يبدو أن تعيين الاستقلالي يونس السحيمي في منصب الكاتب العام لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة سيواصل إثارة التساؤلات والخلافات بين الفرقاء السياسيين حول طبيعته، بين من يعتبره قانونيا ولا تشوبه شائبة، ومن يرى فيه "ريعا ومحسوبية". ففي اجتماع المجلس الحكومي الذي التأم في 13 أبريل الجاري صادق مجلس الحكومة في ختام أشغاله على التعيين المثير للجدل، معلنا بذلك عن إطلاق شرارة الأسئلة والتكهنات التي تحوم حول هذا التعيين والطريقة التي جرى بها داخل الحكومة. تعيين قانوني من الناحية القانونية ليس هناك أي إشكال في تعيين شكيب بنموسى السحيمي كاتبا عاما لوزارة التربية الوطنية، ذلك أن القرار سليم ولا يتعارض مع أي نص قانوني، إذ يستند إلى مرسوم كان قد وقعه رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، في أكتوبر 2012. وينص المرسوم المنشور في الجريدة الرسمية، في عددها رقم 6091، على أن لجنة الترشيحات "تقدم للسلطة الحكومية المعنية قائمة تتضمن ثلاثة مرشحات ومرشحين على الأكثر، مرفقة بتقرير عن حصيلة أشغالها"؛ وفي حالة عدم التوصل بأي ترشيح "تتولى السلطة الحكومية المعنية" الأمر. وتابع المرسوم موضحا أنه بمبادرة من اللجنة يتم "اقتراح مرشحة أو مرشح على رئيس الحكومة لعرض تعيينه على مداولات مجلس الحكومة"، وهو الأمر الذي جرى في نازلة تعيين كاتب عام جديد لوزارة التربية الوطنية، إذ أكدت مصادر من الوزارة لهسبريس أن الوزير بنموسى هو الذي اقترح اسم الكاتب العام بعدما رأت لجنة الترشيح في البروفايلات التي توصلت بها أنها غير مؤهلة لشغل المنصب المذكور وتنزيل الإصلاحات المعلنة في القطاع. المحلل السياسي خالد الشيات أكد في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية أن مثل هذه التعيينات "لا تتم خارج قراءة النص القانوني، وهذا الأمر قد يكون كافيا لمقدسي النصوص، خاصة التيار القانوني الذي يجعل من النص القانوني مرجعا أساسيا لأي عملية مهما كانت". قانوني .. ولكن! يرى الشيات أن "النص القانوني إذا أعطى استثناء فإن ذلك لا يتم اللجوء إليه إلا بعد استنفاد كافة الأدوات التي تضبط الأصل، وتجعل ممارسة الأصل داخل النص هو المسعى الأساسي لأي جهة كانت". وتابع المحلل السياسي ذاته: "الأصل هو أن يتم التنافس على المناصب العليا التي يتم تداولها في المجلس الحكومي، ويتم وضع الإطار العادي والدقيق لهذه المسألة"، معتبرا أن لجوء وزارة شكيب بنموسى إلى الاستثناء في ما يتعلق ب"عدم استيفاء الشروط لوجود كفاءات مطلوبة لهذا المنصب فيه خروج عن روح النص القانوني الذي يضبط العملية في إطار التنافسية والشفافية". وزاد الشيات مبينا: "قد تكون هناك تدخلات في المجالات الرمادية عندما تتم مثل هذه الممارسات، لأنه لا يعقل أن يكون الأمر بهذه الطريقة، خاصة في المناصب ذات الحساسية، كما هو الحال في منصب الكاتب لعام لوزارة التربية الوطنية". وشدد المتحدث ذاته على أن "هذا لا ينفي وجود ضوابط أخرى تتحكم حتى في الممارسات المرتبطة باحترام الأصل في القانون والتنافسية"، لافتا إلى أنه "أحيانا يتم وضع معايير خاصة بأشخاص معنيين، يصبح من خلالها النص طريقة وآلية صورية للتباري؛ وفي كلا المسألتين يبقى الأمر مرتبطا بإرادة احترام الروح التنافسية بشكل دقيق". انتقادات "البيجيدي" رغم أن أمينه العام هو الذي فتح الباب أمام الوزراء للقيام بهذا النوع من التعيينات، خلال فترة رئاسته الحكومة، إلا أن حزب العدالة والتنمية المعارض دخل بقوة على خط القضية، ووجه انتقادات واضحة لطريقة التعيين المذكور. مصطفى إبراهيمي، عضو المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية في مجلس النواب، أكد في تصريح لهسبريس أنه رغم عدم وجود مانع قانوني في الواقعة إلا أن الأمر يطرح إشكالا "أخلاقيا" على الوزير والحكومة، واصفا التعيين ب"المحزوبية"، في إشارة إلى تمكين أعضاء الأحزاب المشكلة للحكومة من المناصب. وأفاد الإبراهيمي بأن "الأصل في هذه المناصب أن يتم تعيين لجنة انتقاء تطلع على ملفات المرشحين وفق المعايير المطلوبة، وتقدم ثلاثة أسماء للوزير الذي يختار من بينها من يقترحه على المجلس الحكومي". وعاتب النائب البرلماني الوزير بنموسى على اختيار اسم من خارج الأسماء المقدمة بداعي غياب الكفاءة اللازمة لشغل المنصب عن البروفايلات المرشحة، متسائلا: "لماذا اللجنة إذا كان الوزير سيختار شخصا معينا يريده؟ ولماذا تم فتح مسطرة الترشيح أصلا ثم اختار من يعجبه؟". واعتبر الإبراهيمي أن القرار الذي اتخذه الوزير "يضرب في العمق مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص واعتبارات التقييم، وهذا الأمر يبعث رسائل سلبية إلى الأطر والعاملين في القطاع"، وفق رأيه.