تدافعت مجموعة من الأحداث والنوازل التي جعلت إشكالية إصلاح القضاء تبرز من جديد، واقعة شكيب الخياري، رئيس "جمعية الريف لحقوق الإنسان" وقضية الحسكي القادم من الديار الاسبانية ومعها نهج التعاطي مع ملف بوجعدية، القادم من معتقل غوانتنامو وتعامل الأخيرة مع الحملة ضد بارونات المخدرات بالشمال وغيرها . فالأول برأه القضاء المغربي عندما قضت المحكمة الابتدائية ببراءته، لكن سرعان ما أدانه مرة أخرى، حينما ألغت غرفة الجنايات الحكم السابق وأدانته بعشر سنوات سجنا نافذا وآخذته من أجل ارتكاب أعمال إرهابية وتكوين عصابة إجرامية، استهدفت المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف، والمسافة شاسعة بين الحكمين. علما أن استعمال ورقة الحسكي في الضغط على القاضي الاسباني "غارسون" بفعل شكاية متعلقة بتورط مسؤولين أمنيين كبار في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان بالصحراء زادت الطين بلة، ما دام القضاء المغربي معروف بتشدده في كل ما يخص المحاكمات المتعلقة بملفات الارهاب. "" أما الثاني، فقد برأه القضاء الأمريكي، في حين تشبث قضاء بلاده بإدانته. هذا في وقت كان ينتظر فيه الجميع أنه سيعانق الحرية فور وضع قديمه على أرض المغرب، كما وقع بالنسبة لسامي الحاج وغيره ممن عادوا إلى أوطانهم. أما نازلة شكيب الخياري، فما زالت عصية على الفهم والاستيعاب بالنسبة للكثيرين، سواء داخل المغرب أو خارجه. لقد آخذ عليه القيمون على الأمور تشويه السلطات العمومية والقضائية الوطنية، سيما بعد كل المجهودات التي قامت بها من أجل محاربة تهريب المخدرات والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه التورط في هذا المجال مهما كان موقعه. لكن ألم يشكك الكثيرون بخصوص حملة تفكيك شبكة تهريب المخدرات بالشمال في الآونة الأخيرة والتي تناسلت بخصوصها تساؤلات عديدة مرتبطة بغض الطرف عن جهات أو أشخاص بعينهم؟ مما دفع البعض إلى التساؤل : لماذا قضاؤنا، من حين لآخر ، يبرز ل "ترييب الحفلة" و"دك" كل ما سجل لصالحه من خطوات إيجابية، سيما بخصوص مسار استرجاع صدقيته ومصداقيته، ونزاهته وسبل استرجاع ثقة المواطنين به في انتظار تدشين تثبيت أقدامه على درب تكريس استقلاليته والبرهنة للمغاربة على تفعيلها حقا؟ إن مثل هذه الخطوات غير المدروسة من شأنها أن تعيد التساؤل والشك في مصداقية قضائنا ونزاهته واستقلاليته، وخصوصا حياده، علما أن القناعة الدستورية تضع في مقدمة الخيار الديمقراطي مبدأ استقلالية القضاء وحياده كأساس لمعادلة دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات. فهل قدرنا أن نعود دائما من حيث بدأنا، كلما تمكنّا من تحقيق خطوة أو نصف خطوة؟ فقبل أيام سلطت وسائل الإعلام الرسمي الأضواء على اعتماد وزارة العدل لأحدث التكنولوجيات المعلوماتية لتحسين تدبير الشؤون الإدارية وعقلنة الاستجابة لمتطلبات المتقاضين، وعصرنة التسيير اليومي لمختلف مصالح المحاكم، لكن ما عساها أن تفعل مثل هذه الإجراءات في ظل عدم الاهتمام، بطريقة موازية، بإشكاليات النزاهة والاستقلالية والمصداقية وصيانة الحقوق عوض المتاجرة فيها؟ طبعا سنكون جاحدين إذا نحن أنكرنا إيجابيات استعمال التقنيات الجديدة في التدبير والتسيير وانعكاساتها على المتقاضين، والدور الذي ستلعبه لا محالة إن هي طبقت فعلا وعُمّمت في التصدي للرشوة والفساد "الصغيرين" المرتبطين بمكاتب الضبط والسجلات الإجرائية وصندوق المحكمة، لكننا سنكون حالمين إذا نحن اعتقدنا أن اعتماد التكنولوجيا الحديثة سيكون له أدنى تأثير على الفساد والرشوة "الكبيرين" اللذين يشكلان سببين ضمن الأسباب الرئيسية في عرقلة مسار استرجاع المغاربة ثقتهم بقضائهم.