لمْ ينزلْ خبرُ ظهور الباحث والأستاذ في العلوم السياسة محمد ضريف، فِي جبَّة السياسي، مع حزب الديمقراطيين الجدد، بردًا وسلامًا، على أصواتٍ كثيرة، راحتْ تقدر الغايات التِي جاءَ لأجلها، ما بين خدمةِ مشروعٍ معين، ولعبِ ورقة جديدة. الدكتور ضريف، يتحدث في حوارٍ مع هسبريس، عن سياق تأسيس حزبه، وما اعتبرها نظرية مؤامرة متمكنة في العقل العربِي، اتهمَت أحزاب كثيرة، منها العدالة والتنمية، بصلته بالخطيب والقصر. بدايةً مَا السِّيَاقُ الذِي يأْتِي فيه تأسيس حزبكم "الديمقراطيِّون الجدد"؟ هناكَ سياقٌ عامٌّ كمَا أنَّ ثمَّةً سياقًا خاصًّا؛ العامُّ يتجسدُ في التحولات التِي عرفها المغرب منذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم، وتوالي الإشارات الملكيَّة منذُ 1999، الداعية إلى إعادة الاعتبار إلى العمل السياسي، بمفهومهِ النبِيل، وفي الوقت نفسه، كانتْ هناك دعوةٌ إلى دمقرطة الأحزاب إلى أنْ تقُوم بدورها، في خدمة المواطنين، ولذلك كانت هناك مسودة مشروع قانون خضعت لنقاش عمومي موسع، وأفضت إلى تبني قانون الأحزاب السياسية فِي المغرب، في 2006 التفكير آنذاك كانَ منْصبًّا على تأسيس حزبٍ يضمُّ مجمُوعة من الذِين ظلُّوا يراقبُون المشهد السياسي عن بعد، أقصد هنا مجموعة من الكفاءات والفعاليات المغربيَّة بأطرٍ كانَ بوسعها أنْ تساهمَ في النهوض بالأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة للمواطنين، لكنْ صورةً سلبيَّة عنْ العمل الحزبِي كانتْ قدْ تشكلتْ لديها عن العمل الحزبِي. لكنْ حينما ترسخت القناعة، بأنَّ تأسيس حزبٍ فِي المغربِ لمْ يعدْ امتيازاً يُمنَحُ لذَاكَ الشخص أوْ ذاك، قررنَا أنْ نخوض غمار التجربة، واقتضى الأمر أنْ نأخذ بعض الوقت، خاصَّة أنَّ المشهد السياسي كان يتطورُ بسرعة، إلَى أنْ وصلنا إلى 2011، ومن خلال خطاب 9 مارس، بدأ التفكير الجدِي، على اعتبار أنَّ ذاك الخطاب دشَّن ما باتَ يسمَّى "الملكيَّة الثانيَة" فِي المغرب، والتِي أنتجتْ دستور فاتح يوليوز 2011، كما أنتجتْ قانونًا تنظيميًّا للأحزاب السياسيَّة. وماذَا عن السياق الخاص؟ بالنسبَة إلى السياق الخَاص؛ والذِي سرعَ ربمَا عمليَّة بدء تأسيس الحزب، يكمنُ في النفور الذِي نلاحظه الآن من السياسة لدى المغاربة، بعدما كان هناك اعتقادٌ أنَّ أحزابًا ظهرت في الساحة السياسيَّة منذُ 2007، أسست مشروعيتها على كونها تريد أنْ تمارس سياسة القرب، وأنْ تنفعَ المواطن، إلى المصالحة، والتصالح مع السياسة، كما أنَّه كان هناك اعتقاد بأن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة سيتعزز الاهتمام، وتتقوى المصالحة، لكن الأدَاء الحكُومِي الذِي يعتبرهُ الكثيرُون سلبيًّا، سواء في النقاش الذِي أضحتْ تشهدهُ السَّاحة، خاصة مع جلسات البرلمان، بمشاداتها وسِجَالاتهَا، التِي أصبَحَتْ تحكُم العلاقة بين المعارضَة والأغلبيَّة، أمورٌ دفعتنا إلى الإعلان عن تأسيس الحزب. لكن السؤال الذِي يطرحُ اليوم بين المتابعين؛ هو أنَّ لدينَا حواليْ35 حزبًا في المغرب، فبمَ يمكنُ أنْ يساهمَ حزبكمْ، وما القيمَة المضافة التِي يحملها إلى الحقل السياسي بالبلاد؟ هذه ملاحظةٌ تطرحُ دائمًا، على اعتبار أنَّ لدينا في المغرب حوالَيْ 35 حزبًا سياسيًّا، ولكن عندما تتمعنُ حقيقة المشهد السياسي وما يتسمُ به من تعددية، تجد أنَّ هناك أحزابًا قليلةً جدًّا، هي التِي تنشطُ بشكلٍ ملحوظ، في حين أنَّ أكثر من 30 حزبًا، وجودها لا يتعدَّى الورق، تظهرُ خلال الحملات الانتخابيَّة. أنا ضد الفكرة القائلة إنَّ لدينا أحزابًا كثيرة فِي المغرب، فبالعكس، هنك دول كثيرة بها أحزاب أكثر، وإنْ أخذنَا نموذج السينغَال، وجدنا أنَّ ساكنةً يقدرُ تعدادُهَا ب10 ملايين نسمَة، تتوفرُ على أكثر من مائَة حزبٍ، والتجربة الديمقراطيَّة في السينغال تجربةٌ رائدة في إفريقيا. ولذلكَ، ظاهرة تعدد الأحزاب، ليستْ ظاهرةً سلبيَّةً، وإنما إيجابية، لكن الإشكال الماثل عندنا، هو الفعاليَّة الحزبيَّة، التي نعتقد أننا نحاول نساهم فيه من خلال تجسيد الأدوار المنوطة، في الأحزاب، كما هُوَ منصوصٌ عليها فِي الدستور. المتابعُ لأصوات الإسلاميين، في الأيام الأخيرة يجدُ أنَّ حزبَكمُ مبعث توجس، وغير مرحب به، حتَّى أنَّ بعضهُم يتهمُ "الديمقراطيِّين الجدد"، بالمجيء لنسف تجربتهم في الحكم، ما مدَى صحَّة القراءة في نظركم؟ أوَّلًا؛ هذه ظاهرةٌ لا تقتصر على المغرب فقط، وإنما تحكمُ العقل العربِي بشكلٍ عام، والرأي العام يستلذُّ بطبيعته لُعبة الحديث عن المؤامرة بمعنى أنَّ كل حزبٍ سياسي يظهر على الساحة، فهُو حزبٌ حركتهُ أيادٍ خفيَّةٌ لمواجهَة طرفٍ أوْ آخر، وهُو ما سبقَ أن قيل عن حزب الأصالة والمعاصرة، لا من حزب العدالة والتنمية، فحسب الذِي اعتبر مقدمهُ بغرض محاربتهم، بل هناك أحزابٌ أخرى ناهضته كالاِتحاد الاشتراكِي، بعد ذلك، بدأت تلك الأصوات تتراجع، بل إنَّ المنطق نفسه، استُخدمَ ضدَّ حزب الاستقلال، حين انتخبَ حميد شباط أمينًا عامًّا له، وحاول أن يضع بصمته على السياسة الحكوميَّة، وقرر الانسحاب من الحكومة، قيل إنهُ محركٌ من فوق ويريد نسف التجربَة الحكومية. كلُّ ما فِي الأمر أننَا نريدُ تشكيلَ إضافةٍ للمشهد الحزبِي من خلال الاستعانة بالعديد من الأطر التي أصبحتْ راغبةً، في العمل الحزبي، لكنْ بأسلوبٍ جديد. قلتُمْ بأنَّ حزب الأصالة والمعاصرة اتُّهِمَ حين وفد إلى الحقل السياسي في المغرب، بالمجيء لنسف الإسلاميين، ألمْ كذلك، مما يعني أنه كان حزبًا عاديًّا كباقِي الأحزاب الأخرى؟ ما أريد أن أشدد عليه هو أن حزب الأصالة والمعاصرة برر وجوده، غداة تأسيسه، بكونه يريد أن يُصَالح المغاربة مع السياسة، انطلاقًا من نسبة المشاركة المتدنية التِي لم تتخط 37 بالمائة، في اقتراع 2007. أنا أتعامل مع هذا الخطاب، وحزب الأصالة والمعاصرة حاول أن يستقطب العديد من الأطر والكفاءات، وكما أنَّ ثمة من التحق بالحزب عن اقتناع، التحق آخرون لبواعث انتهازيَّة. لكن إذا ما كانت هناك ميزة لحزب الأصالة والمعاصرة، هي أنه كشف إلى حدٍّ ما طبيعة النخبة السياسية في المغرب، أمَّا ما يقال عن مجيئه لمحاربة الإسلاميين، فالأكِيد أنَّ كل حزبٍ له رغبة في أنْ يحتل موقعًا في الساحة، من خلال منافسة الخصوم. أوْ ما أُسْمِيَ "التيارات الظلاميَّة"، كما هو الشأن بالنسبة إلى خطاب لشكر حاليًّا، لكن لا ننسى أن تلك الاتهامات نفسها وجهت للعدالة والتنمية، حين قيل أنَّه حزبٌ مخزنِيٌ احتمَى بالدكتُور الخطيب، وهو رجل القصر. وبالتالِي فإذَا دخلنا لعبة الاتهامات والاتهامات المضادة، فلن يتوقف الأمر. نحنُ لمْ نأتِ من أجل مواجهة الإسلاميِّين، وقدْ كنتُ من بين من المغاربة الأوائل، وعبد الإله بنكيران يعلمُ ذلك، الذِين دافعُوا عن حقِّ الإسلاميِّين في العمل السياسي وكنت ضد من كان يدعو سنة 2003 إلى حلِّ الحزب، وتلك وَقائع مثبتة، لا يمكن إنكارها. كما دافعتُ دائمًا عن حقِّ جماعة العدل والإحسان في العمل السياسي، شريطة أن يكون هناك احترام، للثوابت التي يقرها الدستور. من بين الفرضيات الأخرى، التِي تحاول فهم مجيء حزبكم في هذه الظرفيَّة بالذات، هي أنك، وبحكم الاشتغال منذ مدة طويلة على الجماعات الإسلاميَّة، تؤسس التجربة للعب الدولة هذه المرة بورقة العدل والإحسان؟ حين نرغب في أن يحتضن حزبنا جميع المغاربة، بصرف النظر عن مرجعياتهم الإيديلوجيَّة أو العقدية، بمعنى إذا كان هناك شباب من العدل والإحسان أو أسماء معروفة من الجماعة تريد الالتحاق بحزبنا، فالقانون الأساسي للحزب، وهو مطابقٌ للقانون الأساسي للأحزاب، ووفقَ الثوابت التي يقرها الدستور، فمرحبًا، لأننا نتعاملُ معهم كموطنين مغاربة، قبل أن نتعامل مع انتماءاتهم الإيديلوجيَّة، نحنُ نعتقد أنَّ العمل السياسي ينبغي أن يثمر تقديم البدائل وتنزيلها، للنهوض بالأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة للمواطنين، ففي تاريخنا، كان هناك علماء وفقهاء داخل أحزاب تقدمية، كالعالم مولاي العربِي العلوي، الذِي كان في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. أما نحن فنصبُو غلى تجاوز الإيديلوجيات الضيقة. وتضييق هوتها بين المغاربة. لكنكم انتقدتم غير ما مرة، سابقا، فقدان الأحزاب في المغرب بوصلة "الإيديلوجيا"، هلْ باتت اليوم، الإيديلوجيا غير ذات أهميَّة في العمل الحزبِي بالمغرب؟ لقد قلت دائمًا إن أي حزب لا يمكن أن يتأسس دون أن يمتلك رؤية واضحة، أو أن يمتلك إيديلوجيا سياسية، لا عن الإيديلوجيات الدينية، أي أنان نركز على مفهوم الحكامة الحزبية، التي تشجع قيم المواطنة الإيجابية، أما فيما يتعلقُ بمسألة الدولة المدنية والدولة الدينية، فأنا اقول بصريح العبارة، إنه حينما نعتبر المغاربة مواطنين يرغبون في خدمة بلدهم، معنى ذلك أننا لا نلتفت إلى الإيديلوجيات الضيقة، التي تدخل الناس خانة التعصب في بعض الأحيان. ولذلك، فنحن ننطلق من رؤية واضحة، وهي أن السياسة تدبيرٌ لشؤون المدينة بالمفُوم اليوناني، ونعتقد أن الدستور المغربي كرس أربعة ثوابت، لا ينبغي أن تخضع للتوظيف السياسي الضيق. وهي الإسلام المعتدل، فلا أحد من حقه أن ينصب نفسه، مدافعًا عن الإسلام لأن الإسلام قضية مجتمع لا قضية حزب، كما أن لا أحد من حقه تنصيب نفسه مدافعًا عن الملكية الدستورية، لأن كل المغاربة ملكيُّون، ولا يمكن أن يقدم مسؤول ما نفسه منافحا عن القضية الوطنية، ولا نقبل بحزبٍ يقول باحتكار الديمقراطية، ولذلك سمينا أنفسنا الديمقراطيين الجدد، لأنن نعتبر كل الأحزاب ديمقراطية، وكل حزب يمارس الديمقراطية، بطريقته. أنت أدرى، أستاذ ضريف، بخصوصية الحقل الحزبي في المغرب، وحجم تأثير البرامج في السياسة، فيما يملك الأعيان نفوذًا أكبر. هل يمكن أنْ يتجدُو كأكاديميين موطئ قدمٍ لكم في الساحة السياسة، بالشروط الحالية؟ نحن نريد أن نمارس الأدوار الموكولة إلينا دستوريًّا، أما الحديث عن الأعيان ففيه كثير من المبالغة. هناك من أراد أن يكرس فكرة أن المغاربة لا يصوتون إلا للأعيان الذين يمتلكون ثورات، وأنا لا أعتقد ذلك، لنرجع إلى تجربة الاتحاد الاشتراكي أيام كان يدافع عن قيم معينة، حيث كان مواطنون بسطاء يدخلون إلى البرلمان رغم المضايقات التي يتعرض لها الحزب. كما أن بسطاء دخلوا إلى البرلمان عن طريق العدالة والتنمية، لا يملكون ثروات. فبفضل انتشار التعليم هناك أطر مرتبطة أكثر بالبادية، ويرجعون إليها، وهم كثيرون في حزبنا، ويمكن أن نرشحهم في مناطقهم القرويَّة، ونساهم في التغيير، نحن لا نعتقد أننا سننجح في مهمتنا بشكل سريع، لأن التغيير يقتضي وقتا، لكن علينا أن نزرع الأمل في نفوس المغاربة.