محزنٌ جدا أن نقفَ على الرّصيف استعداداً للرحيل. عندها نستعيدُ بحزنٍ كلَّ الأشياء والأسماء والوجوه التي مضت في غفلة منا ولم ننتبه إلى حضورها. نكتشف كم كنا أغبياء. وأن غرورنا ونحن نكتبُ أو ننصتُ أو نتكلمُ منعَنا من أن ننتبه إلى الوجه المضيء للقمر، كي ننتشي بالسخرية من وجهه المُظلم. فلا نعرفُ قيمة الأشياء الجميلة إلا لحظةَ الإحساس بِفَقْدِها. وكذا أنا حين سمعتُ بخبر مرضك. لقد أيقظ الخبرُ في داخلي شعورا غامضا بأنك يوماً ما لن تكون بيننا. والأعمار بيد الله. لكن ما يشبه عذابَ الضّمير يجعلني آتي إليكَ اليوم، و... أعتذر. "" أعتذر، لأني عشتُ أسخرُ من القداسة التي يحيطك بها التابعون. واحتقرتُ خضوعَ بعضهم المطلق لمشيئتك. لكنّي نسيتُ أن أحترم فيكَ على الأقل ذاك الرجلَ العظيمَ الذي تحوّل من مفتشٍ نكرةٍ بين الجبال إلى زعيمٍ روحيٍّ له في كل بلدٍ مُريدٌ يدعو له... لقد صرتَ زعيماً في بلادٍ لم تَعُد تُنجب الزعماء. أعتذر، لأني كنت أشمئزّ من الضّجيج المستفزّ الذي كان يُحْدِثُه أتباعُك في الجامعات، وأتذمّر من استعراض القوة لهم في المسيرات. لكني نسيتُ أن أنحني احتراماً لقدرتهم على التنظيم والانضباط...في شارع يستعصي على الجميع ضبطُه. أعتذر، لأني كنتُ أضحك من الكرامات المتواترة عنك، تلك التي فاقت في تفاصيلها معجزاتِ الأنبياء، وأضحكُ من مشاهداتٍ لا يصدّقها العقلُ وتُكذّبها التجربة. لكني نسيتُ أنك في زمن تازممارت ودرب مولاي الشريف، لم تسكت. وكنتَ العالِمَ الذي وقف شجاعا في وجه نظام أكدتْ لجنةُ الإنصاف والمصالحة أنه كان عنيفاً وقاسياً. قلتَ رأيك وتحمَّلتَ كما تحمَّل الآخرون. لكنك عكسَ الآخرين لم تُهرول إلى الغنيمةِ عند توزيع الغنائم. أعتذر، لأني كنتُ أسخرُ من منظر الشرطة المسلّحة بالخيول والزراويط وهي تُطارد أتباعَك على شواطئ البحر. كنتُ أسخرُ من إصرارهم على انتزاع "حقهم في التشمُّس"، بدلَ السعي إلى انتزاع حقوق أخرى أكبر وأولى. لكني نسيتُ أن أحييك بقوةٍ كزعيم له كلُّ هذه الحُظوة لدى أتباعه، ولم يرفع السلاحَ أبدا. وله كلُّ هذه القدرة التنظيمية الممتدة في كل شرائح المجتمع، ولم يدعُ إلى العنف مُطلقا. ولم يُواجه الحصار َ بالحصار. أعتذرُ لأني نسيتُ من قبلُ كلَّ هذا، وأَمَلِي ألا تنسى أنّي اليومَ اعتذرتُ. [email protected]