تطرح واقعة انتحار الإرهابي المتورط في قتل شرطي مدينة الدارالبيضاء، داخل زنزانته بالسجن المحلي بمدينة سلا، العديد من التساؤلات حول خلفيات ودوافع انتحار هؤلاء الذين ينعتون ب"الدواعش"، على الرغم من أن قتل النفس محرم شرعا ويناقض تعاليم الدين الذي يغالون فيه من منطلق التطرف والغلو والتعصب. وليست هذه هي المرة الأولى التي ينتحر فيها إرهابي أو عضو في خلية متطرفة، فقد تم تسجيل حالات مماثلة داخل السجون المغربية؛ من بينها حالة إرهابي تمارة الذي عرف إعلاميا ب"الهيش مول التريبورتر"، والذي وضع حدا لحياته في دجنبر 2020 داخل معقله بسجن سلا، وكذا حالة عضو الخلية الإرهابية المسؤولة عن قتل السائحتين الإسكندنافيتين، والذي أزهق هو الآخر روحه داخل زنزانته بسجن مدينة وجدة في فبراير المنصرم. وبعيدا عن "النبوءات الفايسبوكية" التي أطلقها البعض في صيغة الشك، في محاولة لخلق اللبس حول حقيقة قضايا الانتحار المسجلة في صفوف المدانين أو المتابعين في قضايا الإرهاب، تفرض الموضوعية والمهنية تسليط الضوء على هذه القضايا من زوايا متعددة، عقدية منها وإيديولوجية ونفسية؛ وذلك ليتسنى فهم خلفيات هذا النزوع العمدي لقتل النفس، ولئلا نسقط في فخ الاستخدام المفرط لنظرية المؤامرة التي تعقل العقل وترخي العنان للشعبوية والذاتية. قواسم مشتركة بداية وجب التأكيد على أن جميع المنتحرين في الحالات الثلاث أعلاه تلطخت أيديهم بقتل الأبرياء، أي أنهم يحملون في أعناقهم وزرا وكبيرة من الكبائر ومعصية من المعاصي الجسيمة التي قال فيها الحق سبحانه "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". فإرهابي تمارة كان يحمل معه وزر قتل "مأمور السجن" بطريقة بشعة، وإرهابي منطقة إمليل كانت تطارده جريمة المشاركة في قتل سائحتين أجنبيتين بشكل وحشي، وإرهابي الدارالبيضاء كانت يداه ملطختين بدماء شرطي حي الرحمة التي لم تنضب بعد، رغم ما طال جثته من تمثيل إجرامي وإضرام عمدي للنار بغرض طمس معالمها الإنسانية والآدمية. ففي جميع هذه الحالات الثلاث يحمل هؤلاء المنتحرون وزر قتل النفس بغير حق أو فساد في الأرض! وهذا الوزر العظيم يجعلهم يدخلون في متاهات الشك والارتياب والتساؤل حول ما إذا كانت جرائمهم تدخل في حالة الحرام، كما هو مقرر دينيا، أم أنها "حلال" من منظور شرعنة قتال من ينعتونهم ب"الطواغيت"؟ وغالبا ما ينتهي هذا المونولوغ الداخلي، المحتدم بين الحلال والحرام، بالانتحار وقتل النفس بسبب ضعف التكوين الديني لهؤلاء الدواعش، وبسبب كذلك غياب التأطير والدعم النفسي اللازم، فضلا عن أنهم يصرون في جميع الحالات على تكفير مؤسسات العدالة الجنائية ويفضلون معصية الانتحار على مسألة التقاضي في كنفها، مرجحين قتل النفس كمعصية "أمرها إلى الله تحت المشيئة"، أي إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه في النار على قدر المعصية التي مات عليها! والنقطة الأخرى التي يتشارك فيها هؤلاء المنتحرون هي أنهم ضعاف التكوين الديني؛ بل منهم من تطرف بشكل سريع في غضون أشهر معدودات، وهذه الفئة من الناس غالبا ما تكون لديها اضطرابات كبيرة على مستوى القناعات الإيديولوجية والعقدية، والتي تنتهي في كثير من الأحيان بصاحبها إلى تعطيل هذه القناعات المتطرفة بشكل مفاجئ والإقدام على الانتحار، خصوصا عندما يشرع في التساؤل داخل عزلته هل قتل شخص يقول ربي الله حلال أم حرام؟ وعندما تراوده أيضا كوابيس الضحايا وصورهم في يقظته ومنامه! الدواعش.. وأتباع القاعدة من النقط المشتركة والجامعة بين المنتحرين الثلاثة هي أنهم يرتبطون جميعا بتنظيم داعش الإرهابي، وكانوا يدينون بالولاء والبيعة المزعومة لأمراء هذا التنظيم. والملاحظة التي تثيرها هذه النقطة هي أن الدواعش غالبًا ما يكونون أقل استقرارا في الجانب الإيديولوجي والعقائدي مقارنة مع أعضاء تنظيم القاعدة الإرهابي. ولعل هذا ما يجعلنا نسجل حالات الانتحار بشكل أكبر داخل الفئة المتطرفة الأولى مقارنة مع الشرذمة الثانية. ولسنا هنا بصدد المفاضلة بين الأقل سوءا في التنظيمات الإرهابية، فجميعهم سيان ويتغذى من التطرف الأعمى؛ ولكن تعدد مراحل التجنيد والاستقطاب والإعداد التي يعتمدها تنظيم القاعدة كان يذكي التكوين العقدي المتطرف عند أتباعه. كما أن الاحتضان في مضافات ومعسكرات طويلة كان يؤجج هذا التعصب الإيديولوجي؛ بيد أن التطرف السريع الذي هو من سمات تنظيم داعش يجعلنا في كثير من الحالات أمام أشخاص منذورين للموت بشقيه: شق قتل الأبرياء، وشق قتل النفس عن طريق الانتحار. وأيًا كانت تسميات الإرهاب وأرديته الدينية والإيديولوجية، فهو يبقى مدانا ومستهجنا ومجرما سواء ارتكبه أتباع داعش أو أعضاء تنظيم القاعدة. ووزر قتل الأبرياء سيطارد حتما مرتكبيه حتى ولو كذب عليهم غلاة الدين وتجار الفتوى! فالقتل حرام باسم القانون وبلسان كل الشرائع السماوية.