يحسب للمغرب أنه من بين الدول القلائل، الذي اكتسب خبرة عميقة مما ظل يتعرض له عبر التاريخ من محن وشدائد ومن فواجع وكوارث طبيعية، حيث تمكن في عدة مناسبات من رفع التحديات، تسطير الملاحم الكبرى والخروج من أشد الأزمات مرفوع الرأس، متماسكا وقويا، بفضل حكمة وتبصر قائده الملهم الملك محمد السادس ومن سبقه من الملوك العلويين وتلاحم الشعب المغربي وتضامنه المتواصل في السراء والضراء. ولعل في تعامله الجيد والتدبير الحسن لجائحة كورونا ومواجهة تداعياتها، أبرز دليل على ذلك بشهادة حتى البلدان المتقدمة. وها هو اليوم يعود مرة أخرى ليبهر العالم أجمع من خلال إقدام المغاربة من داخل وخارج المغرب على إطلاق مبادرات إنسانية رفيعة، والإعلان عن حملة تضامنية شعبية واسعة، تمثلت بالأساس في التبرع بالدم وجمع التبرعات العينية من مواد غذائية وملابس وأفرشة وأغطية وخيام وغيرها، وسيل الإجراءات المستعجلة التي اتخذت بتعليمات ملكية سامية، ليس فقط من أجل إنقاذ وإغاثة ضحايا ومنكوبي الزلزال الأعنف في تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمن، الذي ضرب مساء يوم الجمعة 8 شتنبر 2023 بقوة 6,9 درجات على سلم ريشتر عدة مناطق في جبال الأطلس الكبير، وخلف خسائر بشرية ومادية فادحة، بل كذلك عبر إصرار السلطات العمومية على إعادة إعمار تلك المناطق المتضررة ودعم ساكنتها ماديا، فضلا عن فسح المجال أمام أبنائها لاستئناف دراستهم. من هنا يتضح جليا أن المغرب لم ينشغل فقط بإنقاذ ضحايا زلزال الحوز المدمر وانتشال الجثث من تحت الأنقاض وعلاج المصابين، وإنما سارع كذلك إلى إنقاذ الموسم الدراسي بتلك المناطق المتضررة، سعيا إلى محاصرة الهدر المدرسي وعدم حرمان التلاميذ المفجوعين من حظهم في الدراسة والتحصيل. حيث حرصت السلطات العمومية ومختلف المتدخلين على اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية، وفي مقدمتها إقامة مخيمات ميدانية وتشكيل أقسام دراسية. حيث صرحت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بأن الدراسة بالنسبة لتلاميذ المناطق المتضررة ستستأنف تدريجيا، عبر ثلاثة أنماط هي: الدراسة في الخيام، الدراسة في الوحدات المتنقلة، بالإضافة إلى نقل المؤسسات التعليمية من تلك المناطق المعنية بتلامذتها وأطرها إلى مناطق أخرى آمنة. ففي هذا الإطار صرح الوزير الوصي على قطاع التعليم شكيب بنموسى في اجتماع نظمته لجنة التعليم يوم الجمعة 22 شتنبر 2023 بمجلس النواب، بأن أكثر من ألف مدرسة تضررت جزئيا أو كليا جراء الزلزال الذي ضرب منطقة الحوزوتارودانت وامتد إلى أقاليم أخرى مثل شيشاوة وورزازات وأزيلال، لذلك وفي انتظار إعادة بناء المؤسسات التعليمية المتضررة قبل متم الموسم الدراسي الجاري، قررت وزارته في وقت سابق وبعد توقف اضطراري دام قرابة عشرة أيام، الإعلان عن استئناف الدراسة في الأقاليم التي تعرضت للهزة الأرضية، ابتداء من يوم الإثنين 18 شتنبر 2023 في كل من مدينة أمزميز وأسني بالقرب من مدينة مراكش وبعض القرى في مدينة تارودانت، حيث تم استبدال عدد من المدارس مؤقتا بمخيمات مجهزة بالمعدات التعليمية الضرورية، لتمكين تلاميذ المناطق المنكوبة من متابعة دراستهم. بينما نقل في مرحلة أولى حوالي 600 تلميذ من المدارس التي تضررت كليا إلى مؤسسات تعليمية بمدينة مراكش، على أن يتم في مرحلة ثانية نقل حوالي ستة ألف تلميذ آخرين على الصعيد الإقليمي، مسجلين في خمس مؤسسات تعليمية أخرى. وهي المبادرة التي لا يمكن إلا الإشادة بالواقفين خلفها والساهرين على إنجاحها، إذ أنها وبالنظر إلى حجم الكارثة الطبيعية الكبرى أثارت مجموعة من ردود الفعل الإيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنها نالت إلى جانب أسر التلاميذ استحسان الكثير من المنظمات الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني وخاصة الفعاليات التربوية في مختلف ربوع المملكة، لأنه من شأنها الحيلولة دون الإعلان عن سنة بيضاء في الأقاليم المتضررة، والحرص الشديد على توفير الحد الأدنى من التعلم لفائدة تلاميذ المناطق المنكوبة في ظل تعذر تأمين دراسة في مستوى ما كانت عليه من قبل الحادث المأساوي الأليم. والأجمل من ذلك أن الجهود لم تتوقف عند حدود توفير فضاءات للدراسة بالنسبة لتلاميذ الأقاليم المتضررة، بل تم الحرص كذلك على تخصيص جلسات للدعم النفسي والاجتماعي لفائدتهم بمعية بعض الأطر التربوية، يشرف عليها خبراء في المجال النفسي لمساعدتهم على تجاوز آثار هذه الفاجعة المرعبة، تتاح خلالها الفرصة لهم في التعبير الحر عن أحاسيسهم ومعاناتهم، لاسيما أن من بينهم من فقدوا أسرهم أو أحد أفرادها وجيرانهم وبيوتهم، والعمل على تزويدهم بالعلاجات النفسية الضرورية التي تمكنهم من مواصلة أنشطتهم وتعليمهم في ظروف طبيعية. إننا لا يمكن إلا أن ننوه بهذا المجهود الوطني الخرافي الذي تبذله بلادنا في ظل القيادة الرشيدة للملك محمد السادس وتضامن وتآزر الشعب المغربي قاطبة من داخل المغرب وخارجه، في اتجاه إعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق المنكوبة وبث الأمل في النفوس المكلومة. وعلينا أن نحصن الجبهة الداخلية ونحرص على عدم منح الفرصة لأعداء الوطن في تعطيل مسيرتنا التنموية، وندعو السلطات المعنية إلى الضرب بيد من حديد على كل من ثبت تورطه في إهانة كرامة تلامذتنا والإساءة بأي شكل من الأشكال إلى صورة هذا الوطن الشامخ.