تحذير من تساقطات ثلجية وأمطار قوية ورعدية مرتقبة اليوم الأحد وغدا الاثنين    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    توقعات أحوال الطقس ليوم الأحد    تفكيك شبكة صينية لقرصنة المكالمات الهاتفية بطنجة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    الصين تندد بالرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ أمريكا القريب
نشر في هسبريس يوم 23 - 10 - 2023

كانت شعرة قد استُؤصلت من لِبْدة أسد الغابة (اللِّبدة هي الشعر المتراكم بين كتفي الأسد)، لو اقتصر الفعل على جزء من جسده؛ لما أرادت أمريكا أن تعرف آنذاك موقف الدول والجماعات السياسية المتعددة التوجهات والمرجعيات، سواء كانت دينية، أو ذات عقيدة فكرية مُنظّر لها؛ من الاعتداءات التي تعرضت لها في 11 شتنبر 2001م؛ من طرف فاعل جريء؛ قام بفعل لم يأت أحد بمثله من قبل، فارتجت أرجاء الغابة من فرط زئير غَضْبة مُستشاطة، وفرّت من بين مخالب الأسد الحيوانات المُستصغَرة؛ درءا لشر انتقام.
فإلى أي حد يمكن أن تُخلع هذه الصورة على أمريكا؟
أذهب هجوم اليوم الحادي عشر من ذلك الشهر بصيرة رئيس الحكومة الفيديرالية (جورج ولكر بوش؛ 6 يونيو 1946م- GEORGE Walker Bush)، خلال فترة رئاسته من 20 يناير 2001م إلى 20 يناير 2009م، ولتوه وبفعل عمى الغضب؛ صرح مباشرة عقب هجوم الطائرات الثلاث على المؤسسات الحيوية لأمريكا؛ بأن ما حدث حرب صليبية، ولولا استدراكه لفلتة اللسان هذه بزيارته للمركز الإسلامي بواشنطن، ليعلن ربما لأول مرة في تاريخ رئاسة البيت الأبيض؛ أن الدين الإسلامي هو دين سَماحة وتسامح وسلام؛ لسادت بقاع العالم حرب صليبية بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي، فاختلق الأكاذيب وأثار الشبهات يبرر بها هجمة شرسة؛ حشد لها كل ما لدى أمريكا من أسلحة الاجتياح والقتل والدمار والتشريد؛ ليزحف على الأراضي الأفغانية المقفرة؛ التي كان يتحرك عليها المتهم الرئيس أسامة بن لادن (1957م – 2007م)؛ زعيم تنظيم القاعدة، فأمريكا وأسد الغابة سيان، كلاهما يسودان بمقتضى قانون الغاب، الذي يجيز للقوي أكل الضعيف، كأنه عُرف مسلم به، أو ركن من عقيدة راسخة، حيث تمثل أمريكا الحلقة الأولى للسلسلة الغذائية للبيئة الغابوية، وحيث أن دولا هي دون أمريكا تطورا وسطوة مثل الاتحاد الأوروبي؛ تحتل ما يلي من حلقات السلسلة، فهي تقتات مما يفضل من نتف لحم عظام حيوان (الثَّيْتَل الإفريقي)، في استكانة أمام جبروت واستكبار أسد الغابة.
