تلتئم بالعاصمة السعودية الرياض، اليوم السبت، أعمال "القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية" لبحث التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، والتحرك العربي-الإسلامي إزاءه. وأكد بيان لوزارة الخارجية السعودية أنه تم جمع القمتيْن (العربية والإسلامية) "بشكل استثنائي، استجابةً للظروف الاستثنائية التي تشهدها غزة، وبعد تشاور المملكة العربية السعودية مع جامعة الدولة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي". وتفاعلت الرياض، في وقت مبكر من اليوم السبت 11 نونبر، مع التطورات الإنسانية والميدانية المتسارعة في القطاع المحاصر والمنكوب بعد 35 يوماً من الحرب، "استشعارًا من قادة جميع الدول لأهمية توحيد الجهود والخروج بموقف جماعي موحد يُعبّر عن الإرادة العربية الإسلامية المُشتركة بشأن ما تشهده غزة والأراضي الفلسطينية من تطورات خطيرة وغير مسبوقة تستوجب وحدة الصف العربي والإسلامي في مواجهتها واحتواء تداعياتها"، وفق تعبير البيان الذي طالعته هسبريس. كعادتها، تسجل المملكة المغربية حضورا وازناً في "قمة الرياض" و"اجتماعها الوزاري التحضيري"، مواصلة وضع مستجدات القضية الفلسطينية والبحث عن حل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة في مقدمة جهودها الدبلوماسية، وهو ما ترجمه فعلاً الحضور في اجتماعات دولية وإقليمية مكوكية بين باريسوالرياض في ظرف أقل من 5 أيام. تجلى ذلك في وفد مغربي رفيع المستوى يتقدَّمُه رئيس الحكومة عزيز أخنوش (ممثِّلا للملك محمد السادس)، وناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وأحمد التازي، سفير المغرب بجمهورية مصر ومندوبه الدائم لدى جامعة الدول العربية، ومصطفى المنصوري، سفير المغرب بالمملكة العربية السعودية ومندوبه لدى منظمة التعاون الإسلامي، وفؤاد أخريف، مدير المشرق والخليج والمنظمات العربية والإسلامية بوزارة الخارجية. الملك يدعو إلى "صحوة الضمير الإنساني" الملك محمد السادس أكد في خطابه إلى القمة الاستثنائية العربية الإسلامية أنها "تنعقد في سياق مشحون بالتوتر واستمرار المواجهات المسلحة التي يعرفها قطاع غزة، وما تخلفه من آلاف القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، ومن تخريب ودمار وحصار شامل، في خرق سافر للقوانين الدولية وللقيم الإنسانية". "رغم ارتفاع بعض أصوات الحكمة الداعية إلى خفض التصعيد والتهدئة، لا زالت المدافع والصواريخ الإسرائيلية تستهدف المدنيين العزل، من أطفال ونساء وشيوخ، ولم تترك دار عبادة أو مستشفى أو مخيما إلا ودمّرته كليا أو جزئياً"، يأسف العاهل المغربي في خطاب تلاه رئيس الحكومة، مذكّرا: "لقد دعونا، من منطلق التزامنا بالسلام، وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، إلى صحوة الضمير الإنساني لوقف قتل النفس البشرية التي كرمها الله عز وجل، والتحرك جماعيا، كل من موقعه". "الكل معنيّ بحرب الإبادة" محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاضي عياض بمراكش، حلل دلالات الجمع الاستثنائي وغير العادي للقمتين بشكل مشترك، قائلا إن "كل الدول معنية سواء كانت عربية أو إسلامية بما يجري فوق الأراضي الفلسطينية"، مضيفا: "لا بد من تواتر الجهود، فما يجري منذ أكثر من شهر حرب إبادة في قطاع غزة ضد الأعراف والقوانين الدولية، بل تجاوز الأمر إلى انتهاك صريح لقوانين الحرب (اتفاقية جنيف)". ولفت نشطاوي، في تصريح لهسبريس، إلى أن "الحدث واستعجاليته يمكن تفسيره بأمرين: إما هو نتيجة أن أطرافاً ودولا عربية تريد إدانة ما تقوم به حماس رغم مطالبتها بحماية المدنيين، مع ما يعنيه ذلك من عدم إيقاف مسلسل التطبيع، أو إن القائمين على الأمر رأوا وقدَّرُوا أن الهدف يظل واحداً سواء انعقدت قمة عربية أو إسلامية بشكل منفصل، ما استدعى توحيد الجهود للخروج بموقف أقوى". ولم يُفت الخبير في العلاقات الدولية أن يشير إلى أن "هناك تياراً للممانعة بين الدول العربية والإسلامية مازال مصراً على دعم خيار المقاومة وحسم الصراع عسكرياً"، ما يجعل "التوافق صعبا