانة الوطنية ( وهم أعضاء القيادة السياسية للبوليساريو ال 29). رغم كل هذه الشروط التي من المفروض أن تنتج برلمانا على المقاس (غياب المنافسة السياسية، شروط الترشح ورئيس من القيادة السياسية)، ورغم أنها انتخابات لا يحضرها مراقبون مستقلون، يصر زعيم البوليساريو على أن تكون اللجنة المشرفة عليها مشكلة فقط من أعضاء قيادة وحكومة الجبهة وبعض معاونيهم من أهْل الولاء للزعيم. ويزكي تمسك زعيم البوليساريو بنفس الأشخاص في الإشراف على كل شيء في المخيمات، نظرية أن البوليساريو وصلت الحد الأقصى من الانحصار السياسي و فقدان الثقة، ليس في من تسميهم مناضليها أو مواطني جمهوريتها، بل حتى في هيئاتها و مؤسساتها. فالمرشحون للبرلمان في النهاية هم أعضاء قياديين في مؤسسات البوليساريو: إما قادة عسكريون أو سفراء ورؤساء بعثات أو مدراء ومسئولو قطاعات على مستوى الوزارات أو الولايات حسب المادة (80) من الدستور. ومن غير المألوف في عُرف البوليساريو إجراء مناسبتين انتخابيتين في أقل من شهر، وهي التي ليس لقيادييها وحكومتها من عمل غير الإشراف على تخليد المناسبات الوطنية والاستحقاقات الانتخابية، فغالبا ما تنتظر شهورا بين الاستحقاق والاستحقاق، لأنها الآلية الوحيدة لشغل الرأي العام الداخلي للمخيمات، ما لم يكن هناك حدث خارجي هام متعلق بالقضية الصحراوية يخدم أجندة الجبهة سيكون مادة للشحن الداخلي ولملمة اللحمة الداخلية مؤقتا. وتأتي دعوة زعيم البوليساريو لانتخابات برلمانية في هذا التوقيت، وبعد أقل من شهر على استحقاق مؤتمر الشبيبة، ليس لأن نظام البوليساريو يرمي إلى تكريس العملية الديمقراطية في المخيمات، وتكوين الكادر الوطني الذي سيكون دعامة لضمان المستقبل، كما صرح بذلك الزعيم أمام أعضاء اللجنة المشرفة على تجديد المجلس الوطني، بل بسبب الاحتجاجات الحالية التي عمت معظم المخيمات، ولأنه ليس هناك من حدث دولي أو وطني يصلح مادة للشحن الداخلي، لذلك لجأ نظام البوليساريو إلى لعب ورقة الانتخابات في هذا الظرف المضطرب داخليا والجامد إلى السير نحو الخلف خارجيا، خاصة بعد جولة روس الباردة التي لم تحقق للجبهة أي مكسب بل كادت تحرجها بسبب تزامنا مع احتجاجات غير مسبوقة في كافة المخيمات وفي العاصمة (الرابوني) بالخصوص، راجيا أن تحقق المنافسة الانتخابية التفرقة بين أفراد القبائل الصحراوية، ما دامت وحدتها في زمن الاحتجاجات في غير صالحه. وكان خطاب الزعيم أمام أعضاء اللجنة المشرفة على الانتخابات، بمثابة رسالة لكافة أجهزة النظام الذين سيشرفون على الانتخابات لجعلها حدثا غير عادي، و بالتالي التحريض والعمل لتسخين السوق الانتخابي، لأن الانتخابات هي فرصة العمر للظفر بمنصب عمل في المنظمة بالنسبة للمتبارين، ومناسبة لتشتيت القبائل وإذكاء النقرات بينها، من خلال تصارعها في حشد الأصوات لأبنائها الذين تطمع أن يكونوا شفعاء لها أو وسطاء لدى الزعيم وحاشيته. وبهذا يحاول زعيم البوليساريو تطويل عمر نظامه، وقطع الطريق على اجتماع كلمة الصحراويين للمطالبة برحيله، وقد ينجح في التخلص من بعض البرلمانيين غير الطيعين خاصة المجموعة التي طالبت في آخر دورة للبرلمان بلجنة تحقيق في اختفاء 31 صهريج مياه من سجلات وزارة المياه، وتم توجيهها لتهريب المحروقات بدل جلب الماء الشروب للاجئين.