هذا أهون مما طال باقي مناطق العالم، والقليل مما تمخض عما صاغه البيت الأبيض من تشريعات، وما سَنّه من قوانين، وما خططت له وزارة الدفاع الأمريكية، للقضاء على خلايا وأوكار الإرهاب، حسبما يصطلح عليه في القاموس السياسي الأمريكي، أي جماعات ومنظمات وتنظيمات مارقة عن النظام الدولي المستكين. ما يُستشفّ أن قصورا مُتعمّدا في تناول المتغيرات والاهتزازات الاجتماعية والسياسية؛ التي أصبحت تمس مجتمع القرية العالمية. كان الأجدر أن يوضع مخطط حضاري شامل؛ تُراجِع على أساسه الولايات المتحدة الأمريكية علاقاتها مع الدول والشعوب والأقليات الدينية والإثنية، فلا نعرف عبر التاريخ للظلم والعداوة والاستضعاف مُستتبّا! فكيف لأمريكا أن تقود العالم وتُحكِم سيطرتها عليه، وهي تنهج سياسة خارجية مبنية على الاعتداء والتدخل السافر في الشؤون المحلية للدول، وتُؤجّج العداوات، وتُسلّط هذا على ذاك؟ ماذا يعني اِحتكار أنماط الصناعات التكنولوجية المتطورة، وتكديس ما تُثْمره من ثروات داخل حدود أمريكا، في حين تعيش شعوب إفريقيا وآسيا على الكفاف والفقر المدقع؟
قد يتأتى وعيُنا بسياسة أمريكا العدوانية، ووصف الوضع السياسي العالمي بعد اليوم الحادي عشر من شهر شتنبر 2001م؛ بارتياد مسلكين لما حدث قبل الحدث الدامي الجسيم.
أحداث العالم السياسية بعد الحرب العالمية الثانية
في فجر اليوم السابع من شهر دجنبر من سنة 1941م؛ أقلعت طائرات حربية من حاملات الطائرات اليابانية؛ كانت تُرابط في مياه المحيط الهادئ، وهاجمت القاعدة البحرية الأمريكية الموجودة في خليج (بيرل هاربور؛ Pearl Harbor) بإحدى جزر أرخبيل (هاواي)، فدمرت أغلب وحدات السلاح الجوي والبحري الأمريكي (177 طائرة و88 سفينة حربية)، وبلغ عدد الضحايا 217 قتيلا و876 مفقودا، في اليوم التالي استُفتِي الشعب الأمريكي حول ما إذا كان يُوافِق على دخول أمريكا إلى الحرب، التي تدور رحاها في أوروبا وفي شمال إفريقيا وفي المحيط الهادئ، فصفق الأمريكيون للرئيس الثاني والثلاثين فرانكلين روزفلت (1882- 1945؛ FRANKLIN Delano Roosevelt) بحرارة، واعتلت وجوههم ابتسامة الحماس، وهم يدركون في قرارة أنفسهم أنهم بعيدون عن جبهات القتال، يفصلهم عنها محيطان بأمواجهما الصاخبة (المحيط الأطلنتي والمحيط الهادئ)؛ لم يسبق وأن شربوا نخب انتصار في حرب خارجية، فلم تخب ظنونهم، وكانت فرحتُهُم أكبر مما كانوا ينتظرون، لم تُعلن أمريكا انتصارها في الحرب العالمية الثانية فقط؛ بل أنهتها لصالحها باكتساب السلاح النووي، الذي أرعبت به العالم، فقد شاهدت البشرية بأم عيونها كيف تلقت اليابان ضربتين قاصمتين، لم تستطع بعدها لملمة شتاتها؛ أُلقِيت القنبلة النووية الأولى على المدينة اليابانية (هيروشيما)؛ في 6 غشت 1945م، والثانية على مدينة (ناكازاكي) في 9 غشت 1945م، ووصل عدد ضحايا القنبلتين إلى خمسة وثلاثين ألف قتيل.
ففي الوقت الذي كان فيه ثلث العالم يرزح تحت أنقاض الحرب، ويُطمِر قتلاه في مقابر جماعية، ويضمد جراحه؛ كانت نساء أمريكا الشقراوات يلوحن بسعادة غامرة للجيوش الأمريكية العائدة من الحروب بمناديلهن، والاقتصاد الأمريكي معافى لا يلحقه أي ضرر، حيث جلبت عملة الدولار الأمريكي الأرصدة المالية العالمية، ليرفل الشعب الأمريكي بعد ذلك في نعيم غنائمه من الحرب، فأُنيطت بأمريكا أعظم المسؤوليات، وهي العمل بشتى الوسائل على استقرار سوق المال والاقتصاد؛ أصبحت فيه عملة التداول الدولية هي الدولار الأمريكي، وقيادة معسكر الرأسمالية الغربية في حرب باردة ضد معسكر الشيوعية؛ الذي كان يُهدّد بأمميته الاشتراكية تأميم وسائل الإنتاج الخاصة، والرأسمال الحر العالمي، والذي عسكر قاب قوسين أو أدنى من حائط (برلين) الذي فصل الأمة الألمانية إلى أمتين؛ واحدة اشتراكية والأخرى رأسمالية؛ كان دليل استهانة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا الغربية بمشاعر الأمم، فتذلها وتستضعفها، وأنكى من هذا أن أمريكا قامت بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها؛ بالنصب على ألمانيا بسرقة علمائها في مجال الصواريخ وعلم الذرة.
