-1- "" صورة الإمارات العربية المتحدة تتمرغ هذه الأيام في وحل العار أمام أنظار العالم أجمع. شريط الڤيديو الذي بثته قناة "إي بي سي" الأمريكية، وتناقلته عنها مواقع الأنترنت، حيث يظهر عيسى ابن زايد، أحد أفراد العائلة الحاكمة في الإمارات، وهو يمارس ساديته المجنونة على شريك أفغاني كانت تجمعه به علاقة تجارية، جعل الأبراج الشاهقة والفنادق الأسطورية، والجزر الاصطناعية التي تتباهى بها الإمارات تنهار كلها في رمشة عين واحدة. فعندما تسود سادية الحكّام وأفراد عائلاتهم، وتغيب العدالة والحق، تصير كل هذه الأشياء بلا معنى. -2- عيسى مارس ساديته على شريكه التجاري، وعذّبه بلا شفقة ولا رحمة. قتله عشرات المرات عندما كان يطلق الرصاص من حوله. وقتله عندما صبّ عليه السائل الحارق وأشعل النار في خصيتيه. وقتله عندما دكّ عظامه تحت عجلات سيارته ذات الدفع الرباعي. ومع أن فرعون الإمارات اقترف هذه الجريمة النكراء قبل خمس سنوات، إلا أن العدالة الإماراتية لم تتحرك، ولم تفتح الشرطة أي محضر من أجل الاستماع إلى فرعون القرن الواحد والعشرين، وكانت القضية ستنتهي إلى عالم النسيان، لكن الله تعالى حال بقدرته دون ذلك. وها نحن نشاهد بالصوت والصورة هذه الجريمة الإنسانية التي يستحق عليها عيسى أن يمثُل أمام محكمة الجنايات الدولية، ما دام أن محاكم الإمارات، الدولة الإسلامية يا حسرة، لا تستطيع أن تحاكم هذه الطاغية. فهل ستتحرك الجمعيات الحقوقية في الوطن العربي، وتطالب بنقل عيسى على الفور إلى لاهاي، أم أن الحقوقيين العرب أيضا سيصمتون، مثلما صمتت عدالة الإمارات، ويرفع الجميع مرة أخرى شعار المؤامرة، خصوصا وأن هذه الفضيحة المدوية جاءت مرة أخرى من الغرب. -3- فضيحة الطاغية عيسى، ليست وصمة عار على جبين الإمارات لوحدها، وإنما على جبين العالم العربي برمّته. فلو لم يتم تصوير هذه الجريمة النكراء، وتهريبها إلى الخارج بعد ذلك، لما شاهدها أحد. ويعلم الله كم من الجرائم مثل هذه تحدث في البلدان العربية كل يوم، في مفوضيات الأمن وفي دهاليز المعتقلات السرية وداخل قصور الحكام. وما يثير الحنق ليس هو هذه الجريمة في حد ذاتها، وإنما الإفلات من العقاب، وغضّ الطرف عن جرائم أفراد العائلات الحاكمة والمقربين منهم. فأين هم أولائك الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عقب فضيحة سجن أبو غريب في العراق، ولماذا لزموا الصمت حُيال فضيحة عيسى، علما أن جريمته أبشع من جريمة الجنود الأمريكيين في حق سجناء أبو غريب. فقد قيّد الضحية بإحكام، وأطلق من حوله الرصاص، وملأ فمه وعينيه بالرمل، وضربه بعصا مكسوّة بالمسامير حتى سال دمه ورش الملح فوق الخدوش كي يبلغ الألم ذروته، وأدخل مهمازا في دبره، وأهرق عليه مادة حارقة، قبل أن يشعل النار في خصيتيه، ويدكّ عظامه تحت عجلات سيارته الثقيلة. وظل مع ذلك بعيدا عن قبضة العدالة، في الوقت الذي تمّت فيه محاكمة الجنود الأمريكيين المتورطين في فضيحة سجن أبو غريب، ونالوا حقهم من العقاب. فلا تلوموا الغرب إذن، لأنه، ورغم كل مساوئه يوجد فيه الحق والعدل، الذي هو أساس الحكم والملك. هل تعرفون الآن لماذا يرفض الغرب أن يسمح للعرب بامتلاك أسلحة نووية؟ لأن حكامنا ساديون، ويتصرفون وفق ما تمليه عليهم أمزجتهم التي تتقلب في اليوم ألف مرّة، ويستطيعون أن يفعلوا ما شاؤوا، دون أن يعارضهم أحد. لذلك فعندما يملك هؤلاء أسلحة نووية فالعالم سيصير حقا في خطر. -4- ويبقى المثير للدهشة والاستغراب، هو أن الإعلام العربي بدوره رفع شعار لا أرى لا أسمع لا أتكلم ، خصوصا تلك القنوات الفضائية التي تدعي أنها جريئة، وتقول الحقيقة دون أن تخشى لومة لائم. فقد بثوا صور سجناء أبو غريب بلا كلل ولا ملل، وطالبوا بمحاكمة بوش ورامسفيلد وجنودهما، وها هم اليوم قد فقدوا شجاعتهم بالكامل، وتحولوا إلى خراف صامتة، لأن المجرم هذه المرة عربي ابن العرب، لذلك سيصمتون، وسيرفعون شعار انصر أخاك ظالما أو مظلوما، لأنهم بكل بساطة، لا يشربون حليب السباع إلا عندما يتعلق الأمر بفضح جرائم الغرب، لأن الغرب يكفل حرية التعبير للجميع، علما أنهم لا يفضحون في الأصل شيئا، لأن الإعلام الغربي يفضح حكامه أولا، ويتحولون إلى ثعالب خائفة، عندما يتعلق الأمر بأحد أفراد العائلات العربية الحاكمة، لأن ما يحرك الإعلام العربي مهما حاولنا أن ننكر ذلك، هي المكالمات الهاتفية التي تأتي من داخل القصور، أما غرف التحرير فلا تنفذ سوى ما يريده الحكام. لقد قلت لكم بأن كل شيء في هذا العالم العربي الغارق في الظلم والظلمات يسير وفق ما تمليه الأمزجة المتقلبة، والضمائر الميتة، والعقول المريضة. فاللهم خذ الحق من الطغاة والظالمين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.