شكّلت الدورة ال78 للجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة مهمة بالنسبة للمملكة المغربية للكشف أمام المشاركين فيها، عبر ممثلها الدائم بالأممالمتحدة السفير عمر هلال، ما وصفه مراقبون بزيف ادعاءات النظام الجزائري بشأن علاقته بالنزاع في الصحراء المغربية. ووقف هلال، في كلمته التي جاءت كإجابة عن رد ممثل الجزائر على الخطاب المغربي خلال الدورة ذاتها، على تناقضات السلطات الجزائرية، التي تستغل أي فرصة لتنصيب نفسها طرفا في النزاع للدفاع عن أطروحة جبهة البوليساريو الانفصالية، موازاة مع مواصلة ادعاء الحياد الرسمي في الملف. وبعد استفاضته في إظهار دور الجزائر الرئيسي في النزاع حول الصحراء المغربية، تساءل السفير الدائم للمغرب بالأممالمتحدة عن سبب رفضها المشاركة في "الموائد المستديرة"، مذكّراً بأنها "من الأمور التي دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة في قراراته الأخيرة". عبد الفتاح الفاتحي، مدير "مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، أرجع رفض الجزائر الجلوس لهذه المفاوضات إلى اقتناعها بأن آلية "الموائد المستديرة" تضع حل نزاع الصحراء على سكة الواقعية السياسية، وأن ذلك يقود مباشرة إلى اعتماد مبادرة الحكم الذاتي. وأضاف الفاتحي، في تصريح لهسبريس، أن المأمول الجزائري اليوم من تعطيل الآلية الأممية لحل النزاع في الصحراء هو إطالة أمده، لأن في ذلك ضمان استمرارية النظام العسكري الحاكم، فضلا عن انتباهه إلى حجم استثماره في هذا النزاع مالياً ودبلوماسياً، مما كلف موارد مالية هائلة من خزانة الشعب الجزائري. ومع ذلك، يشير الخبير في العلاقات الدولية إلى أن تحقيق مبادرة الحكم الذاتي تأييدا دوليا متتاليا وواسعا يقلص من أي إمكانية لنجاح النظام الجزائري في استراتيجية إطالة أمد النزاع، ويجعله محاصرا بضغط أممي يمنح المبادرة صفة الواقعية والمصداقية. من جانبه، ربط عبد العالي بنلياس، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، رفض الجزائر هذه الآلية بفشلها في إثارة انتباه المجتمع الدولي إلى الأطروحة التي تدافع عنها، والتي وظفت فيها مختلف أوراق الضغط كقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب والإعلان عن انهيار وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أنها لم تعد تمتلك من الأوراق إلا عرقلة جهود الأممالمتحدة. وأضاف بنلياس، في تصريح لهسبريس، أن آلية "الموائد المستديرة"، التي تعتبر إطارا سياسيا للحوار والمفاوضات بين الأطراف التي لها علاقة مباشرة بأصل النزاع وتطوراته المختلفة، تجعل الجزائر في وضع متناقض أمام الدول الأعضاء في منظمة الأممالمتحدة، مشيرا إلى أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تستغل مختلف المناسبات الدولية للدفاع عن أطروحة "تصفية الاستعمار"، وتتنصل في الوقت نفسه من حضور "الموائد المستديرة"، التي تجرى تحت راية الأممالمتحدة بإشراف المبعوث الشخصي لأمينها العام، لمناقشة الحلول الممكنة والواقعية لوضع حد لهذا النزاع. وسجل أن رفض الجزائر المشاركة في هذه المفاوضات يعد موقفاً متوقعاً في ظل المكتسبات الدبلوماسية والسياسية التي يحققها المغرب في قضية الصحراء المغربية، من خلال اعتراف عدد من الدول بسيادة المغرب على صحرائه، واعتبار الحكم الذاتي الحل السياسي الواقعي الوحيد والأوحد لحل هذا النزاع المفتعل، وهو الحل الذي يؤكد عليه مجلس الأمن في مختلف قراراته.