"عقبة جديدة" تلك التي وضعتها الحكومة الفرنسية في حق المغاربة؛ فبعد عرقلة الحصول على التأشيرات، جاء الدور على صندوق التقاعد. باريس تعتزم تشديد إجراءات الاستفادة منه في وجه المقيمين من الجنسيات المغاربية. وفي حوار أجراه مع صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، شدد غابرييل أتال، وزير الحسابات العامة، على أن "الراغبين في الاستفادة من نظام التقاعد يجب عليهم الالتزام بالإقامة بفرنسا لمدة تصل إلى تسعة أشهر سنويا، مع دمج البطاقة الحيوية ببطاقة الهوية". واتهم أتال، بشكل ضمني، المغاربة والجزائريين المقيمين بفرنسا ب"القيام بعمليات احتيال"، إذ قال إن "الحكومة الفرنسية ستسعى إلى وقف عمليات الاحتيال التي يقوم بها المتقاعدون الذين يعيشون خارج الاتحاد الأوروبي"، متوعدا في الوقت عينه ب"اتخاذ إجراءات للتحقق مما إذا كان هؤلاء يحصلون على معاشاتهم وفقا للقانون". وأورد أتال، في سلسلة تبريراته للقرار، أن "ما يصل إلى 8 مليارات يورو من أموال التقديمات الاجتماعية (معاشات التقاعد) تذهب إلى مقيمين خارج فرنسا (في إشارة واضحة إلى المغاربة من جنسية فرنسية)"، معتبرا أن ذلك "عملية احتيال واضحة على الخزينة الفرنسية". استهداف واضح عمر المرابط، المحلل السياسي وعمدة سابق بفرنسا، سجل أن "مشكل التقاعد الخاص بالمغاربة المقيمين بفرنسا قديم وعويص، وصحيح أن به اختلالات مهمة، إذ هنالك من توفي منهم وعائلته بالمغرب لم تصرح بذلك وواصلت الاستفادة من هاته المعاشات بشكل غير قانوني". وأضاف المرابط، في حديث لهسبريس، أن "القرار الفرنسي الأخير ليس دقيقا، ويحمل صبغة سياسة واضحة، إذ على الرغم من هاته الاختلاسات، كان من الممكن اتخاذ إجراءات أخرى مغايرة، وليس قرارات عشوائية وكبيرة تزيد من تعميق هوية الخلاف مع الرباط". وتابع المحلل السياسي ذاته: "المملكة المغربية تواصل سياسة الصمت تجاه الخروقات الفرنسية المستمرة، موضحا أن "التجاوزات الفرنسية فيما يخص قضية التأشيرات لم تجد أمامها ردا واضحا وعقلانيا من قبل الرباط؛ الأمر الذي يشجع فرنسا على اتخاذ إجراءات مماثلة". وخلص المتحدث عينه إلى أن "المغاربة حاملي الجنسية الفرنسية والمعنيين من هذا القرار لا يجدون وسائل قوية لمنع هاته الإجراءات الجائرة في حقهم، حيث إن القضاء الفرنسي يتأخر دائما في مثل هاته القضايا؛ الأمر الذي يستوجب تدخلا رسميا من قبل الدولة المغربية عبر رد صارم وواضح". تدخل الرباط من جانبه، شدد محمد النشطاوي، الخبير في العلاقات الدولية، على أن "هذا القرار الفرنسي لا يمكن أن يخرج عن حلقة الأزمة التي تجمع الرباطوباريس، والتي تسعى من خلالها الأخيرة إلى وضع كل الأوراق من أجل الضغط على المملكة". وتابع النشطاوي، في حديث لهسبريس، أن "هاته الممارسات الفرنسية تجاه الجالية المغربية لا تعطي نتائج إيجابية بقدر ما تزيد من هوة الخلاف بين البلدين، وتحرم باريس من فرص مهمة على جميع المستويات مع شريك استراتيجي بإفريقيا". "المغرب مطالب بالربد بقسوة هاته المرة أمام هذا التجاوز الفرنسي الجديد، والذي يستهدف مجددا إحدى أهم القوى الناعمة لدى الدبلوماسية المغربية، وهي الجالية المغربية المقيمة بالخرج"، أكد الخبير في العلاقات الدولية، قبل أن يستدرك قائلا إن "المغرب يضع الجالية المغربية في أهم نقاط عمله بالخارج، كما أن العاهل المغربي يولي لها اهتماما بليغا، نظرا لدورها الاقتصادي والاجتماعي الكبير". وخلص المتحدث سالف الذكر إلى أن "فرنسا يجب أن تعي أن المصالح مع المغرب أهم من هكذا تصرفات مشينة، تحاول تشكيل قوة ضغط على الرباط فقط من أجل ثنيها عن مواقفها الواضحة حول قضية الصحراء".