على مشروع قرار يدين إسرائيل صراحة رغم أن ما يعتمل يرقى إلى توصيف نكبة ثانية بتواطؤ عربي-غربي". المغرب يمسك "العصا من الوسط" وعن المشاركة المغربية في قمة الرياض، شدد نشطاوي على أن "المغرب، باعتباره فاعلا عربيا وإسلاميا من خلال رئاسته لجنة القدس ودعوته دائما إلى خفض التصعيد، مستمر في إمساك العصا من الوسط وتجسيد دوره التاريخي بوصفه من أكثر المدافعين عن القضية والشعب الفلسطينييْن"، خالصا إلى أن المغرب في الآن ذاته "يحاول جاهداً إبعاد علاقته مع إسرائيل عن أي تشويش قد يؤثر على المصالح المكتسبة". "ظرفية استثنائية" خيط الاستثناء الذي يسم اجتماع قادة عرب ومسلمين في "قمة الرياض" التقطه سريعاً حسن بلوان، أستاذ باحث في العلاقات الدولية، مؤكدا أن "اجتماع القمة العربية والإسلامية مجتمعتَيْن حدثٌ استثنائي فرضته الظرفية الاستثنائية التي دخلت فيها الحرب التطهيرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة يومها السادس والثلاثين". "توحيد جهود الدول العربية-الإسلامية يرسل رسالة مباشرة إلى الإدارة الأمريكية باعتبارها الراعي العسكري الإعلامي والدبلوماسي للحرب الإسرائيلية الدامية في غزة"، يورد بلوان ضمن قراءته التحليلية للقمة العربية الإسلامية الاستثنائية، مضيفا في تصريح لهسبريس أنه "في الوقت نفسه يَضرب في مقتل أجهزة ومؤسسات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إنْ لم تخرج بقرارات مُلزمة توقف حرب الإبادة والتطهير العرقي". "إجماع دون أثر"؟ وبالاطلاع على مداخلات وكلمات الوفود الإسلامية والعربية، لاحظ أستاذ العلاقات الدولية أن "هناك إجماعا على شجب واستنكار وإدانة الحرب الاسرائيلية في غزة، لكن دون اتخاذ مواقف عملية أو اعتماد آليات فورية لفرض وقف هذه الحرب التي تجاوز فيها الاحتلال جميع الخطوط الحمراء بقصف المدارس والمستشفيات، وحتى المؤسسات الأممية لم تَسْلم من الاستهداف". وزاد شارحا: "من خلال متابعة واستشراف سريع لمخرجات هذه القمة (الإسلامية/العربية) الطارئة والاستثنائية، ورغم أن مواقفها لا ترقى إلى حجم الكارثة الإنسانية في غزة، ولا تشكل إجراءاتها ثورة حقيقية في التوازنات الجيو-استراتيجية الإقليمية والدولية، فإنها تشكل بداية حقيقية لتنسيق الجهود العربية والإسلامية من أجل فرض وقف الجرائم الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة". "إجراءات فورية" وعدد بلوان "الإجراءات الفورية" المرتقبة للقمة في "فرض وقف الحرب ورفع الحصار المفروض على غزة بشكل فوري ودائم"، و"فرض وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل فوري ودعم جهود وإجراءات جمهورية مصر في هذا الشأن". يضاف إلى ذلك، "رفض أي فصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبارهما جسدا واحدا للدولة الفلسطينية"، مع "التعجيل بعقد مؤتمر للسلام يبحث حل جذور الصراع العربي الإسرائيلي في إطار المبادرة العربية لسنة 2002". وخلص بلوان إلى أن القمة قد تذهب في اتجاه "شجب التصرفات الإسرائيلية في الضفة الغربيةوالقدس الشريف، مع اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني"، و"التأكيد على الوصاية الأردنية الهاشمية الحصرية على القدس، ودعم دور لجنة القدس التي يرأسها المغرب في الحفاظ على الهوية الإسلامية للقدس الشريف". يشار إلى أن الاجتماع التحضيري، بمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، تباحَث "مشروع القرار الذي سيرفع للقمة للنظر في إقراره ليمثل موقفا جماعيا موحدا معبرا عن الإرادة العربية والإسلامية المشتركة بشأن تطورات الوضع في غزة". ومع تزايد حدة القصف (خصوصا استهداف المستشفيات والمدارس) واتساع رقعة المواجهات الميدانية في غزة، لم تفتر الجهود العربية-الإسلامية، خلال الأسبوع المنقضي، لتُتوج بسلسلة من اللقاءات التشاورية والتنسيقية بين الوزراء والأمانة العامة لجامعة الدول العربية والأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي والدولة المضيفة (السعودية)، من أجل الإعداد والتحضير للاجتماع الوزاري والقمة وما سيُعرض عليها.