لا شك في أن كلّ من قرأ خبر إقالة الإعلامي المغربي عبد الصمد ناصر مقدّم الأخبار بقناة "الجزيرة" الإخبارية سيُفاجَأ للأمر، خاصة وأن القرار لا يرتبط بكفاءة الرجل ومهنيته العالية، ولا بفكرة "التشبيب" التي ردّدها البعض، لأن ثمة وجوًها في القناة أكبر منه سنًّا، ولم يشملها قرار مماثل. لكنْ، إذا ظهر السبب بطل العجب، فعبد الصمد ناصر ينشر من حين لآخر "تغريداته" التي يعبّر فيها عن وجهات نظر ومواقف شخصية تكفلها المواثيق الدولية، ولا تعبّر عن موقف القناة التي يعمل فيها، وهي مسألة مُعتادة لدى الإعلاميين العرب والغربيين الذين "يُغرّدون" داخل السرب أو خارجه، دون أن يتعارض حقّهم المشروع هذا مع عملهم في المؤسسات الإعلامية التي يرتبطون معها بعقود شغل. النقابة الوطنية للصحافة المغربية دخلت على الخط، وسارعت إلى القيام بما وصفتها "التحرّيات اللازمة والضرورية حول القرار المثير"، فيتبيّن لها أن الإعلامي عبد الصمد ناصر بادر إلى نشر تغريدة على (تويتر) يدافع فيها عن شرف المرأة المغربية، بعدما تعرّضت له من احتقار من طرف وسيلة إعلام جزائرية رسمية، اتّهمت الدولة المغربية ب"الاتجار بعرض وشرف نساء المغرب". وبعد نشر التغريدة يضيف بيان النقابة اتّصل به مدير الأخبار بقناة "الجزيرة" جزائري الجنسية يطالبه بصيغة الأمر بحذف التغريدة. فكان جواب عبد الصمد بالرفض، لأن الأمر يتعلق بحرية التعبير في فضاء غير ملزم للقناة. وإثر ذلك اتّصل به المدير العام للقناة، واستقبله بمكتبه، وطالبه بحذف التغريدة أو تعديلها على الأقل، بما لا يُفهم منه إساءة إلى الجزائر، وأنه في حالة الرفض سيكون مضطرًّا لاتّخاذ إجراء إداري رادع. لكن عبد الصمد ناصر تمسّك برفض التجاوب مع الطلب، مؤكدًا على أن التغريدة تدخل في صميم ممارسة حرية التعبير في فضاء لا يعني قناة "الجزيرة"، ومن ثم جاء قرار الإقالة. وطفقت مواقع التواصل الاجتماعي تحفل بردود الفعل المتضامنة مع عبد الصمد ناصر، من بينها ما كتبه الفنان الممثل حسن مكيات: "فخور بك صديقي كسائر المغاربة على موقفك النبيل! آثرت أن تبقى على مبدئك في الذود عن وطنك وبنات وأبناء وطنك؛ هكذا هم الوطنيون الأحرار، لا تهمّهم الكراسي ولا تغريهم المناصب! حين وضعوا المنصب في كفة ووطنيتك في كفة، قلت بإيمان راسخ وعزيمة عز نظيرها: "لن أتراجع ولو بقطع الرأس"! عبد الصمد ناصر أعطى درسا بليغا في الوطنية الصادقة بدون ادعاء ولا مزايدة.