في حوار هام أجرته الصحيفة الفرنسية واسعة الانتشار "لوفيغارو Le FIGARO" أخيرا مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي "Nicolas Sarkozy"، بمناسبة صدور مؤلفه "زمن المعارك" "Le temps des combats"، الذي خصص لتسليط الضوء على عديد المواضيع والأحداث التي تشغل بال المعنيين بالشأن السياسي الدولي والإقليمي، على رأسها الحرب الروسية الأوكرانية الجزائر والهجرة وسياسة إيمانويل ماكرون "Emmanuel Macron".. تطرق ساركوزي في مقطع هام من هذا الحوار إلى علاقة فرنسا مع كل من المغرب والجزائر، مذكرا بأنه إذا كان قد ساند الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون، إلا أن بينهما اختلافات في مجموعة من القضايا. وفي هذا السياق أكد على أن الرغبة الفرنسية في بناء "صداقة مصطنعة" مع القادة الجزائريين قد تفضي إلى هدم العلاقة الفرنسية المغربية بكل ما تعنيه هذه النتيجة من تبعات سياسية واقتصادية بالغة الكلفة. وقد عبر بوضوح عن الأفق المظلم بقوله: "دعونا لا نحاول بناء صداقة مفبركة مع قادة جزائريين يوظفون فرنسا بشكل ممنهج كبش فداء لتسويغ إخفاقاتهم وافتقارهم للشرعية". خاصة وأن هؤلاء القادة العسكريين مبرمجون على مسلك الرفض المسبق، "إنّهم في حاجة ماسة لتحويل الانتباه عن الفشل الذي أغرقوا فيه بلدهم عبر تحميل فرنسا بانتظام كلّ الشرور"، مما يعني أن إيمانويل ماكرون يسير في الاتجاه الخطأ، ويستند على "شفا جرف هار"، ويبتعد عن جادة الصواب، والحال أن المرتقب هو الاشتغال الفرنسي غير المنقطع للحفاظ على الصداقة مع المغرب، فليس بالغاز والنفط تعيش المجتمعات وتقوى الأمم، والمملكة المغربية لها من الإمكانيات الجيوستراتيجية إقليما ودوليا ما يؤهلها للعب أدوار بالغة الأهمية. "هذا التوجّه غير الموضوعي حسب ساركوزي يُبعدنا -نحن الفرنسيين- عن المغرب، فنجازف بخسارة كلّ شيء، لن نكسب ثقة الجزائر وسنفقد ثقة المغرب". في الواقع هذا الموقع الفرنسي المسؤول والاستراتيجي لا يعكس فقط وجهة نظر شخصية كانت في الأمس القريب تتحمل منصب رئاسة الجمهورية، ومدركة لخبايا الانشغالات العالمية، بل يجسد موقف غالبية صانعي القرار في المشهد الإعلامي والاقتصادي والسياسي الفرنسي. وعلى سبيل المثال لا الحصر أعلن رئيس "حزب الجمهوريين" السيد إيرك سيوتي "Eric Ciotti" في أكثر من مناسبة أنه يعتزم تصحيح مجموعة من الأخطاء الفرنسية الكارثية إزاء المملكة المغربية، وأنه لن يتردد في الاعتراف بمغربية الصحراء، للذهاب قدما نحو البناء والتنمية والتقدم. فإذا كانت الدولة العسكرية الجزائرية توظف مواردها الطبيعية مع الغرب كأدوات للابتزاز والضغط واختلاق الأزمات للتغطية على الفشل الداخلي والانهيار الاجتماعي، فإن عقيدة المغرب تتجلى في السعي الدؤوب نحو الانفتاح والتواصل والبحث عن الحلول الوسطى والعمل المشترك، من أجل عالم أكثر عدلا وانصافا وازدهارا.