«أولئك الذين اعتادوا طلب المساعدة لا شك أنهم سيعتادون على تلقي الأوامر» مراد الرابع سعادة الرئيس المحترم.. نحن المغاربة لدينا ملك عظيم من سلالة عريقة، تنحدر من الدوحة النبوية الشريفة، أسرة علوية هي الأقدم بين ملوك هذه البسيطة. أذكركم بهذه الحقيقة فقط لتدركوا أنه من غير ذي جدوى مخاطبة شعب لا يصغي إلا إلى خطب ملكه. نحن المغاربة قادرون على إطعام أنفسنا، والدليل الأنصع أننا أطعمنا مستعمرينا لأكثر من قرن؛ أما الدليل الأكبر فهو زلزال الحوز. نعم، الإيثار هو درس زلزال الحوز الذي أبهر العالم، ملك يقطع سفره ليترأس جلسة عمل طارئة يعطي خلالها أوامره السامية بتعزيز وسائل البحث والإنقاذ وتزويد المناطق المتضررة بالماء؛ يشرف على خطة عاجلة للتكفل بالضحايا، ثم على صندوق أزمات لمواجهة الموقف بشكل فوري. يطير الملك بعدها إلى مكان الحدث مواسيا المصابين، ثم مصرا على التبرع بدمه، ضاربا بتوجيهات الأطباء عرض الحائط. تلك شيم ملوكنا عبر العصور، أن يوثروا شعبهم بأغلى ما لديهم. وبدوره هب شعبنا الأصيل ليقدم كل ما يملك تضامنا مع إخوته العالقين بقمم الأطلس. طوابير بالأسواق التجارية الكبرى لتزويد الشاحنات؛ وسائقون متطوعون لنقل المساعدات. عجوز من الريف تهدي المتضررين بطانية الشتاء الوحيدة، لأن هناك من هو أولى، وأخرى من الشاوية لا تملك سوى خاتم تهديه؛ وكلنا أكبرنا ذلك المراكشي البسيط على دراجة هوائية حاملا كيس دقيق هو نصف ما يطعم به أبناءه طيلة شهر كامل، وحركاته توحي بحرج من كان يود تقديم المزيد لولا الفاقة. أما هذا فشاب من عصر الذكاء يتفنن في إبداع تطبيق ذكي يعين المتطوعين على الوصول إلى المداشر البعيدة؛ وكذلك فعاليات المجتمع المدني أشرفت على قوافل لا تنتهي نحو جنوب الروح، أعادت إلينا مشاهدها مجد المسيرة الخضراء المظفرة. ولسنا بأفضل حال من مغاربة الخارج الذين يصطفون الآن طوابير للمساهمة في الحساب الدولي المخصص لمساعدة ضحايا الزلزال، ومثلهم إخوانهم في الداخل؛ كل بما استطاع إليه سبيلا. سيدي الرئيس المحترم.. المغاربة ليسوا في حاجة إلى مساعدة خارجية.. في وقت يتسابق زعماء العالم لتقديم يد العون فدبلوماسيتنا العريقة اعتذرت بلسان المغاربة قاطبة، مكتفية بدعم لوجيستيكي من أربع دول صديقة رأت في خبرة أصحابها خير معين على إنقاذ مزيد من الأرواح العالقة بين الأنقاض. المغرب ليس في حاجة إلى المساعدات المادية، بل إلى الأصدقاء الأوفياء والشركاء العادلين. وليس المغرب وحده فحسب، فجلالة الملك محمد السادس نصره الله أطلق منذ أزيد من عقد قولته الشهيرة: إفريقيا ليست في حاجة إلى مساعدات، بل إلى شراكات ذات نفع متبادل وتنمية بشرية حقيقية. ولم يقف جلالته عند الأقوال بل تعداها إلى الأفعال بأن وجه سياسة بلادنا نحو إفريقيا، فأنجزنا خلال عقد واحد مئات المشاريع الناجحة في التعدين والطاقات البديلة وتزويد البلدان الصديقة بالأسمدة لرفع منتجها من الغذاء، دون أن نغفل قطاع السيارات الذي صارت بلادنا واحدة من رواده إفريقيا؛ وكل ذلك في إطار شراكة رابح- رابح ودون استغلال طرف لآخر. لقد زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت أثقالها في كارثة عظيمة، ولكنها أثبتت أن المغرب ينهض من رماده في رمش العين كالعنقاء، بفضل إرادة ملكه وصمود شعبه وعراقة تاريخه وسمو أمجاده. مغربنا ينهض ويثبت للعالم أجمع ملكا وشعبا أنه يأبى السقوط والخنوع والمذلة أو التنازل عن حقوقه المشروعة، لذلك يعتذر المغاربة بشدة في هذه الظروف الصعبة عن قبول اليد التي تمد العون؛ فلقد قال أحد شعرائنا المعاصرين إن اليد واهبة القمح للطيور هي نفسها التي تتقن شحذ سكين الذبح. المغاربة سيدي الرئيس المبجل يتطلعون إلى اليد التي تصافح بنية حسنة وتتعاون بدل أن تعين، لأن في التعاون ودا وعدالة، وما وراء السلام سوى سلام. سلاما سيدي الرئيس المحترم مع تقديرنا الخالص لبلد الأنوار الذي نعشقه لفلاسفته الكبار وفنانيه العظام ومتاحفه العريقة. والسلام ختام.