مقدمة: كانت الأسرة وستبقى أهم المؤسسات الاجتماعية في المجتمعات كافة التقليدية منها والمعاصرة، وتعد من أقدم المنظمات الاجتماعية بوصفها استجابة لحاجات ضرورية أساسية وتنشأ بصورة طبيعية اختيارية ليست بصورة إجبارية. فهي الحجر الأساس الذي يستند عليه البناء الاجتماعي. فضلا عن كونها النواة الأولية للجماعة ومن خلالها يستمر جريان الثقافة من الماضي الى الحاضر والمستقبل بوصفها التي تنجب المواد الأولية الخام لبقاء المجتمع واستمراره بصورة الأطفال والوالدين، فترعاهم وتنشئهم ليكونوا أعضاء فاعلين في الارتقاء بمسيرة المجتمع وبنائه واستمراره، فيتم فيها التفاعل العميق والاتصال المباشر المستمر الذي يكون ويبلور شخصية أفرادها ليقوموا بأدوارهم بالصورة المرغوبة أو المتوقعة منهم في مجتمعهم، ولذا فإن المجتمعات كافة ومنذ بداية الإنسانية اهتمت بثباتها ودوامها ورفاهها وتنميتها. والمغرب، كباقي المجتمعات الإنسانية خص هذه المؤسسة بكامل الاهتمام، حيث حرص على إحاطتها بكافة الضمانات الكفيلة بحمايتها اقتصاديا، اجتماعيا وقانونيا ولعل خير مثال على هذا الحرص ما نص عليه دستور المغرب لسنة 2011 في مادته 32 التي نصت على ما يلي: "الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع. تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها. تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية. التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة. يحدث مجلس استشاري للأسرة والطفولة". وإذا كانت مرحلة دسترة الأسرة قد جاءت كنتاج لمدونة الأسرة المغربية، فإن هذه الأخيرة قد مرت بمسلسل تراجيدي ابتدأت حلقاته منذ 19 غشت 1957 ومازلنا نعيش حلقاته إلى حدود كتابة هاته الأسطر. فما هي مختلف المراحل التي عرفها قانون الأسرة المغربي حتى وصل إلى صيغته الحالية؟ وما هي المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة؟ انطلاقا مما سبق، سنتناول هذا الموضوع بالتطرق إلى مختلف المراحل التي عرفها قانون الأسرة المغربي منذ قانون الأحوال الشخصية إلى غاية مدونة الأسرة (المبحث الأول)، وكذا المستجدات التي جاءت بها هذه الأخيرة (المبحث الثاني). المبحث الأول: مسار إصلاح مدونة الأسرة المغربية بين مد وجزر انتهى بصدور مدونة الأسرة برزت ضرورة النظر في القوانين المغربية بعد حصول المغرب على استقلاله وذلك بشكل يجعلها متلائمة مع خصوصية المغرب المستقل، ومن هذه القوانين قانون الأسرة الذي يعتبر من أخطر القوانين التي يجب أن تولها العناية عند صياغتها ذلك أنه ليس قانونا ينظم العلاقة بين أفراد المجتمع بما يكفل تحقيق النظام في المجتمع ويزيل أوجه التعارض بين المصالح المختلفة. لكنه قانون ينظم النواة الاساسية التي تهدف إلى الحفاظ على النوع الإنساني، وهي الأسرة. إضافة إلى أن المغرب لم يعرف إطارا تشريعيا خاصا ينظم مجال الأحوال الشخصية والأسرة، حيث كانت تنظم علاقاتها وفق أحكام الشريعة الإسلامية والراجح من مذهب الإمام مالك والعرف. تبعا لذلك، كانت أولويات المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه هو إخراج قانون للأحوال الشخصية ينهل من أحكام الشريعة الإسلامية ومغربلا، إن صح التعبير، لأحكام الفقه الإسلامي في مجال الأسرة من التقاليد والأعراف (المطلب الأول). وقد سار الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه على نفس خطى والده وذلك بتعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993 استجابة لمطالب المجتمع المدني خاصة فعاليات الحركات النسائية (المطلب الثاني). أما الملك محمد السادس فقد صنع الحدث ليس بقراره فقط إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية الذي لم يعد مسايرا للدينامية المتسارعة التي أصبح يعرفها المغرب، ولكن لأنها المرة الأولى في تاريخ المغرب الذي تحال فيه مدونة تتعلق بالأسرة على البرلمان للمصادقة عليها، واعتبر ذلك كمؤشر إيجابي لرد الاعتبار للمؤسسة التشريعية وتفعيلها ودعوتها إلى تحمل مسؤولياتها في هذا المجال (المطلب الثالث). المطلب الأول: مدونة الأحوال الشخصية أول قانون ينظم العلاقة بين مختلف مكونات الأسرة صدرت مدونة الأحوال الشخصية بموجب 5 ظهائر، أولها في نونبر 1957 وآخرها في أبريل 1958· سبقها إلى الوجود ظهير 19 غشت 1957 الذي تكونت بموجبه لجنة، ترأسها المرحوم علال الفاسي، لدراسة مشروع مدونة الأحوال الشخصية إضافة إلى مذكرة إيضاحية قدمتها وزارة العدل التي كان على رأسها آنذاك الأستاذ عبد الكريم بن جلون واعتمدت في اقتراحاتها على العلوم الحديثة مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعدد من الإحصائيات الميدانية لتعزيز خلاصاتها بضرورة توخي العدل والإنصاف ورفع الضرر عن المرأة المغربية وضمان استقرار الأسرة. فهل اعتمدت اللجنة التي عينت من أجل وضع المدونة على هذا التقرير؟ توالت، عقب ذلك، المبادرات الرسمية الهادفة إلى إعادة صياغة نصوص مدونة الأحوال الشخصية، وذلك بتناول مقتضياتها بالتعديل، فتشكلت خصيصا لهذا الغرض اللجنة الوزارية المنبثقة عن وزارة العدل سنة 1974، غير أن الفشل كان خليفها، وهو المصير نفسه الذي ختم أعمال اللجنة الملكية التي عينت في 5 ماي 1981 والتي كلفت بإحداث مدونة جديدة. ولعل سبب هذه الإخفاقات المتلاحقة يعود بالأساس إلى غياب إجماع وطني بين مختلف مكونات الحقل السياسي وفعاليات الشأن الفقهي بالمغرب ناهيك عن تهميش دور فعاليات المجتمع المدني في الإصلاحات. هذا الأخير، خاصة الحركة النسائية المغربية، راكم تجربة انتقلت من مستوى تقديم الملفات المطلبية كل تنظيم على حدة وتعميمها على الرأي العام والدفاع عنها أمام أصحاب القرار إلى مستوى إعادة النظر في تنظيماتها وهياكلها ووسائل عملها لتتخذ قرارا تاريخيا بشأن أسلوب عملها، فقد ثبت وتأكد لكل مكونات هذه الحركة ولو بشكل متفاوت في الاستغراب بأن عطاءها على مستوى الأداء وتدبير ملف مدونة الأحوال الشخصية لن يكون إيجابيا إلا بالاعتماد على أسلوب وحيد: توحيد صفوفها والدخول في عمل تنسيقي وحدوي يمكنها من أن تتحول إلى قوة ضاغطة لها وزنها في الساحة. وهو ما أفرز تعديل مدونة الأحوال الشخصية في 10 شتنبر 1993. المطلب الثاني: تعديل مدونة الأحوال الشخصية بطلب وإلحاح من فعاليات الحركات النسائية وبتأييد من المغفور له الملك الحسن الثاني تعتبر سنوات التسعينات أهم المراحل التي عرفها مسلسل إصلاح المدونة، نظرا للحركية الكبيرة التي شهدها هذا الملف، تعزز أساسا بمبادرة اتحاد العمل النسائي الذي اتخذ مبادرة في 8 مارس 1991 بالإعلان عن انطلاق