الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والتي توشك أن تنهي شهرها الأول، خرقت قوانين الحرب العادلة كما هو متعارف عليها دوليا، لتتحول إلى حرب إبادة لا تبقي ولا تدر. حرب لا تميز بين امرأة وشيخ وطفل، هدف أسلحتها التقليدية وغير التقليدية هو إفناء سكان غزة عن بكرة أبيهم، أمام مرأى ومسمع عالم يزعم الديمقراطية والتحضر. الغرب كله اصطف خلف إسرائيل في حربها على حماس. يذكرنا هذا التحالف الأعمى بسنة 2003، حين جيشت الولاياتالمتحدة كل دول الحلف الأطلسي وجاءت بها لدك العراق بحجة أن صدام حسين يمتلك أسلحة الدمار الشامل. كذبة جورج بوش الابن وتوني بلير، رئيس الحكومة البريطانية وقتها، تبناها الغرب دولة دولة، وانجرت دول عربية عديدة مع الكذبة نفسها، التي عززها الإعلام الغربي وتمكن بأساليبه وتقنياته الشيطانية من غرسها في العقول. خربت العراق، استشهد آلاف العراقيين، واغتيل رئيسها، ليتبين للعالم كله، بعد تدمير بلاد الرافدين، أن صدام حسين لم يكن يمتلك ولو ذرة واحدة من ذرات السلاح النووي. يعود الغرب اليوم ليتحالف مع إسرائيل والولاياتالمتحدة بهدف تدمير حماس وتهجير سكان غزة من خلال حملة همجية، ترمي إلى وضع حد للقضية الفلسطينية وتصفيتها بشكل نهائي مادام حل الدولتين الذي زعمت أمريكا والغرب كذبا أنهم يتبنونه ويدافعون عنه ما هو سوى وهم يسوقونه في انتظار أن يهجروا سكان غزة والضفة إلى الدول المجاورة. نعم هرع أغلب رؤساء دول أوروبا إلى تل أبيب ليدعموا ناتنياهو، وليؤكدوا لشعوبهم أن ما تقوم به إسرائيل، يدخل في إطار حق الدفاع عن النفس ضد منظمة حماس الإرهابية. نتانياهو مثله مثل قادة حكومته، أطلقوا العنان للسب والتوصيف المشين في حق حماس وأهل غزة عموما واعتبروهم مجرد حيوانات على تشبه الإنسان. نتانياهو تبنى خطاب تخويف الغرب، واصفا منظمة حماس ب"داعش". وهدد الغرب إن هو لم يقف معه ويبارك حربه على أهل غزة فإن إرهاب الفلسطينيين "الداعشيين" سيطال كل أوروبا وأمريكا. هذا الخطاب المغلوط، والذي يتأسس على زعم كاذب، يهدف إلى ترويع شعوب أوروبا وأمريكا، يسقط القناع عن وجه نتانياهو ويكشف خسته ونذالته بل ووجه حكومة إسرائيل الإرهابي. نعم إنه يرهب الغرب ويخوفه من حماس، ويحذره منها وهو يعلم كما يعلم زعماء كل دول العالم أن منظمة حماس تمثل المقاومة ضد كيان صنعته إنجلترا والغرب عموما وتدعمه الولاياتالمتحدة اليوم بالمال والأسلحة. أمريكا ومن يدور في فلكها، ترى أن لإسرائيل حق إقامة دولة على أرض فلسطين، وأهل الأرض الأصليين عليهم الرحيل، فأرضهم ومقدساتهم هي من حق الدولة العبرية، وكل من يعارض هذا الطرح يواجه الموت وتهمة الإرهاب وإذا تم الرفق به يعتق ويزج به في السجن إلى الأبد. المواجهة لا شك أنها ستطول بين الفلسطينيين وإسرائيل، والغرب يدعمها دون حرج، غاضا الطرف عن الجرائم التي تبث أمامه على قنوات التلفزيون والتي بلغت حتى الآن عشرة آلاف ضحية والحبل على الغارب كما يقول المثل. أمريكا ومن هم تحت هيمنتها، لا يتحرجون في ممارسة نفاق مكشوف لا شك أنهم سيجنون تبعاته السيئة على المدى المتوسط والبعيد. ففي الوقت الذي هبت فيه الولاياتالمتحدة وحلفاؤها لمواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قرر أن يتحدى غطرسة الحلف الأطلسي، واحتل أوكرانيا ليضع حدا لامتداد هذا الحلف الذي انسل عن طريق دولة أوكرانيا إلى عقر داره، ثارت ثائرة الغرب واستنكر الكل قتل المدنيين. جون بايدن وزعماء الحلف الأطلسي، لم يبق لهم سوى أن يذرفوا الدموع وهم يرون أبناء جلدتهم يقتلون ويهجرون. فهبوا عن بكرة أبيهم لمواجهة بوتين المجرم بالحديد والنار، وفرضوا عليه عقوبات لم تفرض على رئيس قبله. هذه الأحاسيس الإنسانية الجياشة، لم تتحرك لدى أمريكا وغيرها من دول أوروبا وهم يرون محرقة لا تقارن بمحرقة هتلر لليهود، ولا بمحرقة نيرون لروما، دون أن يتخذوا موقفا حازما يحمي الشيوخ والنساء والأطفال. الإبادة التي تقوم بها إسرائيل حاليا في غزة ستظل عارا لن يمحى، ما دامت السماوات والأرض، على جبين كل من بارك ما يفعله نتانياهو "الداعشي" الأول في العالم المتحضر. كل من كانت لديه استطاعة ولم يدن إرهاب إسرائيل سيحاسبه التاريخ، أما ناتنياهو فسيلقي به هذا التاريخ في مزبلته كما فعل مع العديد من سفاحي إسرائيل ماتوا ولم يعد يذكرهم أحد.