ففي أواخر الحرب العالمية الثانية وقع المهندس الألماني (وولتر دورينبركَ 1895م – 1980؛ WALTER Dornberger)، ومستشاره (فيرنهير فون براون؛ 1912م – 1977م)؛ أسرى في أيدي الأمريكيين، فتم نقلهما إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتجنسا في ما بعد بالجنسية الأمريكية في سنة 1956 م، أشرف (براون) على برامج غزو الفضاء في أمريكا، فهو الذي صمم الصاروخ الأمريكي (ساترون؛ Fusée Saturn)؛ الذي حمل أغلب مركبات (أبولو) إلى الفضاء؛ تباهت بها أمريكا، وأذهلت العالم، كما قام بتصميم أول صاروخ حامل لرؤوس نووية اسمه (داستون)؛ اُستخدِم خلال الحرب الكورية في سنة 1953 م.
وسقطت قرية (بينموند؛ Peenemünde) الواقعة في جزيرة (يوزدوم؛ Usedom)؛ عند مصب نهر (الأودر؛ L'Oder)، كان قد خصصها أدولف هتلر (1889م- 1945م) للمهندسَيْن اللذين سلف ذكرهما؛ لإجراء أبحاث في الصواريخ؛ في يد الجيش الروسي، حيث اكتُشِفت أسرار صناعة الصواريخ، فبدأ سباق ُمُهيج؛ محموم نحو التسلح بوسائل الدمار النووية بين روسيا وأمريكا، تمخضت عنه أكبر حركة جاسوسية في تاريخ الإنسانية، ولم تخمد نعرة ذلك السباق إلا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بعد أن ضاق الروس أنفسهم ذرعا باشتراكيتهم، فوقع انفراج سياسي في العديد من مناطق التوتر بين الدولتين العُظمتين.
والحدث التالي الذي لا يقل أهمية عما سبق التطرق إليه هو انتهاء حرب الخليج الأولى، بعد أن عجزت القوات الإيرانية عن مواصلة حربها ضد العراق، مما اضطر الإمام الخميني (1902م – 1989م)؛ على موافقته على قرار منظمة الأمم المتحدة رقم 598 القاضي بوقف إطلاق النار بين إيران والعراق، هذا الأخير كانت لا تزال دماء الحرب تسري ساخنة في عروقه، فاجتاح الكويت بئر النفط العالمية في الوقت الذي انجلت فيه الحرب الباردة، والتي كان من الممكن أن يلوح بورقتها، فتَشَكّل تحالف عسكري دولي تزعمته أمريكا؛ لإرغام العراق على الانسحاب من الكويت، فزادت حرب الخليج الثانية من تكريس أحادية قطب العالم بعد اندحار ند أمريكا الشيوعي.
توزيع التدخلات الأمريكية على خريطة العالم السياسي
كان أحمد الخميسى (كاتب مصري) قد كتب مقالا في زاوية (ناصية) بصحيفة (أخبار الآداب) المصرية عنوانه: أمريكا: البحث عن الذات؛ قال فيه: "... وأمريكا هي الدولة الوحيدة التي بدأت وجودها بالعدوان منذ بيان استقلال المستعمرات الإنجليزية عام 1776م واستمرت في ذلك عبر تاريخها كله انطلاقا من حقها الذي افترضته لنفسها في التدخل، في شؤون الدول الأخرى عملا بأطروحة (مونرو) الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الخامس (جيمس مونرو؛ 1758م – 1831م؛ JAMES Monroe)؛ عام 1823م، ثم طوره كل الرؤساء اللاحقين في نظريات تصب في نفس اتجاه (حق التدخل)، وعبر تاريخ وجودها القصير نسبيا شنت أمريكا الحرب على نحو 40 دولة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية (...) بدعوى أن التطور يقوم على ظلم البعض للبعض".
يضيف صاحب المقال: "كما عبر عن ذلك عام 1975 م الرئيس الثامن والثلاثين (جيرالد فورد؛ 1913م – 2006م؛ GERALD Rudolph Ford)؛ عند سؤاله عن احتمالات تدخل عسكري من أجل نفط الخليج فقال: قد يكون ذلك ظلما، ولكن حروبا تشن منذ أقدم العصور للاستلاء على الموارد الطبيعية أو بدعوى مكافحة الشيوعية".
ولم يكن مبدأ (مونرو) محض تفكير نظري غير قابل للتطبيق في ذلك لعهد؛ أي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، نسوق مثال دولة رسمت أمريكا حدودها على خريطة العالم السياسية هي (ليبيريا)، حيث قامت بتوطين أفواج من الزنوج الأمريكيين؛ في الرقعة الجغرافية الممتدة ما بين (سيراليون) و(ساحل العاج) سنة 1822م، وتم الإعلان عن استقلالها سنة 1847م؛ اعترفت بكيانها السياسي بريطانيا، ثم تلتها بقية الدول الكبرى؛ تسيطر على اقتصادها شركات أمريكية.
دولة أخرى هي (بناما)؛ عبارة عن شريط إقليمي يقع في جمهورية (باناما)؛ يفصلها من ساحل بحر الكارايبي إلى شاطئ المحيط الهادئ. إلى حدود سنة 1968م كانت لا تزال تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية؛ بحكم معاهدة 1903م؛ تُسير من طرف مجلس إدارة منطقة القناة وشركة قناة (باناما)، ويعين رئيس أمريكا مجلس إدارتها؛ الهدف هو خلق ممر بحري آمن للسفن والبوارج الأمريكية.
وفي كوبا اِستمات الشيوعيون من أجل إقامة نظام اشتراكي موالي للاتحاد السوفياتي، فقد نجحت الثورة بقيادة (فيديل كاسترو؛ 1926م – 2016م؛ FIDEL Castro) بمساعدة (تشي كَيفارا؛ 1928م-1967م؛ ERNESTO Che Gue Vara)؛ نموذج التغيير والثورة.
ما حدث أن كوبا شكلت منطقة تماس مشحون بين روسيا الاشتراكية وأمريكا، فلم يكن للرئيس (جون فيتزجيرالد كينيدي؛ 1917م – 1963م؛ JOHN Fitzgerald Kennedy) بُدّا من أن يترك كوبا وشأنها بعد توتر عسكري كاد أن يؤدي إلى حرب نووية، فنجا العالم من ويلاتها.
أما أبشع تدخل عسكري أمريكي في القرن العشرين كان في الفيتنام، تعود أسبابه إلى سنة 1940م عندما ظهرت حركة تحرير تزعمها (هوشي منه؛ 1890م- 1969م؛ Hôchi Minh)، حيث قام بتأليف الحزب الشيوعي للهند الصينية في )هونغ كونغ) سنة 1930م، وهو حلف ضم الشيوعيين وباقي المقاومين الوطنيين؛ لمناهضة الاحتلال الياباني؛ صاحبه اِنسحاب الفرنسيين، ثم ما لبث أن عاد الفرنسيون في عام 1945م، فتجدد الصراع بين هؤلاء وحركة (الفييت منه؛ Viêt Minh)؛ انهزمت على إثره فرنسا في (ديان بين فو؛ Bataille de Diên Biên Phu)؛ جرت ما بين 13 مارس و7 ماي من سنة 1954م، فانسحبت في أبريل 1956م بعد اتفاقية وقف إطلاق النار التي وُقِّعت بِ(جنيف) السويسرية في 21 يوليوز 1954م، وتضمنت تقسيم الفيتنام إلى شمالية وأخرى جنوبية، يفصلهما نهر (بين هاي؛ Bên Hâi)؛ في الشمال قامت الجمهورية الاشتراكية برئاسة (هوشي منه)؛ اِعترف بها الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية، أما في الجنوب فكانت الولايات المتحدة تؤازر الحكومة الديكتاتورية التي تزعمها (نجو دينه دييم؛ 1901م – 1963م؛ Ngô Dinh Diêm)؛ أطاح بها انقلاب عسكري في الثاني من نونبر 1963م، وقتل (نجودين)، فتوالت الحكومات العسكرية؛ كانت أمريكا تؤيد حكومة ضد أخرى؛ فشلت في القضاء على الحركة الشيوعية التي تقودها جبهة تحرير الفيتنام، وبعد الفشل الذريع لهذه الحكومات أقحمت أمريكا نفسها ضد هذه الحركة، فتدفقت القوات الأمريكية البرية والبحرية والجوية منذ سنة 1965م، ارتفعت من 23 ألف مقاتل في منتصف السنة إلى نصف مليون مقاتل في نهايتها، وأُقيمت عدة قواعد عسكرية أمريكية.