الحملة الوطنية من أجل تغيير المدونة بدعوى مخالفة نصوصها للدستور والاتفاقيات الدولية، تلتها ندوة صحفية لنفس المؤسسة الجمعوية في 8 مارس 1992 بالرباط قصد تجميع المطالب التي تشكل أساس الحملة التي أطلقها الاتحاد سنة 1991. مباشرة بعد ذلك وبالضبط في 20 غشت 1992 ألقى جلالة الملك الراحل الحسن الثاني خطابا أصبحت بمقتضاه مدونة الأحوال الشخصية من اختصاص الملك، وهو ما حذا به في 24 أكتوبر 1992 لتشكيل لجنة تعديل مدونة الأحوال الشخصية برئاسة الأستاذ عبد الهادي بوطالب توجت بإصدار مدونة الأحوال الشخصية بتاريخ 10 شتنبر 1993. ركزت تعديلات مدونة الأحوال الشخصية الأساسية على الطلاق، بحيث وضعت حدا للطلاق الغيابي الذي كان يعطي الصلاحية للزوج لتطليق زوجته غيابيا وعلى الحضانة كذلك بحيث جعلت الأب يحتل المرتبة الثانية بعد الأم في ترتيب الحاضنين (ف 99)، بعدما كان يحتل المرتبة السادسة قبل تعديل 1993. كما تم تحديد سن الحضانة في 12 سنة للفتى و15 سنة للفتاة بعدها يختار الاثنان الطرف الذي يريدان العيش معه، كما أصبح بالإمكان رفع دعوى استعجاليه قصد الحكم بالنفقة في مدة محددة، كما كان أيضا ضمن التعديلات، إنشاء مجلس العائلة الذي أحدث بمرسوم ملكي. غير أن الجمعيات النسائية لم تستسغ هذه التعديلات التي لم تحقق أغلب متطلباتها وعبرت عن استيائها منها. وأملا في إيجاد مدونة قادرة على استيعاب الواقع الجديد للمرأة المغربية ومؤسسة للعلاقة المتكافئة بين الرجل والمرأة، تأسيسا على المرجعية الإسلامية إلى جانب المرجعية الدولية المتمثلة أساسا في المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة، قرر الملك محمد السادس إعادة النظر بشكل جذري في مدونة الأسرة. المطلب الثالث: خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية مهدت لولادة مدونة الأسرة الجديدة شكل "مشروع خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" منعطفا حاسما في الإعداد المادي والنفسي لظهور المدونة، ففي فبراير 1998 تكونت ورشة عمل نظمتها كتابة الدولة المكلفة بالتعاون الوطني، بدعم من البنك الدولي وبمشاركة القطاعات الوزارية، والجمعيات النسائية والحقوقية والتنموية؛ من أجل تحديد المجالات ذات الأولوية فيما يتعلق بوضع المرأة المغربية، ووضع خطة عمل إجرائية. وفي حكومة التناوب، أشرفت كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة، بمساهمة من البنك الدولي، وبمشاركة بعض المنظمات النسائية والحقوقية، على صياغة خطة العمل هذه، وقد صدرت في 1999 تحت عنوان: "مشروع خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية". يقع المشروع في أكثر من 200 صفحة، وينقسم إلى ثلاثة أجزاء: – الجزء الأول: عام يتحدث عن دواعي تهييئ الخطة وأهدافها ومنهجيتها، ونقد للسياسات السابقة في مجال إدماج النساء. – الجزء الثاني: يشخص المجالات الأربع ذات الأولوية التي ينبغي تدارك النقص فيها، وهي: محور الأمية والتمرس. الصحة الإنجابية. إدماج المرأة في التنمية الاقتصادية. التمكن الذاتي للنساء في المجالات القانونية والسياسية والمؤسساتية. أثار مشروع خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ردود فعل قوية من لدن المجتمع المغربي بمختلف فئاته التنظيمية والجمعوية بل وحتى