يتواصل العدوان الإسرائيلي على غزة لليوم العاشر على التوالي ردا على عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها عناصر "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مخلفا دمارا شاملا في البنى التحتية بالقطاع المحاصر وسقوط المئات من الضحايا وآلاف المصابين. ووفق آخر الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة بغزة، فإن حصيلة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة ارتفعت إلى 2670 شخصا، بينهم مئات الأطفال والنساء، فيما أصيب 9600 آخرين. وبعيدا عن المواجهة المسلحة والقصف المكثف للقطاع ومدنييه، تجري معركة أخرى بين الإسرائيليين و"حماس" على المستوى الإعلامي، ومحاولة كل طرف النيل من الآخر عبر إبراز وإدانة وحشيته في استهداف المدنيين. الإعلام الإسرائيلي ومن ورائه الإعلام الغربي روج منذ بدء المواجهة لمجموعة من "السرديات" والروايات من أجل كسب التعاطف الدولي وتبرير القصف غير المسبوق للقطاع، من قبيل وجود "جثث أطفال في المستوطنات مقطوعي الرؤوس، واتهام عناصر "حماس" بالوقوف وراء هذه الجرائم". غير أن هذه الاتهامات لم تصمد طويلا، وبدأ التشكيك فيها من داخل إسرائيل، حيث نفى الكثير من الصحافيين الذين زاروا المستوطنات الموجودة في حزام غزة معاينة مثل هذه الجرائم. كما نفت "حماس" ذلك بشدة، مؤكدة أن رجالها لم يتورطوا في قتل أي "امرأة أو طفل في الهجوم على العدو". بل إن "كتائب القسام" ردت على هذه الاتهامات والدعاية الإسرائيلية والغربية بالإفراج عن رهينة إسرائيلية مع طفليها، ووثقت العملية بالصوت والصورة، وأكدت أنها "لا تمارس أي جرائم ضد المدنيين ولا تستهدفهم". وفي قراءته للحادث، قال عبد الله أبو عوض، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي: "نظرا لغرابة الهجمة الشرسة والمتسرعة في ثقافة الحروب، والتي تبنتها إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية وجل الدول الغربية حول اتهام "حماس" بقتل الأطفال واغتصاب النساء، مع العلم أن البيت الأبيض سحب رسميا هذا الاتهام على لسان الناطق باسمه". وأضاف أبو عوض، في تصريح لهسبريس، أنه في ظل هذا الوضع جاءت "رسالة "حماس" لتعطي برقية باسم الإنسان مفتوحة لتكذيب هذا الادعاء، من خلال إطلاق سراح المرأة الإسرائيلية وطفليها لتفنيد كل هذا الادعاء غير المعقول، الذي برهن بالمطلق عن آليات التفكير الغربي في الحروب"، مذكرا بما وقع من طرفه في "الحرب على الإرهاب أو تدمير العراق وقتل الملايين، ثم الاعتذار عن عدم وجود أسلحة للدمار الشامل". وسجل الخبير في العلاقات الدولية أن للحرب آلياتها بين الدول المعنية، وأن تأجيج الوضع في هذه المرحلة "ليس لصالح آلة الزمن في ظل المتغيرات الدولية، والولايات المتحدة برهنت عن عجزها المطلق في قيادة الأزمات"، مبرزا أن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني "يجب عليهما العمل بحكمة وحذر لتهدئة الأوضاع والسير قدما نحو المفاوضات". وأضاف أن هذه الخطوة "تعطي السؤال عمن يتحكم في القرار السياسي لدى الدول الغربية عموما، وكذا وسائل إعلامها، باعتبار أن السرعة التي تم بها اتهام "حماس" بقتل الأطفال واغتصاب النساء، في الزمن الإخباري إعلاميا، تعتبر قياسية". وتابع قائلا إن ما ترافق مع هذه الفترة من "تصريحات رؤساء الدول وبعض القادة السياسيين، ليأتي الإفراج عن المرأة والطفلين ليكشف عن الوجه السياسي الذي تتفق عليه ثقافة التدمير لدى الأنظمة الغربية في سياساتها الاستعلائية للتعامل مع دول العالم النامية عموما". من جهته، أعتبر إدريس الكنبوري، المحلل السياسي والخبير في الحركات الإسلامية، أن الخطوة التي أقدمت عليها "حماس" لها "دلالات كثيرة"، أولها أن المقاومة الفلسطينية "لا تقاوم بوصفها حركة مقاومة وطنية، بل بوصفها حركة تنطلق من مرجعية إسلامية، وتنضبط للتقاليد الإسلامية في الحروب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، أي عدم التعرض للنساء والأطفال والشيوخ والمدنيين الذين لا يرفعون السلاح، وعدم الحرق وإتلاف الممتلكات أو السرقة أو الاغتصاب". وأضاف الكنبوري، معددا لهسبريس دلالات إطلاق "كتائب القسام" أسيرة إسرائيلية مع طفليها، أن المقاومة الفلسطينية "واعية بأنها تحت الضوء في العالم كله لأن القضية الفلسطينية قضية عالمية، لذلك فهي تحصي خطواتها وتتجنب الوقوع في الأخطاء التي من شأنها أن تؤثر على صورتها، ومن ثم على عدالة القضية الفلسطينية". واعتبر أن هذه الخطوة رسالة إلى العالم الغربي بوجه خاص، إذ "تزامنت مع ما نشرته بعض وسائل الإعلام الغربية حول استهداف "حماس" للمدنيين والأطفال، ونشرت أكاذيب غير حقيقية، والإعلام الغربي الذي نشر تلك الأكاذيب لم ينشر ولو صورة واحدة للتدليل على ما يقول، بينما هناك آلاف الصور والفيديوهات يظهر فيها الجيش الإسرائيلي وهو يقتل الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين، لكن الإعلام الغربي يسكت عن كل هذه الأدلة ويتحدث عن جرائم للمقاومة لا دليل عليها، ولو كان يتوفر على دليل واحد لنشره"، يضيف الكنبوري. وأشار إلى أن هذه الخطوة هدفها "إحراج إسرائيل، فنحن نعرف أنها لا تعرف الحرج إطلاقا، لكنها رسالة أولا إلى الرأي العام العالمي والرأي العام الإسرائيلي لفضح الجرائم الصهيونية".