في سنة 1966م قرر الرئيس الأمريكي السادس والثلاثين (ليندون. ب. جونسون؛ 1908م – 1973م؛ LYNDON B. Johson)؛ شن غارات جوية على فيتنام الشمالية؛ مُتّهما إياها بضرب المعسكرات الأمريكية في الفيتنام الجنوبية، والهجوم على السفارة الأمريكية ب(سايغون؛ Saigon)، والإمدادات التي تقدمها إلى حركة (فييت كونغ؛ Viêt Công)؛ ترتب عنها مضاعفة عدد القوات الأمريكية، وخسائر باهظة في الأرواح والطائرات، فأظهرت حرب الفيتنام الوجه الشرير المتخفي وراء الديمقراطية الأمريكية التي تتشدق بها أمريكا، ومدى الفشل الذريع في تدخلاتها العسكرية، الذي لا يزيد إلا تأججا في العداء لأمريكا.
استنتاج
فلا بد لتقاطع أن يحدث بين هذين المسلكين؛ فاصل تماس أفرز ما يكفي من الحساسية العدائية تجاه أمريكا، لتوجيه ضربة مُربكة ومُوجعة لدولة عاتية، لم تُجد أجندتها من أنواع ووسائل الأمن الداخلي والخارجي؛ المتمثل بالأساس في "وكالة المخابرات المركزية"، و"المكتب الفيدرالي الأمريكي"، نفعا على الرغم من صرحهما التجسسي، فقد كتب سعد البزاز مقالا عنوانه: مخابرات تبحث أعداء؛ قال فيه: "على الرغم من سعة إمكانات المخابرات الأمريكية والشفافية التي تتحكم بعملها وكثرة المراجعات التي عرفتها؛ إلا أنها أنهت الألفية الثانية بلائحة طويلة من مظاهر الفشل الاستراتيجي، وهو السبب الذي يحرك الدعوات مجددا داخل الولايات المتحدة للبحث عن مستقبلها ومراجعة أسلوب عملها"، ومن أبرز معالم الفشل:
– عجزها عن معرفة نيات صدام حسين (1937م – 2006م)، وخططه العملية للقيام بعملية عسكرية شاملة يغزو فيها الكويت.
– كانت المخابرات الأمريكية خارج عملية التفكيك الكبيرة التي شملت دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى درجة أنها كانت تنظر بحذر وتخوف إلى بوريس يلتسين (1931م – 2007م)؛ من دون أن تتنبه إلى أن الاتحاد السوفياتي سيتفكك على يد هذا الرجل.
ليس من قبيل المبالغة أن يجعل هذا الفشل المجتمع المدني الأمريكي ينقلب على عقبيه، ويعطي بظهره للحكومات الفيديرالية، ويفقد الثقة في ما يجري في أروقة البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، وكما درجت السياسة الرأسمالية الغربية منذ تكالب الدول الإمبريالية التقليدية على بلدان إفريقيا وآسيا؛ في خلق عدو تاريخي وأبدي هو الإسلام والمسلمون لتأجيج الإحساس بوحدة المصير داخليا، وكذلك فعلت الصهيونية العالمية لإعادة جمع شمل اليهود، وتأسيس وطن قومي لهم في أرض فلسطين.
