قال رياض الشعيبي، المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، المعارض الأبرز للرئيس قيس سعيد والموقوف في السجن، إن الحركة ليست لديها مخاوف من عودة "مناخ التسعينات"، وإنها تتمسك بحقها في التعبير والتنظيم، كما ستستمر في مقاومة "الانقلاب" من كل المواقع المتاحة في حال حظر أنشطتها. وتواجه حركة النهضة الإسلامية، التي تسيدت السلطة في أغلب الفترات بعد ثورة 2011 التي أنهت حكم خصمها السابق في تسعينات القرن الماضي زين العابدين بن علي، أخطر مرحلة في نزاعها المتجدد مع النظام الذي يقوده اليوم الرئيس قيس سعيد بصلاحيات واسعة. وتجري مقارنات على نطاق واسع مع مآل صراع حركة الإخوان المسلمين مع النظام في مصر، لاسيما بعد توقيف زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الذي طالما اعتبره أنصاره "خطا أحمر"، وغلق مقرات الحزب وحظر اجتماعاته حتى الآن. مع ذلك، يرفض المستشار السياسي للغنوشي في الحركة، رياض الشعيبي، هذه المقارنات ويقول إنها مغايرة تماما للواقع. وقال الشعيبي، في حوار مع مراسل وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) بتونس، إن "حركة النهضة تحررت من رواسب الاستهداف الأيديولوجي وترى نفسها حزبا مدنيا ديمقراطيا بخلفية إسلامية، الأمر الذي جعل العديد من القوى الديمقراطية تتحالف معها ضمن جبهة الخلاص الوطني، وجعل العالم الحر يتضامن معها ومع رئيسها دون أن يصطدم بعقدة الإسلام السياسي". وتابع المستشار ذاته: "نحن متمسكون بوضعنا السياسي والقانوني، وسنتوخى كل وسائل الضغط السياسية والقانونية للدفاع عن حقنا في التعبير والتنظيم وفق مقتضيات القانون التونسي". صدام قديم جديد وأدى الصدام القديم بين حركة النهضة والرئيس الراحل زين العابدين بن علي في بداية تسعينات القرن الماضي، عقب السنوات الأولى من صعوده إلى السلطة، إلى حظر نشاط الحزب والزج بعدد من قيادييه في السجون، فيما اختار آخرون العيش في المنفى، ومن بينهم رئيس الحركة راشد الغنوشي، حتى اندلاع الثورة التي أطاحت بحكم بن علي في 2011. وينظر مراقبون إلى الصدام الحالي كتكرار لما حصل بالماضي مع مغادرة قيادات من الحركة تونس وفي ظل تكهنات بحظر نشاط الحزب من جديد بعد قرار السلطات غلق مقراته ومنع اجتماعاته. وأضاف الشعيبي ل "د.ب.أ": "لا مجال للمقارنة بين وضع البلاد والحركة اليوم وما كان حاصلا في بداية التسعينات. وهذا ليس لأن هذه السلطة أقل نزوعا للاستبداد والتسلط، ولكن لأن واقع البلاد السياسي والاجتماعي قد تغير بشكل جذري، ولعل في ذلك مؤشرا قويا على فشل السلطة في استنساخ تلك المرحلة". وتابع المستشار السياسي: "اليوم ومع ما يعيشه المجتمع السياسي التونسي من حركية، وفي ظل مشهد إعلامي متنوع، سواء كان إعلاميا تقليديا أو شبكيا، وبعد المسار الذي قطعته البلاد في القطع مع ممارسات القمع والتنكيل بالمعارضين، بالنظر إلى كل ذلك لا نخشى من تخييم مناخات التسعينات من جديد رغم الاعتقالات التي طالت العديد من السياسيين، لأن المجتمع اكتسب حصانة لا بأس بها ضد انتهاك حقوقه والتعدي على كرامته". وبشأن إمكانية حظر نشاط الحزب مرة أخرى، قال الشعيبي: "إن حصل ذلك، فلن يغير من سياساتنا لأننا سنستمر في مقاومة هذا الانقلاب من كل المواقع المتاحة، وحتى من داخل زنزانات الاعتقال". "الحوار الوطني" طالبت حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني، التجمع السياسي لأطياف المعارضة، بحوار وطني في بداية الأزمة مع الرئيس قيس سعيد، لكن مع مضي الرئيس في تطبيق خارطة طريق بديلة من جانب واحد، أصبحت مطالب المعارضة هي تنحيه عن الحكم والمرور إلى مرحلة انتقالية جديدة. وبينما يضغط شركاء تونس في الخارج من أجل انفتاح أكبر على المعارضة، فإن الحديث عن حوار وطني لا يجد قبولا واضحا من الرئيس سعيد. وقال الشعيبي: "في العمل السياسي لا يمكن أن تتخلى عن مطلب الحوار، منتصرا كنت أم مهزوما. وكلما اشتدت الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد كان مطلب الحوار الوطني أكثر إلحاحا، لأن لا مخرج من هذه الأزمات دون التقاء وطني جامع وشرعية سياسية واسعة". وشدد مستشار الغنوشي على أهمية أن يكون الحوار الوطني مفتوحا للجميع "سلطة ومعارضة"، لكنه لفت في الوقت نفسه إلى أنه "إلى حد الآن، مازالت السلطة ترفض المبادرة أو التعاطي الإيجابي مع دعوات بقية الأطراف، وهذا ما يزيد في صعوبة الوضع الحالي. هذه الدعوات للحوار تأتي استباقا لمخاطر كبيرة تواجهها البلاد وتوقّيا لآثارها السلبية على الاستقرار والسلم الأهليين". مستقبل الغنوشي يلف الغموض المستقبل السياسي لراشد الغنوشي الذي يتزعم الحركة منذ تأسيسها قبل خمسين عاما. وأدت مطالبات سابقة بتنحيه عن الزعامة وإدخال إصلاحات ديمقراطية على هياكل الحزب إلى انقسامات واستقالات من قبل قيادات من الصف الأول، مثل عبد اللطيف المكي وعبد الحميد الجلاصي والأمين العام السابق حمادي الجبالي والمحامي المعروف سمير ديلو. وكان يٌفترض طرح خلافة الغنوشي في المؤتمر العام للحزب المؤجل منذ 2020. وليس واضحا الآن المستقبل السياسي للغنوشي الذي جاوز العقد الثامن من عمره، بعد ايداعه السجن والتحقيق معه في قضايا عدة، مما اضطر الحركة إلى تعيين مساعده منذر الونيسي لتسيير الحزب مؤقتا. وبخصوص هذه المسألة الخلافية، أوضح الشعيبي أن "الأستاذ راشد الغنوشي استوفى عهدتيه القانونيتين، وبالتالي المؤتمر القادم سيفتح المجال لتغيير على رأس الحركة. لكن في ظل الظرف السياسي والأمني الحالي، سيكون ذلك غير ممكن، لأن أولويات الحركة تغيرت وانعقاد مؤتمرها أصبح محفوفا بالمخاطر". وفي ظل الظروف الحالية التي يعيشها الحزب، استبعد الشعيبي حصول انقسامات جديدة في الحركة، موردا أن "روح التضامن والتكاثف أمام التهديدات والانتهاكات تطغى على كل المواقف الشخصية. أما بالنسبة لمستقبل الأستاذ راشد الغنوشي السياسي، بعد المؤتمر القادم، فهذا أمر سابق لأوانه، خاصة في ظل وضعية الاعتقال الحالية".