عندما حوكم الزميل حسن برهون بستة أشهر من الحبس النافذ في المرحلة الابتدائية، تمنيت أن يلغي قاضي محكمة الاستئناف هذه الشهور الستة، ويمتّع حسن بالسراح النهائي، لأنه ليس مجرما، ولا يخرج لكي يعتدي على الناس في الشارع، ولا يملك سلاحا آخر غير قلم الحبر والأوراق البيضاء. لكن العكس هو الذي حصل، حيث لم تّلغ مدة الحبس ولم تنخفض، بل ازدادت الشهور الستة التي حوكم بها حسن لتصل إلى عشرة أشهر، وهي على كل حال ليست شهورا كباقي الشهور العادية. "" -2- الحكم الذي صدر في حق حسن، دليل جديد على أن بلدنا لا يريد أن يتصالح مع حرية التعبير، ودليل آخر على أن من يحمل القلم بين أصابعه كمن يحمل سلاحا أبيض أو أسود، ما دام أن كليهما يقود حامله إلى الزنازين. وهنا تكمن الخطورة بالتحديد، فعندما يتم الزج بصحافي أو كاتب أو مدون في السجن، فالرسالة التي يجب أن يستوعبها الجميع هي أن هؤلاء لا فرق بينهم وبين القتلة والمجرمين. -3- ماذا سيفعل حسن بين جدران زنزانته طيلة كل هذه المدة الطويلة؟ لا شيء. لذلك ستضيع تسعة أشهر كاملة بأيامها ولياليها من عمره با فائدة. رغم أنه ليس مجرما كما قلنا، ولا يشكل خطرا على أحد. صحيح أن الصحافيين والمدونين ليسوا فوق القانون، وليسوا ملائكة معصومين من الخطأ، هم بشر كباقي البشر، يستحقون أن يّتابعوا أمام القضاء عندما يظلمون أحدا، لكن أبواب السجون لا يجب أن تّفتح في وجوههم أبدا. لأن الصحافيين لا يدخلون إلى السجون إلا في البلدان الشمولية التي لا رائحة فيها للديمقراطية. -4- في المغرب توجد محاكم إدارية، ومحاكم تجارية، ومحاكم الأسرة، ومحاكم عسكرية، ولدينا قضاة مختصون في قضايا الإرهاب، لكننا لا نتوفر ولو على محكمة واحدة تختصّ بالبتّ في الدعاوى التي تّرفع ضد الصحافيين. فلماذا لا يّنشؤون محاكم لهذا الغرض، يجلس على منصّاتها قضاة لهم دراية شاملة بشؤون الصحافة، عوض أن يمثل الصحافيون أمام قضاة غير مختصين، ويقفون جنبا إلى جنب داخل أقفاص الاتهام مع القتلة والمجرمين. ولكننا، قبل أن نفكر في هذا النوع من القضاء، يجب أن يكون لدينا قانون واضح للصحافة، لا يحتوي على عبارات فضفاضة من قبيل "كل ما من شأنه"، التي يمكن لأي قاض أن يفهمها ويؤوّلها كيفما شاء. وقب هذا وذاك، يجب أن يكون لدينا أولا قضاء يتمتع بالاستقلال الذاتي. -5- الغريب في المغرب، هو أن الذين يسيّرون شؤون البلاد والعباد، لا يريدون أن يفهموا بأن المهمة الوحيدة للصحافة هي أن تشير إلى مكامن الخلل، وتفضح الفساد والمفسدين، وتسلط أضواءها الكاشفة على المتلاعبين بالمال العام. هؤلاء يعتقدون أنهم هم من يمسك السماء حتى لا تقع على الأرض. يعتقدون أنهم وحدهم من يستطيع تحمل المسؤولية واحتلال المناصب. يعتقدون أن قلب الوطن بدونهم سيتوقف عن الخفقان. لذلك يضعون الخناجر والسيوف على رقاب الصحافيين من أجل إرهابهم حتى يصمتوا ويغضّوا الطرف عن فضائحهم. هؤلاء يعتبرون وطننا مثل دار للأيتام، ويحسبوننا أيتاما يصنعون في حقنا الخير، ويعتبرون تحملهم للمسؤولية عملا تطوعيا يستحقون عليه الشكر وليس الانتقاد. أنتم مخطؤون أيها السادة. إنكم لا تقومون بعملكم بشكل تطوعي، ما دمتم تتلقون أجورا سمينة على رأس كل شهر، وتتلقون تعويضات بلا نهاية، تخرج من جيوب البسطاء والمستضعفين. لذلك فالمهمة الأولى والأخيرة للصحافيين، هي أن يراقبوا عملكم، هذا إذا افترضنا أصلا أنكم تعملون! ويفضحوا تلاعبكم، وينشروا كوارثكم أمام الرأي العام. واللي ماعجبوش الحال يحطّ السوارت ويمشي فحالو. راه عطا الله اللي يجي يخدم بلاصتو. إيوا باركا من الحزارة!