الرسمية منها، بين مؤيد ومعارض، بدءا باللجنة العلمية التي أنشأتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومرورا بالبيانات المتكررة لرابطة علماء المغرب ومختلف فروعها وجمعية العلماء خريجي دار الحديث الحسنية، أضافة إلى البيانات الصادرة عن العديد من الهيئات والجمعيات والأحزاب الأخرى، وكذلك المسيرات الرافضة لها ويتعلق الأمر أساسا بمسيرة الدارالبيضاء المليونية. بالمقابل، نادت مجموعة من فعاليات المجتمع المدني إلى تأسيس جبهة للدفاع عن حقوق المرأة والنهوض بها وتطبيق بنود الخطة، ولكل من الاتجاهين مبرراته التي يستند عليها في تبني الرأي والرأي الآخر. عموما، شكلت هذه الخطة النقطة التي أفاضت الكأس وتسببت أساسا في ارتفاع حدة النزاع بين جميع الأطراف المهتمة بالمرأة والأسرة، الأمر الذي استدعى التدخل الملكي لكن بشكل مختلف هذه المرة وذلك قصد الاستجابة لرأب الصدع الذي أصبح يهدد المجتمع المغربي بمختلف مكوناته، عبر عنها في 27 أبريل 2001 حين أعلن عن تشكيل اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بتعديل بنود المدونة برئاسة الأستاذ إدريس الضحاك الذي تم استبداله بالأستاذ امحمد بوستة، فدخل هذا الملف منعطفا جديدا بعد ذلك توج بحسم الخلاف مباشرة بعد الإعلان الملكي بقبة البرلمان في 10 أكتوبر 2003 عن التعديلات الجوهرية في مدونة الأسرة التي سنتطرق إليها في المبحث الثاني. المبحث الثاني: مستجدات مدونة الأسرة شكلت قطيعة مع أحكام مدونة الأحوال الشخصية يعتبر الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس يوم 10 أكتوبر 2003 لنواب الأمة بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان، أرضية عمل وخارطة للطريق من أجل التطبيق السليم لبنود مدونة الأسرة الجديدة ليس بإبرازه للمستجدات التي جاءت بها المدونة فقط، وإنما للتوصيات والتوجيهات التي تضمنها الخطاب الملكي السامي، ومنها إيجاد قضاء أسري عادل، وعصري وفعال، لاسيما وقد تبين من خلال تطبيق المدونة الحالية، أن جوانب القصور والخلل لا ترجع فقط إلى بنودها، ولكن بالأحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهل، ماديا وبشريا ومسطريا، لتوفير كل شروط العدل والإنصاف، مع السرعة في البت في القضايا، والتعجيل بتنفيذها. إضافة إلى الإسراع بإيجاد مقرات لائقة لقضاء الأسرة، بمختلف محاكم المملكة، والعناية بتكوين أطر مؤهلة من كافة المستويات، نظرا للسلطات التي يخولها هذا المشروع للقضاء، فضلا عن ضرورة الإسراع بإحداث صندوق التكافل العائلي. دون إغفال ضرورة إعداد دليل عملي، يتضمن مختلف الأحكام والنصوص، والإجراءات المتعلقة بقضاء الأسرة، ليكون مرجعا موحدا لقضاء الأسرة، وبمثابة مسطرة لمدونة الأسرة، مع العمل على تقليص الآجال، المتعلقة بالبت في تنفيذ قضاياها الواردة في قانون المسطرة المدنية، الجاري به العمل. المطلب الأول: اتخاذ عدة تدابير قبل وبعد دخول المدونة حيز التنفيذ من أجل التفعيل السليم لمقتضياتها أعدت وزارة العدل العدة من أجل تهييء المناخ الملائم لمدونة الأسرة، وهكذا فقد اتخذت لتفعيل هذه المدونة عدة تدابير قبل دخولها حيز التنفيذ وبعده أولا: التدابير التحضيرية لدخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ تتجلى هذه التدابير