في الوقت الذي يعاين فيه الجميع ويتابع صحوة الشعوب الإفريقية وهي تدخل في مرحلة جديدة وواعدة لتصحيح مسارها لتاريخي وإعادة الكرامة للإنسان الإفريقي، من خلال مراجعة شاملة وجذرية في العلاقات غير المتوازنة والمجحفة لدول القارة السمراء مع الدول التي استعمرتها سابقا، في خضم هذا التوجه التحرري يوغل النظام الجزائري في توحشه اللاإنساني ويتغطرس من دون أن يرف له جفن لكي يحط من كرامة الإنسان الإفريقي وينال من كبريائه وشموخه. أبواق النظام الجزائري وعلى إثر الفشل الذي مني به هذا النظام العنصري بعد أن أجمع الأفارقة قاطبة على المغرب كي يحتضن الأدوار النهائية لكأس إفريقيا لعام 2025، لم تترد تلك الأبواق ولو لحظة لكي تعرب عن امتعاضها وسخطها من هذا الفشل الذي زاد الطينة بلة فوق الإخفاقات السابقة التي ألقت بكلكلها على النظام من قبيل انتكاسة "البريكس"، وبالفعل قد سارعت دولة الموز إلى نفث سمومها من خلال منابرها التي سمحت لنفسها وخاصة "الشروق" إلى إطلاق عبارة خطيرة جاء فيها تحت البند العريض "عذرا إفريقيا ملاعبنا قد ارتاحت من روائحكم". هذا الهجوم على الجماهير الإفريقية هو أخطر من أن يكون فقط ذا حمولة عنصرية بل يصنف الإنسان الإفريقي في مصاف الخنازير ذات الروائح النتنة. وهي ليست المرة الأولى التي يتورط فيها النظام الجزائري ويمعن في الإذلال بكرامة الإنسان الإفريقي. فلقد سبق له أن شن حملات غير إنسانية بشكل ممنهج ضد المهاجرين الأفارقة بطردهم والرمي بهم خارج الحدود تحت ظروف لا تليق بالكرامة البشرية متهمة إياهم إما بحاملي فيروس "الأيدز" أو فيروس "إيبولا". ونقلا عن تقارير صادرة عن المنظمة غير الحكومية "أطباء بلا حدود"، تفيد الإحصائيات بأنه قد تم تسجيل 23171 حالة طرد عام 2020 و27208 حالة أخرى عام2021 و14196 خلال الفترة المتراوحة من يناير إلى ماي 2022. وبحسب الأممالمتحدة طردت السلطات الجزائرية في ظروف غير إنسانية عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من غرب إفريقيا ووسطها قبل 2014. واتهمت منظمات غير حكومية جزائرية ودولية السلطات العسكرية في الجزائر باعتقال وترحيل المهاجرين وتركهم في غالب الأحيان دون ماء أو طعام في وسط الصحراء دون مأوى، وتعريضهم لشتى أنواع العنف والأعمال المذلة من قبل الحرس الجزائري الذي لا يتردد في اغتصاب النساء حسب تقارير أفادت بها منظمة "أطباء بلا حدود". وعلى النقيض من هذه الأعمال الوحشية والتصرفات المخلة والمذلة التي ينهجها النظام الجزائري وآخر تجلياتها نهب ما يسمى برجال الإنقاذ الجزائريين للذهب وأموال الليبيين بعد فاجعة فيضانات درنة، يسجل المغرب من جهته مواقف إنسانية تجاه الأشقاء الأفارقة باحتضانهم وإيوائهم وتسوية أوضاعهم غير القانونية بل أكثر من ذلك إدماج أبنائهم في المدارس العمومية وتوفير مقاعد لهم إلى جانب التلاميذ المغاربة مستفيدين من الدعم الدراسي المتمثل في الهبة الملكية المقدمة مع بداية كل موسم دراسي. هذه المفارقات تضع حقيقة كلا من المغرب والجزائر في الميزان الإفريقي. بلد نسجل له ثقل موازنه في العطاء والسخاء وبلد نسجل عليه هو الآخر ثقل موازنه في العنف والكراهية والعنصرية. فأين هي الشعارات الشعبوية التي طالما تشدق بها النظام الجزائري من قبيل الدفاع عن حقوق الشعوب في العيش بالكرامة، وتقرير المصير. النظام الجزائري أصبح مكشوفا أمام الجميع بين خطاب للاستهلاك وواقع مرير مناقض ينطبق على الشعب الجزائري الشقيق وعلى الشعوب الإفريقية التي لا يتوانى ذلك النظام العنصري في إذلالها. فهل رمي البشر على الحدود في العراء وفي مناطق صحراوية قاحلة لا ماء ولا شجر يعتبر بحكم منطق هذا النظام مظهرا من مظاهر الاعتناء بآدمية الإنسان. بل العكس من ذلك هي العنصرية والعودة إلى نظام العبودية كما هو عليه حال حكام الجزائر ضد كل الأفارقة. نظام اعتاد على الدفع مقابل الاستعباد وشراء الذمم. الشعارات عندهم من الرئيس الفعلي شنقريحة مرورا بالرئيس الوهمي تبون وصولا إلى الوزراء الذين تعاقبوا على حقيبة الخارجية ليست شعاراتهم إلا مغالطات يوهمون بها أنهم يدافعون عن إفريقيا والأفارقة. خطابهم يصور أن ثروة الجزائر هي ثروات لخدمة إفريقيا إنها مجرد أكذوبة تخفي الوجه الحقيقي والعنصري لنظام يعد رديفا لنظام بريتوريا ينهل من المفاهيم ذاتها التي كان يؤطرها نظام الأبرتايد. النظام الجزائري مازال يحكم بستينيات وسبعينيات القرن الماضي ومازال ينظر إلى إفريقيا نظرة السيد والمسود. كل العالم قد تغير إلا هو. الشعار بالنسبة له رمز بدون روح ولا مدلول وهو يريد في ذلك أن يحكم القارة الإفريقية على مزاجه وأن يضبط التوقيت الإفريقي على التوقيت الجزائري. والحقيقة أنه لا يجب أن نستغرب السلوكيات المشينة والمجحفة لهذا النظام في حق الشعوب الإفريقية، فمن لا خير له في أهله بعد أن اعتاد عل حرقهم وفي مقدمة ضحاياه شعب القبايل الذي يريد هذا النظام إبادته، فكيف يرجى منه ذات الخير في أولئك الذين يرى فيهم عبيدا لهم روائح تختلف عن روائح البشر. إنها الغطرسة والغرور الذي يتحكم فيه الجهل.