وأنا أتهيأ للذهاب إلى المسجد لإلقاء خطبة الجمعة، قمت بتصفح هسبرس، فوقع نظري على مقال للسيد أحمد عصيد تحت عنوان:"حياد المساجد أو ضمان الحق في الردّ من نفس المنبر". ومع أن وقتي كان ضيقا جدا، إلا أنني قرأت المقال لأن عنوانه يخصني باعتباري إماما خطيبا. ذكر السيد عصيد في مقاله رأيه في الأئمة والخطباء والخطب وفي دور المسجد، واتهم بعض الأئمة والخطباء بتهم ربما فيها شيء من الصواب. وقد كتبت شخصيا مقالين حول الأئمة والإمامة تحت عنوان: "الأئمة أصناف" و "إمام ثائر" وذكرت - وأنا إمام- أن هناك أئمة وخطباء أساءوا إلى هذه المهنة، بمستواهم وبتصرفاتهم. ولكن انتقادي كان بدافع الغيرة وبنية الإصلاح، أما السيد عصيد ومن والاه، فهم لا يذكرون سلبيات الأئمة إلا من أجل التشفي واللمز والتنقيص. لقد طالب السيد عصيد حق الرد على الأئمة والخطباء من نفس المنبر، يعني من منبر الجمعة. بدأت أفكر في واقعية هذا الطلب، وسيناريوهاته المحتملة. هل يمكن تحقيقه؟ وكيف ذلك؟ وإليكم سيناريو أحمد عصيد وهو يخطب يوم الجمعة ليرد على الأئمة والخطباء كما تصورته: طبعا لن تكون خطبة عصيد يوم الجمعة كما اعتاد الناس، لأن ترك العمل يوم الجمعة والذهاب إلى الصلاة مضيعة للوقت ومضر باقتصاد البلاد، والاقتصاد أهم من الدين عند العلمانيين. سيختار لها يوم الأحد لأنه يوم عطلة. أما المكان فلن يكون المسجد، لأنني لا أعلم مسجدا سيرحب به، وإن دخل بالقوة فسيلقمونه أحجارا وأحذية، لأن سمعته عند أهل المساجد في الحضيض، خاصة بعد ما استهزأ بالبكاء أثناء الصلاة في المساجد واعتبره من علامات التخلف. سيختار إذا ملعبا للكرة أو قاعة، أو... فكرت في الأذان هل سيرفعه رجل أو امرأة؟ هو مع المساواة، وبما أن صوت المرأة أعذب من صوت الرجل، ولأن الفقهاء ظلموا المرأة لقرون -كما يرى هو طبعا- وجعلوا الأذان حكرا على الرجال، فسينصف المرأة ويرد لها الإعتبار، وستؤذن للأستاذ امرأة. أما لغة الأذان فلن تكون العربية قطعا، ستؤذن المؤذنة بالأمازيغية، وإن عجزوا عن ترجمة بعض المصطلحات فسيلجأون إلى الفرنسية، المهم أن تندحر تلك العربية (المقيتة ) التي سيطرت على المساجد والخطب لقرون. ستتزين أرجاء القاعة بلافتات كتبت كلها بتيفيناغ ، وسيلف المنبر بالراية الأمازيغية احتفاء بهذه اللحظة التاريخية. سيجلس الجميع رجالا ونساء في نفس القاعة، فالمرأة كالرجل، لماذا يفصل بينهما بجدار إذا؟ ولماذا تصلي النساء خلف الرجال؟ هذا احتقار للمرأة. سينادي الخطيب عصيد: تقدمن أيتها النسوة إلى الأمام! نحو الصف الأول، تتقدم شابة عارية الساقين، مكشوفة الثديين لتصلي تحية المسجد، تركع وتسجد أمام الجميع، وعصيد يقول: هذا هو الإسلام. نحن لسنا كالإسلاميين الذين لا ينظرون إلا إلى النصف السفلي من المرأة، المرأة إنسان، عقل وفكر، أتمي صلاتك يا أختاه فلا ظلم عليك بعد اليوم، اركعي واسجدي وتكشفي كما تشائين فعورتك مثل عورة الرجل، بل لا عورة لك أصلا. لن يفتتح خطبته بحمد الله ولا بالثناء عليه ولا بالصلاة