السيد الرئيس "" أنا متيقن بأنك لن تنسى ما حييت تاريخا سيظل راسخا في ذاكرتك إلى الأبد. إنه تاريخ 20 أكتوبر 1963 حيث ألقي عليك القبض في جنوب المغرب وأنت لابس بذلة الميدان العسكرية، وعلى أكتافك رتبة عقيد مصري، وبصحبتك ضباط مصريون سامون بنفس رتبتك. نعم، لقد ألقي عليك القبض بكيفية فيها كثير من المهانة بعد نزول مروحيتك الجزائرية على التراب المغربي نزولا اضطراريا، فالذين حبسوك لم يكونوا جنودا مسلحين وإنما مجرد رعاة بسطاء... وهذه النازلة كما تعلم، وقعت خلال الحرب التي نشبت بين المغرب والجزائر عقب مهاجمة هذه الأخيرة لثكنة مغربية تابعة للقوات الاحتياطية المتحركة. وكنت أنت ضمن الألف جندي الذين أرسلهم رئيس بلادك لمؤازرة الجزائر ضد المغرب. لم يكن مجيئك إلى المنطقة لتحرير فلسطين، ولا إلى شن حرب طاحنة ضد الصهاينة، وإنما قدمت لخوض حرب على بلد لم يكن بين وطنك وبينه أي خلاف، زيادة على أنه كان يبعد عنه بعد المشرقيين، أي بآلاف الكيلومترات. لقد قدمت لمحاربة بلد كانت جريمته الوحيدة هو أنه أراد الدفاع فقط عن وحدته الترابية. وفي سنة 1965 ، عقب التصالح الذي وقع بين البلدين، قبل الحسن الثاني الدعوة الرسمية التي وجهت له لزيارة الجمهورية العربية المتحدة آنذاك. وكم كانت دهشة الرئيس جمال عبد الناصر عظيمة وهو على مدرج المطار ينتظر ضيفه "الكريم"، لما تكرم هذا الأخير بمبادرته بهدية نفيسة ،تتمثل في عقداء مصريين أسرى، صحبهم الملك معه على متن طائرته وحررهم أمام رئيسهم. وقد كنت أنت أحد هؤلاء... أنت بلحمك ودمك، العقيد مبارك آنذاك، وفخامة الرئيس محمد حسني مبارك، اليوم... لقد رجعت إلى بلدك سالما لم يمسسك أحد بسوء، ولم تقدم لا إلى محاكمة ولا إلى مضايقة رغم أنك خرقت الأجواء و السيادة المغربية وقدمت بنية التخطيط لأعمال عسكرية من أجل زعزعة النظام. السيد الرئيس أريد أن أذكرك أن المغرب بذل الغالي والرخيص من أجل جارته الجزائر في أثناء حربها مع المحتل الفرنسي، بحيث أنه سمح لجيش تحريرها بإقامة قواعده على أرضه، وزوده بالأسلحة والذخيرة والمؤونة وجميع المساعدات المادية والمعنوية. بل أكثر من ذلك، التحق بصفوفه عدد عديد من المجاهدين المغاربة، منهم من قضى نحبه مستشهدا ومنهم من جرح، وردا على ذلك، قامت فرنسا بقنبلة الحدود المغربية مخلفة عددا هائلا من الضحايا. وكذلك كان الشأن بالنسبة لتونس التي بذلت نفس الدعم للمحاربين الجزائريين، وأدت على ذلك ضريبة باهظة يوم 8 فبراير 1958 حين قام الطيران الفرنسي بقنبلة قرية ساقي سيد يوسف لمدة ساعة ونصف من الزمن، مخلفة عشرات من القتلى، ومئات من الجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، مع تحطيم كامل لكثير من المنشآت الحيوية للمواطنين العزل. السيد الرئيس أردت أن أذكرك بكل هذا، لأن حكومتك طبلت وزمرت بكثير من التشدق والمباهاة وهي تفكك خلية لحزب الله وتلقي القبض على سمير شهاب، أحد مناضليها، بدعوى أنه سعى إلى مد المقاومين الفلسطينيين في غزة بالأسلحة والذخيرة، وأنه تجرأ على انتهاك حرمة التراب المصري، وأنه سعى إلى زعزعة أمن وسلامة النظام. ولكي تكون الاتهامات أثقل وأشد، أضافت حكومتكم عليها بعض التوابل الأخرى من قبيل أن هذا المناضل كان يسعى لتشييع المصريين والقيام بأعمال تخريبية في البلاد. وزادت صحافتكم الرسمية في الطين بلة حين عمدت إلى الشتم والبهتان لتبرير موقفكم ذاك. فقد نقلت جريدة "لوموند" الفرنسية في عددها الصادر يوم 15 4 2009 أن صحافتكم الحكومية نعتت الشيخ نصر الله ب "القرد" وب "المجرم العنيد". أما وزير خارجيتكم، فقد صرح بأن إيران تستعمل حزب الله لكي تقول للمصريين: "ها نحن هنا..." السيد الرئيس أمام هذا التصرف الأرعن، وحيال هذه الشتائم البذيئة، لا يسعنا إلا أن نظل مشدوهين متألمين. فحزب الله لم يقم سوى بواجبه النبيل لمساعدة شعب مضطهد يرزح تحت نير المستعمر الغاشم، تماما كما فعل المغرب وتونس مع الجزائر أيام حرب التحرير. ألا ترون أن تصرف حكومتكم هذا قد أصبحتم بقوة الواقع حليفا للكيان الصهيوني المجرم؟ هذا الكيان المتعجرف المتجبر الذي يقود حربا إبادية ممنهجة على امتداد 60 سنة ضد شعب أعزل، والذي يشهد العالم بأسره باستثناء أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية أن قادته مجرمو حرب اقترفوا مجازر في حق الجنس البشري، وخرقوا جميع الشرائع الإنسانية والقوانين الوضعية بما في ذلك معاهدة جنيف المتعلقة بالحرب ؟ السيد الرئيس إذا قلنا بأنكم تحالفون إسرائيل بكيفية غير مباشرة، فإننا في الحقيقة لا نبالغ ،وكيف لا وحكومتكم تتمادى في فرض حصارها الجهنمي على غزة، تماما كما تفعل إسرائيل، مما جعل من إغلاق ممر رفح انتهاك صارخ في حق الإنسانية جمعاء. السيد الرئيس إن هذا الكيان الإجرامي يصرخ اليوم ملء حنجرته وبكثير من الفخر والاعتزاز بأن الفضل كل الفضل في تفكيك خلية حزب الله من طرف المصريين يرجع إلى مخابراته وإلى المخابرات الأمريكية. كما أنه لا يكف من التبجح بوجود تفاهم كامل وتعاون مطلق بينه وبين مصالحكم الاستخباراتية. وإلى حدود كتابة هذا المقال، فإن حكومتكم لم تسع أبدا إلى تكذيب هذه التصريحات الصهيونية، مما يبرهن على أنها صادقة لا يشوبها غبار... أما عن الأنفاق التي يسعى الشعب الفلسطيني المنكوب من خلالها ضمان تسلحه وعيشه، فإنكم تجهدون أنفسكم لنسفها الواحدة تلو الأخرى نسفا مبرما بفضل الخبراء الأمريكيين وبمباركة خبيثة من إسرائيل. وفي حقيقة الأمر، فإنكم تقومون بممارسة عقاب جماعي في حق الشعب الفلسطيني في غزة، لا لشيء، سوى لأنه صوّت بكل حرية وديمقراطية لصالح منظمة حماس التي أصبحت بذلك مسيطرة على الأغلبية في البرلمان الفلسطيني. السيد الرئيس الواضح الظاهر هو أن الديمقراطية ترعب حكومتكم كما ترعب الحزب الحاكم في بلدكم، إذ ينبغي الاعتراف بأننا لم نر أبدا بلدا ديمقراطيا يبقى فيه الرئيس وحزبه في الحكم ثلاثين سنة تباعا. السيد الرئيس أنا لست شيعيا، ولكني أدين باحترام كبير لحزب الله ولرئيسه السيد حسن نصر الله. وكونوا متيقنين بأني لست الوحيد الذي يحمل في أعماقه هذا الإحساس الجارف، وإنما تشاطرني إياه أغلبية ساحقة من الشعوب العربية والإسلامية. وما ذلك سوى لأنها رأت في هذا الرجل قائدا برهن بالحجة والدليل على أن الجيش الإسرائيلي ليس ذلك البعبع المخيف الذي لا يقهر، كما روجت له الدعاية الغربية. واسألوا المدنيين الإسرائيليين يخبرونكم بأنهم لم يعيشوا أبدا طيلة شهر من الزمن مدسوسين في التراب كما عاشوا مع هذا القائد الفذ. ولم يسبق لهم أن حملوا ويلات الحرب في أرواحهم وأجسادهم كما حملها الفلسطينيون ستون سنة إلا مع هذا المناضل الصلب. السيد الرئيس لن أقف كثيرا على موقف حكومتك إبان حرب تموز وحرب غزة لأنه كان موقفا غنيا عن كل تعليق، بحيث أنه سلب من تلك الحكومة المباركة كل جدية ومصداقية. فخلال هاتين الحربين، تمنت الدول التي تسمي نفسها معتدلة ومصر واحدة منها من كل قلبها هزيمة حزب الله وحماس، فاعتصمت من أجل ذلك بالصمت المريب، وانتظرت أن تدور عليهما الدائرة، ولكنها بحمد الله لم تدر، رغم سماحكم للطائرات الإسرائيلية باختراق الأجواء الوطنية المصرية حين كانت تقصد قطاع غزة لإمطارها بالقنابل العنقودية والفسفورية. السيد الرئيس إن الادعاء بأن نصر الله يريد تشييع الشعب المصري ضرب من ضروب الأوهام لا يمكن أن يصدر إلا عن عقل مهزوز. إذ لو كانت هذه هي غايته ،لكان قد بدأ من لبنان وليس من مصر، علما بأن أغلبية اللبنانيين المسيحيين في بلاده يقدرونه ويرون فيه بطلا من الأبطال، والمعاهدة الإستراتيجية التي أبرمها معه الجنرال ميشيل عون خير دليل على ذلك. وإذا كانت الشعوب العربية والإسلامية تحترم حزب الله وقائده، فليس ذلك راجع إلى أسباب عقائدية، بل هو إعجاب بالرجل وحزبه اللذان أرجعا لها تلك الكرامة المفقودة التي أهدرت غداة نكسة 1967 ، واللذان حطما أسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر"، وساعدا المقاومة الغزاوية في وقت الشدة، تلك المساعدة التي لولاها لما رجعت جحافل الصهاينة على أعقابها خائبة مدحورة بدون أن تحقق أيا من أهدافها. السيد الرئيس كونوا واثقين تمام الثقة، بأنه لا خطر على الشعوب السنية من تبديل مذهبها والارتماء في أحضان الشيعة، فالأمر متجاوز ولم يعد سوى فزاعة يشهرها بعض القادة كلما أرادوا أن يقضوا مأربا أو يعللوا تصرفا. ولقد كان الشيخ نصر الله واضحا حين وضع حدا لهذا النزاع المفتعل بين الشيعة حيث صرح بكثير من الإصرار: