في وقت سارعت إلى التنديد بالموقف الإسباني الجديد الذي أيدت من خلاله مدريد مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط لحل النزاع في الصحراء المغربية، وعلقت إثر ذلك معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة معها؛ التزمت الجزائر الصمت تجاه مواقف بعض الدول الأوروبية، على غرار ألمانياوفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، التي أصدرت بمعية واشنطن بيان مشتركا نددت فيه ب"هجمات حماس"، وأعربت عن "دعمها الثابت والموحد" لإسرائيل. وبينما تحدثت وسائل إعلام مقربة من النظام الجزائري عن شراكة اقتصادية جديدة ومشاريع "ضخمة" بين الجزائر وإيطاليا، إحدى الدول الموقعة على البيان المشترك في عز الحرب في فلسطين، يثير صمت الجزائر التي طالما رفعت شعار "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، والتي وصف السفير الفلسطيني لديها يومين قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنه "رسول القضية الفلسطينية"، مجموعة من التساؤلات حول مواقفها الحقيقية تجاه ما تسميها "القضايا العادلة وحق الشعوب في تقرير مصيرها". من جهتهم يرى محللون أن الجزائر بصمتها عما ورد في البيان الأوروبي وعن مواقف بعض الدول التي اعتبرت حماس "حركة إرهابية"، واكتفائها ببيانات محتشمة تفوقت عليها حتى بيانات "الدول المُطبعة"، تكشف عن تناقضات الدبلوماسية الجزائرية في تعاطيها مع القضية الفلسطينية وقضية الوحدة الترابية للمملكة، مسجلين أن الجزائر كشفت فعلا وقولا ألا شغل شاغل لها إلا المغرب وقضاياه القومية، لتشكل بذلك "حالة شاذة" في الممارسة الدبلوماسية والعلاقات الدولية. متاجرة سياسية وصمت مطبق وفي تعليقه على المواقف الجزائرية من القضية الفلسطينية، قال أنور مالك، معارض جزائري، إن "النظام الجزائري إنما يستعمل القضية الفلسطينية من أجل المتاجرة بها سياسيا، ودغدغة مشاعر الجزائريين، مُحولا إياها بذلك إلى بضاعة يوظفها لكسب بعض الشرعية، وربطها بما تسمى القضية الصحراوية، للدفاع عن توجهاته التي يسميها الوقوف مع القضايا للعادلة للشعوب". وأضاف مالك أن "النظام الجزائري يستعمل كذلك القضية الفلسطينية ويضعها في كفة واحدة مع قضية البوليساريو لتبرير عدائه للمغرب، ومواقفه المؤيدة للخط المعادي للرباط"، مسجلا أن "صراع النظام العسكري الحاكم وكراهيته المطلقة هي للمملكة المغربية التي يعتبرها عدوه الأول وليس إسرائيل ولا فرنسا، ولا غيرها من الدول، والدليل على ذلك أنه لم يعلق على مواقف الدول الأخرى التي طبعت مع تل أبيب، بينما وجه كل مجهوده الدبلوماسي والإعلامي لمهاجمة الرباط". وأكد المتحدث عينه أن "النظام في الجزائر يرتكز في سياسته الخارجية على ملفين لا ثالث لهما؛ الأول هو ملف فلسطين، الذي يستعمله لتثبيت شرعيته المفقودة لدى الشارع الجزائري، ثم ملف الصحراء الذي وظفه في البداية لتصفية حساباته مع المغرب، قبل أن يتطور الأمر إلى رغبة في تأسيس دولة مغاربية سادسة في المنطقة ليصل الآن إلى محاولة إبقاء الوضع على ما هو عليه في ظل الإنجازات الدبلوماسية التي حققها المغرب". ولفت المعارض الجزائري في تصريحه لهسبريس إلى أن "الجزائر علقت على الموقف الإسباني بتأييد الطرح المغربي لحل النزاع في الصحراء، رغم أن موقف مدريد هو موقف سيادي لا دخل لها فيه، لكن ما دفعها إلى ذلك هو إدراكها أن إسبانيا أطلقت رصاصة الرحمة على مشروع النظام لتقسيم المغرب"، وزاد: "في المقابل لم نسمع للجزائر صوتا في التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، وهي التي طالما اعتبرت نفسها حاملة لهموم الفلسطينيين، لتلتزم بعدها الصمت تجاه مواقف بعض الدول الأوروبية التي أعلنت وقوفها إلى جانب إسرائيل سياسيا وعسكريا". وخلص مالك إلى أن "الجزائر اكتفت في هذا الإطار ببعض البيانات التي لا تختلف عن بيانات الدول التي تربطها علاقات تاريخية مع إسرائيل"، مسجلا أن هذا الوضع "كشف سوأة النظام الجزائري ورئيسه الذي أراد أن يتقلد الزعامة العربية من بوابة فلسطين، غير أن الفلسطينيين لم يهتموا بكلامه، ولا بدور الجزائر في لم شمل الفصائل الفلسطينية"، مسجلا أن "هذه الحقيقة كشفتها هذه الحرب التي تحركت معها الدول الوازنة والمؤثرة في المشهد الفلسطيني، بينما اكتفت الجزائر ببعض الاتصالات الهاتفية، حتى إنها منعت بعض الوقفات التضامنية مع فلسطين، وهو ما يدل على أن دورها انتهى في القضية الفلسطينية، كما بدأ ينتهي في قضية الصحراء". حالة شاذة في العلاقات الدولية من جهته قال سعيد بركنان، محلل سياسي، إن "من غرائب العمل الدبلوماسي في تاريخ البشرية منذ تطوير مفهوم العلاقات بين الدول أن تكون القضية الأولى والمحور المحرك لعمل الدبلوماسية الجزائرية ليست قضية وطنية خاصة بالجزائر والجزائريين، وإنما قضية تم افتعالها خدمة لأجندة خاصة، وهي قضية الصحراء والدفاع عن البوليساريو". وأضاف بركنان أن "حضور الوازع العدائي للمغرب وغياب الوازع الوطني الحقيقي هو الذي جعل العمل الدبلوماسي الجزائري لا يتصرف وفق أفق إستراتيجي يخدم دور الجزائر في محور العلاقات الدولية، وإنما يتصرف وفق ردود فعل تتسم بالانتقائية، إذ يعادي المغرب وينتقده في مواقفه من قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويبارك لدول أخرى خطوات في المجال نفسه أكثر جرأة من التي اتخذتها المملكة". ولفت المتحدث عينه، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن "الجزائر تحفظت على البيان الأخير للمجلس الوزاري لجامعة الدول العربية فقط لمجرد وجود بصمة مغربية في مخرجاته"، وخلص إلى أن "الموقف المخجل الذي تتبناه الجزائر الآن تجاه الدول التي تساعد إسرائيل في إحراق غزة وقتل المدنيين هو موقف يعبر عن هذا الارتباك والانتقائية الذي يطبع الدبلوماسية الجزائرية في اتخاذ المواقف التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، التي طالما تبجحت حناجر الدبلوماسيين الجزائريين بأنها معها ومع حماس ظالمين أو مظلومين".