لم يكن أحد يتصور أن يتعرض المغرب لهزة أرضية بمثل قوة الهزة المدمرة التي شهدها جنوب غربي مدينة مراكش في إقليمالحوز ليلة يوم الجمعة 8 شتنبر 2023 حوالي الساعة الحادية عشرة مساء و11 دقيقة بالتوقيت المحلي للمغرب، حيث أشار المعهد الوطني للجيوفيزياء في بيان مقتضب، أن شدة الزلزال بلغت 6,9 درجات على سلم ريشتر. فزلزال الحوز ليس الأول من نوعه في تاريخ المغرب، بل هناك عدة زلازل هزت الأرض من تحت أقدام المغاربة في أكثر من مناسبة، وتسبب بعضها في خسائر بشرية ومادية فادحة، حيث سبق أن تم تسجيل عدد من الكوارث الطبيعية فيضانات وزلازل، التي يظل أكثرها رسوخا في الأذهان لجسامة فداحته، هو زلزال أكادير في 29 فبراير 1960 الذي رغم أن شدته لم تتجاوز 5,7 فقط على سلم ريشتر مقارنة مع شدة زلزال الحوز التي بلغت 6,9، خلف 15 ألف قتيلا وإصابة 25 ألف جريحا. وجدير بالذكر أن معظم المغاربة وخاصة سكان المدن الكبرى، لم يدركوا جيدا حجم "زلزال الحوز" ويشعروا بالحزن العميق، إلا بعد أن استيقظوا من هول الصدمة على توالي نشرات إخبارية خاصة عبر قنوات التلفزيون، التي كانت تحمل إليهم أولا بأول مشاهد مؤلمة من هنا وهناك للموتى والجرحى، الانهيارات الصخرية من الجبال، التدمير الشبه الكامل لعدد من القرى والمداشر التي تحول بعضها إلى حطام، إحصائيات بأعداد القتلى والمصابين بجروح متفاوتة الخطورة وكذا أعداد المنكوبين والمشردين، لتتضح لهم خطورة الزلزال الذي ضرب بلادهم، بالإضافة إلى تضرر أكثر من 300 ألف شخص في مراكش والمناطق المحيطة بها، وفق ما أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية. ذلك أنه نقلا عن بلاغ لوزارة الداخلية، أفادت قنوات التلفزيون الوطني في نشراتها المتتالية زوال يوم السبت 9 شتنبر 2023، أن عدد الضحايا الزلزال الرهيب وصل إلى 2012 قتيلا و2059 جريحا من بينهم 1404 إصاباتهم جد بليغة، وأن الحصيلة مرشحة للارتفاع في القادم من الساعات في ظل انهيار العديد من البيوت والمباني، مما دفع بالسلطات الصحية إلى مناشدة المواطنات والمواطنين بالتبرع بالدم لإنقاذ مصابي الكارثة الطبيعية الكبرى، بموازاة مع شروع السلطات المحلية في عمليات البحث عن العالقين تحت الأنقاض. وعلى إثر هذه الكارثة الطبيعية التي لم يعرف تاريخ المغرب مثيلا لها على مدى قرن من الزمن، أعلن ملك البلاد محمد السادس عن حداد وطني لمدة ثلاثة أيام مع تنكيس الأعلام الوطنية فوق جميع المباني العمومية ابتداء من مساء يوم السبت 9 شتنبر، وأعطى توجيهاته السامية للقيام بصلاة الغائب بعد صلاة ظهر يوم الأحد 10 شتنبر 2023 بجميع مساجد المملكة، ترحما على أرواح شهداء الزلزال المدمر. وعلى غرار الدول الشقيقة والصديقة والشخصيات السياسية والرياضية البارزة، التي أعلنت عن تضامن بلدانها المطلق مع المملكة المغربية، حيث قدم عدد من ملوك وأمراء ورؤساء وكبار المسؤولين عبر العالم في عديد البلدان مثل قطر والسعودية والإمارات والكويت ومصر والعراق والأردن وتونس وليبيا وتركيا وإيران والهند والصين وروسيا وأوكرانيا وألمانيا والسويد وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وسويسرا وإيطاليا وبريطانيا وغيرها كثير، تعازيهم الخالصة في ضحايا الزلزال، وشددوا على وقوفهم إلى جانب المغرب في محنته، مبدين استعدادهم الكامل لوضع ما لديهم من إمكانيات قصد تعزيز جهوده في إنقاذ وإسعاف الضحايا وخاصة العالقين منهم تحت الأنقاض، معبرين عن تعاطفهم مع أسر الضحايا ومتمنياتهم بالشفاء العاجل للمصابين... وفي الوقت الذي عبرت فيه الأممالمتحدة عن استعدادها لدعم جهود المملكة المغربية في مساعدة متضرري الزلزال، وقدمت فيه المفوضية الإفريقية تعازيها إلى العاهل المغربي، وأكد الاتحاد الأوروبي بدوره استعداده لمساندتها في هذه الظروف العصيبة التي تمر منها وتقديم ما يلزم من مساعدات ضرورية، وأبدت منظمة الصحة العالمية استعدادها لدعم احتياجاتها الصحية العاجلة، وأكدت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" تضامنها لمواجهة مخلفات الزلزال، لاسيما فيما يخص ترميم الآثار التي تضررت في بعض المدن التاريخية. سارعت السلطات الجزائرية هي الأخرى إلى الإعراب عن تعازيها لأسر الضحايا والشعب المغربي، حيث جاء في بيان الخارجية صباح يوم السبت 9 شتنبر 2023 أنها "تتابع ببالغ الأسى والحزن تداعيات الزلزال العنيف الذي أصاب عدة مناطق بالمملكة المغربية" ويضيف ذات البيان أنها "تتقدم بخالص التعازي وصادق المواساة لأسر الضحايا وللشعب المغربي الشقيق، مع خالص التمنيات بالشفاء العاجل للمصابين". وحسب بيان آخر لرئاسة الجمهورية قررت الجزائر فتح مجالها الجوي لتيسير وصول المساعدات الإنسانية ونقل الضحايا من وإلى المناطق المنكوبة، ووضع كافة الإمكانات المادية والبشرية تضامنا مع الشعب المغربي الشقيق. إننا وبعد الترحم على أرواح شهداء الفاجعة والدعاء بالشفاء للمصابين، نرى أنه من واجبنا أن نتقدم بالشكر لكل البلدان التي أعلنت عن تضامنها معنا في هذه المحنة ومن بينها الجزائر، التي قامت بهذه الخطوة المحترمة، ونأمل صادقين أن تتلوها خطوات أخرى أكثر جرأة في اتجاه فتح الحدود أمام الشعبين الشقيقين وإعادة الدفء للعلاقات الدبلوماسية، وأن يضع حكام قصر المرادية أيديهم في اليد الممدودة لهم من قبل ملك المغرب، من أجل مواجهة الصعاب وبناء المستقبل المشترك في أجواء من الوئام، بعيدا عن الضغائن والأحقاد.