في ما يلي: إعداد مقار أقسام قضاء الأسرة وتزويدها بالآليات والتجهيزات الضرورية حتى تضمن استقبال المتقاضين وكافة المتعاملين مع القسم بشكل لائق؛ إحداث شعبة تخصصية بالمعهد العالي للقضاء خاصة بالقضاء الأسري؛ تكوين الملحقين القضائيين الذين أسندت إليهم مهام القضاء الأسري؛ تعيين قضاة أسرة مكلفين بالزواج؛ إصدار عدة قرارات ذات الصلة بموضوع المدونة، سواء بالنسبة للقرارات الصادرة عن وزير العدل وحده، أو القرارات المشتركة له مع غيره. ثانيا: التدابير المتخذة بعد دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة: لضمان انطلاقة جيدة وتطبيق سليم لمقتضيات مدونة الأسرة اتخذت وزارة العدل مجموعة من التدابير تتمثل: إسناد مهام رئاسة أقسام القضاء الأسري إلى قضاة مؤهلين مع تعيين هيئات قارة مخصصة للبت في القضايا التي تدخل في اختصاص هذه الأقسام إعداد مطويات مبسطة تساعد المتقاضين وغيرهم على معرفة أهم الاجراءات المتطلبة لدى أقسام القضاء الأسري. القيام بزيارات تفقدية لبعض أقسام القضاء الأسري من أجل التوجيه والإرشاد وتوحيد طريقة العمل. حث كافة العاملين في حقل القضاء الأسري على إشاعة ثقافة التصالح التي يجب أن يتشبع بها الكل. إصدار عدة مناشير ذات الصلة بمدونة الأسرة. بالنسبة لأفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج: وعيا بخصوصية هذه الفئة فقد قامت الوزارة بما يلي: – تعيين السادة القضاة المغاربة بست دول أوروبية المكلفين بالتوثيق، قضاة للأسرة مكلفين بالزواج، وذلك بكل من فرنسا، هولندا، بلجيكا، إيطاليا، ألمانيا وإسبانيا، بينما تتولى المحكمة الابتدائية بالرباط تغطية باقي دول العالم. – تنظيم أيام دراسية للسادة القضاة الملحقين بالسفارات والقنصليات المغربية بالخارج حول كيفية تطبيق مقتضيات المدونة على أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج. – إعداد وتوجيه منشور توضيحي للحلول الملائمة لكيفية تطبيق بنود مدونة الأسرة، تطبيقا سليما ومناسبا لأوضاعهم بالخارج. – إحداث خلية خاصة بقضاء الأسرة: يتعلق الأمر بخلية مكلفة بشؤون قضاء الأسرة بمديرية الشؤون المدنية بوزارة العدل، تتكون من قضاة متخصصين ومن أطر عليا من كتابة الضبط عهد إليها ما يلي: – إعداد ملف لكل قسم من أقسام قضاء الأسرة يشتمل على كافة المعلومات المتعلقة به، من بيان وضعيته والتجهيزات والموارد البشرية؛ – مواكبة وتتبع وضعية أقسام قضاء الأسرة، لرصد ما قد يقع لها من خصاص يتعلق سواء بالبناية أو بالتجهيزات أو بالموارد البشرية قصد تفاديه – رصد ودراسة الإحصائيات المتعلقة بقضايا الأسرة من رسوم عدلية وأحكام تتعلق بالزواج والطلاق إلى جانب القضايا التي يبت فيها بأقسام قضاء الأسرة. – معالجة الشكايات الواردة على وزارة العدل حول قضايا الأسرة؛ – إبداء النظر في الاستشارات القانونية التي ترد على الوزارة من مختلف الجهات؛ – مواكبة عمل أقسام قضاء الأسرة من خلال القيام بجولات تفقدية؛ – الإعداد لتنظيم أيام دراسية لمعالجة ما قد يستجد من إشكاليات؛ – المساهمة في تكوين وتأطير وتدريب بعض الأطر التابعين لقطاعات أخرى لتفعيل ما يتعلق بقضايا الأسرة إضافة إلى المشاركة في الندوات والاجتماعات التي تنظمها قطاعات أخرى في مجال قضاء الأسرة. المطلب الثاني: سجلت