والسلام على الرسول، وإنما ب " أزول"، وستكون الخطبة كالأذان أمازيغية كلها. لن يستشهد بآية ولا بحديث في خطبته، لضرورة الحفاظ على الهوية الأمازيغية للخطبة، ولأنه لن يجد آية ولا حديثا يدعم آراءه. سيردد اسم محمد أثناء الخطبة، ولكنه محمد أركون وليس محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام. أما مضمون الخطبة فسيكون كالتالي: أيها الناس، إنه لا حلال ولا حرام بعد اليوم، إلا ما أحلته أو حرمته المواثيق الدولية والقيم الكونية. أيها النساء، إنه لا حجاب في اللباس، ولا ولي في الزواج، ولا نصف حظ الرجل في الميراث، ولا تعدد بعد اليوم. ولكن الحق في الزواج ممن تردن يهوديا كان أو نصرانيا أو ملحدا. أيها المثليون لا تخجلوا بعد اليوم، وأعلنوا مثليتكم على الملأ، وقريبا سنسمح لكم بالزواج من بعضكم كما هو الحال في أوروبا، وسيكون منكم أئمة ومرشدون رغم أنف الإسلاميين. أيها المفطرون خلال رمضان، تلكم حريتكم الشخصية، واختياراتكم العقدية فكلوا متى وأين شئتم هنيئا مريئا. أيها العشاق، إن فروجكم عليكم حلال، مارسوا الجنس واستمتعوا ببعضكم هنيئا مريئا، فلا عبرة بعقود الزواج، وإنما العبرة بالرغبة المشتركة والبلوغ، وللحوامل منكن الحق في الإجهاض متى أردن إلى ذلك سبيلا، وسنمنع آباءكم من التدخل في حياتكم الشخصية، فلا مكان في مجتمعنا للمصطلحات الرجعية كالدياثة والغيرة على الأعراض. أيها الممثلون والفنانون إياكم أن تلتفتوا إلى ما يسمى بالرقابة المجتمعية، أو القيم الإسلامية، فالفن لا حدود له ولا رقابة، ولكم في الفنانة المبدعة لطيفة أحرار المثل الأعلى. ينتهي السيد عصيد من خطبته، فيصطف الناس للصلاة. لكن قبل تكبيرة الإحرام يصيح أحد الحاضرين: ألهذا دعوتمونا؟ لقد قلتم إن الأمر يتعلق بالدفاع عن الثقافة والهوية الأمازيغية، ولهذا لبينا نداءكم، لكن ما ورد في خطبتك يا أستاذ هو محاولة سلخ الهوية الأمازيغية عن الإسلام، ثم يضيف الرجل وهو يشير إلى المرأة التي قامت تصلي أمام الجميع وهي شبه عارية: أليس ستر العورة من شروط صحة الصلاة؟ فتجيب المرأة: أإسلامي من بيننا؟ يصيح الرجل بأعلى صوته: والله إن صلاتكم باطلة، لم تستوفوا ولا شرطا من شروط صحة الصلاة. يشتد الخلاف وترتفع الأصوات داخل المسجد بل القاعة حول صحة صلاة مكشوفة الفخذين من عدمها. يسألون الشيخ عصيد فيتلعثم ويقول: أنا لست فقيها ولا إماما لأجيبكم، ثم يضيف: إن صحة الصلاة من عدمها أمر غير مهم، بل إن الصلاة نفسها لا تهم، المهم هو القيم الكونية والحفاظ على هويتنا الأمازيغية، هاتوا الدفوف وسووا الصفوف وأبدلوا الصلاة بأحيدوس، ثم يضيف: لقد رأيتهم في الغرب يعزفون ويغنون في الكنائس، فلم لا نغني ونعزف في المساجد، فربما نصل إلى ما وصل إليه الغرب إن نحن حذونا حذوهم في كل شيء. سينقل الحدث عبر مختلف وسائل الإعلام، سيرى فيه الغربيون عصرنة وتجديدا وخطوا إلى الأمام، بينما يراه الإسلاميون مسخا للإسلام، أما العلماء الرسميون فسيلتزمون الصمت إلى أن يؤذن لهم بالكلام.