"إن الله جميل يحب الجمال"... لا زلت أتذكر المشاعر الغريبة التي انتابتني عندما قرأت هذه العبارة أول مرة على إحدى الجداريات وأنا في سن المراهقة..شعرت بغرابتها الشديدة وخشيت من غضب الإله، الذي تعرفت عليه من الكتب والأشرطة والدروس الدينية التي استمعت إليها في طفولتي المبكرة، لو أني رددت هذه العبارة التي أحسست أنها تسيء إلى هيبته وجبروته.. "" للأسف كان يصعب علي في تلك السن أن أتصور الله جميلا، مع أني عرفت فيما بعد أنه منبع الكمال والجمال؛ والسبب بكل بساطة هو تلك الخطب والدروس التي تلقينا بعضا منها في الفصول الدراسية التابعة للمدارس الحكومية، لقد كانت تجتهد بأن تثبت في عقولنا الصغيرة أن الله مصدر العقاب والعذاب.. فهو سيعذبنا أن كذبنا، وسيحرقنا بنيرانه إن غششنا، بل سيطالنا عقابه حتى لو فكرنا في عدم الذهاب الى المدرسة.. وعندما كبرنا قليلا تعلمنا أن الله يراقبنا ليل نهار ويحصي علينا أنفاسنا؛ لا لكي يكافئنا أو يدعمنا ويساعدنا في لحظات ضعفنا، ولكن فقط لكي يعذبنا إن أخطأنا ويحاسبنا أشد الحساب.. للأسف هذه الصورة السلبية لا تزال تترسخ في أذهان أطفالنا، فبعد أسابيع قليلة من خروج الطفل إلى الروض يفاجؤك عندما يهدد أحد أقرانه بعذاب الله الذي ينتظره فقط لأنه لم يسمح له باللعب معه أو لأنه أخفى عنه شيئا ما أو كذب عليه.. وتستمر كرة الثلج في التدحرج، لتمتلئ المكتبات السمعية والبصرية والورقية بما يذكرك بعذاب القبر و المرور على الصراط وعذاب جهنم، ويبذل المفسرون والمحدثون والوعاظ كل ما يستطيعون من جهد ليصفوا أشكال ملائكة العذاب المريعة، ورائحة جهنم التي تشم على بعد خمسمائة سنة، وقاع الجحيم الذي تهوي فيه صخرة سبعين سنة قبل أن تصل.. لن أنسى أبدا اللحظات القاسية التي عشتها في سن مبكر عندما قرأت بعض الكتب التي تتحدث عن عذاب القبر، وعن يوم القيامة وأهواله؛ لم أجد في محيطي من يمكن أن أبوح له بالرعب الذي سكنني، وبقيت تلك الصورة الرهيبة لذلك الإله الذي يتحكم في كل تلك المشاهد تطاردني في النوم واليقظة، مسببة لي آلاما نفسية بصعب وصفها..ولم أستطع إيجاد بعض السكينة إلا بعد سنوات عندما استطعت أن أفرق بين الله الحقيقي وبين تلك الصورة البشعة التي زرعتها تلك الكتب في ذهني.. ولا زلت إلى اليوم لا أعرف لماذا يصر بعض الوعاظ على نشر الرعب بدل الرحمة، والكراهية بدل المحبة؟ لماذا تعد الدروس والكتب التي تتحدث عن أهوال القيامة مثلا بالآلاف، بينما عليك أن تبذل جهدا كبيرا كأنك تبحث عن إبرة في كومة القش إذا أردت أن تقرأ أو تسمع شيئا عن عفو الله، وعن مظاهر كرمه، وعن الجنة وصورها الجميلة كما هي متداولة في كل الكتب السماوية؟.. لماذا تتسلط على رقابنا الأحاديث والأقوال المأثورة التي تجعل من الله إلاها قاسيا معذبا، ولا تنتشر بيننا أقوال وأحاديث جميلة لا يخلو منها تراثنا الديني؛ مثل ذلك الحديث الرائع الذي رواه أنس بن مالك الذي قال فيما جاء في سنن الترمدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( قال الله عزوجل : يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لأتيتك بقرابها مغفرة ). ولكي يمتد هذا الخطاب السوداوي إلى حياتنا اليومية، ينشط في تجريم الضحك والفكاهة وكل ما له صلة بالحياة، ويردد أن "الضحك بلا سبب من قلة الأدب" وأن ملامح المؤمنين تنتفي منها الابتسامة .. لكن عندما نتصفح كتب السيرة نجد أشياء أخرى لم يحرص مربونا ودعاتنا على تعريفنا عليها، وكأنهم أكثر تدينا حتى من الصحابة والرواة الأوائل الذين يروون مشاهد طريفة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في مجتمعه، ومن الطرائف الكثيرة التي ترويها كتب الروايات ما جاء مثلا من حكايات عن شخص عرف بحس الفكاهة، وقام بعمل "مقالب" على الرسول وعلى الصحابة دون أن يثير ذلك أي استياء..ومن أمثلة ذلك الكثيرة ما رواه الزبيرفي كتابه " الفكاهةوالمرح " قال: كان لا يدخل المدينة طُرفة إلا اشترى منها نعيمان (نعيمان صحابي عرف بالفكاهة)، ثم جاء بها إلىالنبي- صلى الله عليه وسلم- فيقول: هذا أهديته لك، فإذا جاء صاحبها يطالب نعيمان بثمنها، أحضره إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- قائلاً: أعط هذا ثمن متاعه،فيقول: " أولم تهده لي؟" فيقول: إنه والله لم يكن عندي ثمنه، ولقد أحببت أن تأكلهيا رسول الله! فيضحك، ويأمر لصاحبه بثمنه.. http://mariamtiji.maktoobblog.com