مستجدات مدونة الأسرة قفزة عملاقة في اتجاه إنصاف المرأة، حماية حقوق الطفل وصيانة كرامة الرجل يمكن اعتبار المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة بمثابة تحقيق للحداثة النافعة وإبراز المعاصرة الصالحة. فما هي أهم هاته المستجدات: – تغيير الاسم من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة وذلك تجسيدا للاهتمام بجميع أفراد الأسرة. – التعريف بالفئات التي تخضع لمدونة الأسرة حيث لم يكن لهذا التعريف وجود في النصوص السابقة. – جعل النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا المشمولة بأحكام هذا القانون. – تغيير تعريف الزواج من ميثاق غرضه الإحصان وتكثير سواد الأمة بإنشاء أسرة تحت رعاية الزوج، إلى ميثاق غايته الإحصان وإنشاء أسرة مستقرة تحت رعاية الزوجين. – تفصيل أحكام الخطبة بعد أن كانت مختصرة في فصلين اثنتين في المدونة السابقة، مع تقرير الحق في تعويض الضرر الناتج عن فسخ الخطبة وهو من المستجدات. – توحيد سن الزواج في 18 سنة سواء الذكور أو الإناث مع إمكانية النزول عن هذا السن بناء على إذن من قاضي الأسرة المكلف بالزواج. – فتح ملف للزواج بالمحكمة. – إمكانية اتفاق الزوجين على طريقة خاصة لتنظيم مواردهم المالية وممتلكاتهم المتحصلة خلال فترة الزواج بمقتضى عقد خاص يتضمن اتفاقهما – حسم الولاية في الزواج بجعلها حقا للمرأة الرشيدة تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها. – تعديل تعريف الصداق بالتأكيد على قيمته المعنوية وليس المادية مع التنصيص على عدم لحوق التقادم بالمطالبة به. – منع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها. – منح مكانة متميزة لإرادة الطرفين بتخصيص ثلاثة مواد للشروط الإرادية بعد أن كانت تقتصر في فصل فريد في المدونة السابقة. – تدخل النيابة العامة من أجل إرجاع أحد طرفي العلاقة الزوجية إلى بيت الزوجية سواء أكان الزوج أو الزوجة. – في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، فإن المحكمة تثبت ذلك في محضر وتحكم بالتطليق وبالمستحقات، مراعية مسؤولية كل واحد منهما عن الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر، مع ضرورة البث في دعوى الشقاق في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب. – التنصيص على حقوق أساسية للأطفال على أبويهم، وذلك سواء أثناء قيام العلاقة الزوجية بين الوالدين أو حتى حين وفاة أحدهما أو كلاهما وكذا في حالة انتهاء العلاقة بينهما لأي سبب كان، مع التنصيص على ضرورة توفير رعاية خاصة للأطفال المصابين بإعاقة وتكليف النيابة العامة –بما لها من سلطات وإمكانيات– بالسهر على مراقبة تنفيذ هذه الأحكام؛ – التأكيد على أن البنوة بالنسبة للأم والأب تعتبر شرعية إلى أن يثبت العكس، كما أن النسب يثبت بالظن ولا ينتفي إلا بحكم قضائي، ثم إنه إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها، ثبت نسب الولد من المتصل، ويثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة شرعا، كما أنه إذا ظهر حمل بالمخطوبة وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج، فإنه يتسبب للخاطب للشبهة إذا توفرت الشروط المنصوص عليها في المادة 156؛ – أصبح من حق المحكمة اختيار من تراه صالحا