فما هو ثابت أن المؤسسات الاقتصادية ذات التركز العمودي والأفقي والشركات المتعددة الجنسيات؛ تتلاعب بعقول الأمريكيين، فما هو مُستهدف في عملية الحادي عشر من شهر شتنبر الانتحارية؛ ليس الشعب الأمريكي، وإنما الحكومات الفيديرالية؛ الأداة الطيعة في يد الرأسمالية الحرة المُغرضة، لذلك فهي تدس بأنفها في الشؤون الداخلية للشعوب، وتتشمم كل شاردة وواردة.
التغيرات الدولية التي كانت مرتقبة بعد هجوم اليوم الحادي عشر
هل تحقق ما كان مرتقبا؟
كان بسام البدارين قد كتب من عَمَّان عاصمة الأردن في صفحة (تحقيقات سياسية) بجريدة (القدس)؛ عن انعقاد أول منتدى بالعاصمة الأردنية عمان؛ شارك فيه أكثر من خمسة عشر شخصا بارزا في الحقل الإعلامي؛ تداولوا مع رئيس الوزراء السابق طاهر المصري (ولد سنة 1942م)؛ الأوضاع العامة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فبسطوا توقعات حول الحالة السياسية للعالم بعد حوادث التفجير الأخيرة في أمريكا؛ هذا ملخصها:
– لا يُستبعد أن يبعث الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بجيش التحرير الفلسطيني إلى أفغانستان لمؤازرة الحملة الأمريكية ضد إرهاب افغانستان، وقد لا يتأخر في تفقد قواته هناك.
– ستدفع التيارات الإسلامية الفلسطينية الثمن، كجماعتي الجهاد الإسلامي وحماس.
– ستكون هناك ضغوطات أمريكية على ياسر عرفات لاعتقال كوادر حماس والجهاد الإسلامي.
– خلقُ حشدِ القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط أعداء لأمريكا في الصين؛ خصوصا بعد تفعيل البند الذي يُجيز للحلف الأطلسي ضرب أهداف خارج القارة الأوروبية.
– عملية الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان أوسع نطاق من بن لادن وحركة طالبان؛ لها علاقة بتوازنات القوى في العالم وخصوصا القارة الآسيوية.
– يشكل القضاء على نظام طالبان بداية الأزمة الأمريكية وليس نهايتها.
– مطالبة أمريكا من الأنظمة العربية اتخاذ إجراءات مُشددة داخليا لتنفيذ الحملة التي تقودها ضد الإرهاب؛ ستكون له آثار داخليا؛ لا بد أن تتفاعل معها الأنظمة بذكاء وإلا ستكون نكالا عليها.
– نهاية القطب الواحد، وبروز تعددية الأقطاب، كالصين والهند وروسيا؛ مما يُعجّل بنهاية العصر الأمريكي.
لقد مثلت حادثة الحادي عشر من شهر شتنبر تاريخا فاصلا في صيرورة العالم التاريخية، ففي الوقت الذي تعيش فيه أمريكا مأساة الحادثة الأولى من نوعها؛ كانت أعمق بحيث دحضت أسباب القوة الأمريكية؛ ظهرت أوروبا متماسكة ماليا بعملتها الجديدة (الأورو) إلى حد ما، وشرعت الصين في إنجاز صحوة وإقلاع جديدين، وسُجل تراجع حلم إسرائيل الكبرى، وعدم مطالبة الكيان الإسرائيلي بالمزيد من التنازلات من الطرف الفلسطينيين، وأمريكا احتاجت لخمس سنوات لتمتص آثار ضربة الحادي عشر من شتنبر؛ الاقتصادية والنفسية، والأخطر في هذه الأخيرة أنها عملية ستكون درسا تطبيقيا نموذجيا لكل من يريد أن يُعجّل بأفول دولة أمريكا العظمى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.