لا يضيقُ درعاً بالحال إذا اشتدّتْ، لا يجادلُ في اختفاء النّومِ من السّوق السّوداء ولا في غلاءِ الهواءِ وشحّ الماء. بعد آذان المغربِ يطلبُ قهوةً سوداء، وطوالَ أربعِ لسعاتٍ ونصفٍ لا يشرَبُ إلا نصفَ الفنجانِ... يُغمضُ عيناً ترى ما لا يُرى، يغطّي الفنجانَ بصوتِ النادلِ القادمِ من خلفِ المسحَبِ مستبشراً، ثم يعدو بعيداً عن وجعٍ بين أعمدةِ الجريدةِ يقرصُ أجفانَهُ إلى أن يعثُرَ في زاويةٍ معتمةٍ على أخدودٍ يدفنُ فيهِ عينَهُ الأخرى بين زنازينِ كلماتِ متقاطعة حولها تتناثرُ مشاهدُ قد أرّقتْهُ كوابيسُها لحظةَ النّدمِ... ما أهدأهُ بطلا... لا يسْعى إلى الرّزقِ إلا حين يُطفيءُ الرّزقُ فانوسَهُ ثم يوصِدُ أبوابَ قلعتِهِ الشّمّاء. لا فضولَ يدغدغُهُ، إنْ مرّ قريباً من برعمٍ وشوكةٍ يختصمانْ، بثقةٍ يغضُّ الطّرفَ عن جمارٍ ترجُمُ خيمَهْ، وينحني منبطحاً لكلّ سوطٍ يرقّشُ ظهرَه، يضمّدُ جرحَهُ في طرَبِ كي تحوزَ بشاشتُهُ غبطةَ الصّولجانْ... ومن عجبِ بعد توالي اللّسعاتِ يُهاجمُ قبل النّومِ إن رخُصَا بالعبثِ المسلولِ الآهةَ والمللا، ثم يشربُ نصفَ الفنجان الباقي تتكلّسُ يقظتُهُ بعد منتصفِ الليلِ، ما أعقلَهُ حَمَلا.... //