للحضانة سواء من أقارب المحضون أو غيرهم وإلا اختارت إحدى المؤسسات المؤهلة لذلك؛ – التنصيص صراحة في المدونة على أن الحضانة تستمر إلى حين بلوغ سن الرشد القانوني للذكر والأنثى على حد سواء، وهو ما وضع حدا للكثير من النقاش والاختلاف الذي كان حاصلا حول الموضوع؛ – رفع السن التي يحق فيها للمحضون اختيار من يحضنه (ولكن فقط من أبيه أو أمه) حين بلوغه الخامسة عشر سنة من العمر فأصبحت الأنثى -خلاف ما كان عليه الأمر في مدونة الأحوال الشخصية سابقا والتي كانت تحدد لها سن 12 سنة- أصبحت الأنثى والذكر على حد سواء بالنسبة لسن اختيار الحاضن. – أجرة الحضانة ومصاريفها على المكلف بنفقة المحضون وهي غير أجرة الرضاعة والنفقة، كما أنها تعتبر مستقلة في تقديرها عن تكاليف سكنى المحضون. – عدم إفراغ المحضون من بيت الزوجية، إلا بعد تنفيذ الأب للحكم الخاص بسكنى المحضون، مع وجوب تحديد المحكمة للإجراءات الكفيلة بضمان استمرار تنفيذ هذا الحكم من قبل الأب المحكوم عليه، مثل إلزام الأب بتقديم كفالة مالية أو شخصية لذلك، أو إجراء حجز على البعض من أمواله، أو إمكانية الاقتطاع من المنبع الذي يحصل منه على الدخل (مثل الراتب) – إمكانية إعادة النظر من طرف المحكمة في الحضانة متى ثبت أن ذلك في مصلحة المحضون. – التنصيص صراحة على أن زواج الحاضنة الأم لا يسقط حضانتها؛ إذا كان المحضون صغيرا لم يتجاوز سبع سنوات أو يلحقه ضرر من فراقها، وكذا إذا كانت بالمحضون علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير الأم، أو كان زوجها قريبا محرما أو نائبا شرعيا للمحضون، أو كانت هي نفسها نائبا شرعيا للمحضون، وذلك بالطبع تحت رقابة القضاء وسلطته التقديرية. – إلزامية تقديم طلب الطلاق للمحكمة التي تبت فيه بغرفة المشورة، وتقوم بمحاولات لإصلاح ذات البين وتحقيق التوافق بين الزوجين، وتحديد المحكمة التي يجب تقديم الطلب إليها إلى جانب استدعاء المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح بينهما؛ – ضرورة البت في دعاوى التطليق لإخلال بشرط في عقد الزواج أو للضرر أو لعدم الإنفاق أو للعيب أو الإيلاء والهجر بعد القيام بمحاولة الصلح خلال أجل أقصاه ستة أشهر، ما لم توجد ظروف خاصة؛ – في حالة اتفاق الزوجين على مبدأ الخلع واختلافهما حول المقابل، يمكنهما اللجوء للمحكمة التي تقوم بتقدير مبلغ الخلع وذلك بعد محاولة الإصلاح بينهما. خاتمة راهن المشرع المغربي، من خلال مدونة الأسرة، على احترام المبدأ الدستوري الذي يجعل الرجل والمرأة سواسية أمام القانون، بالإضافة إلى مختلف الاتفاقيات الدولية التي تكرس تلك المساواة وتحرم كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء مع الاهتمام الكبير بمصلحة الفضلى الطفل. وفي خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله الأخير بمناسبة عيد العرش المجيد، الذي دعا فيه بعبارات واضحة إلى ضرورة مراجعة وتعديل مدونة الأسرة لأن التحولات التي عرفها المغرب تتطلب مواكبة القوانين لكل المستجدات حتى نضمن كرامة المواطن واستقرار الأسرة. ويأتي خطاب الملك إلى كل الفاعليين السياسيين والمدنيين والمؤسساتيين من أجل تحريك عجلة الإصلاح الشامل لأن الهدف واحد هو الحفاظ على مصالح المرأة والرجل والطفل وهم عماد الأسرة المغربية.