في تعليقها على العنف الشرطي الممنهج الذي تستخدمه قوات الأمن الفرنسية ضد العمال والمستخدمين والأجراء، وعموم الفرنسيين، الذين ينتفضون ضد تمرير قانون الرفع من سن التقاعد، قالت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان (CNCDH) إنها "تابعت بقلق شديد الممارسات العنيفة الصادرة عن قوات الأمن، وقررت تبليغ هذه الممارسات للآليات الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان ومجلس أوروبا". وفي إنذار حقوقي شديد اللهجة، خاطبت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان الحكومة الفرنسية، وفي طليعتها الرئيس إيمانويل ماكرون، بالقول: "إن العنف الشرطي الممنهج لا يمكن أن يكون هو الجواب الملائم والأمثل للمشاكل السياسية والاجتماعية، التي يتعين على الحكومة السهر حاليا على مجابهتها". وتابعت هذه اللجنة الرسمية المستقلة رصدها لمظاهر القمع وانتهاك الحريات الفردية والجماعية من طرف السلطات الفرنسية، قائلة إن "المحتويات التي توثق للعنف الشرطي تؤثر بشكل سلبي على المواطنين، وتعصف بسمعة جميع قوات حفظ النظام"، وأردفت بأن "هذه الانحرافات الخطيرة في استخدام قوات الأمن الفرنسية بشكل مفرط للقوة، تضعف من ثقة المواطن في المؤسسات العمومية الفرنسية". وأكدت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، وهي هيئة رسمية تتمتع بالاستقلال عن الحكومة الفرنسية، أن "تعدد الإنذارات والتبليغات الصادرة عن الهيئات والجمعيات الوطنية وكذا الملاحظين الدوليين بخصوص ما يجري من انتهاكات، يأتي عشية تقديم فرنسا لحصيلتها الحقوقية أمام الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، ضمن الدورة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل، وهو ما من شأنه أن يعصف بمصداقية فرنسا على المستوى الدولي". ومن الممارسات العنيفة التي رصدتها اللجنة وتم التبليغ عنها من طرف المراقبين الوطنيين والدوليين، تقنية "المصيدة"، المعروفة عند الفرنسيين ب "nasses"، التي قالت اللجنة إن "قوات الأمن الفرنسية استخدمتها بشكل مفرط في خرق للميثاق الوطني حول حفظ النظام، وفي انتهاك صريح لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي سبق لها أن أكدت عدم الركون لهذه التقنية إلا في الحالات القصوى عندما يقتضي ذلك التصدي لخطر حقيقي للمساس الجسيم بالأشخاص والممتلكات". وتتمثل "المصيدة" التي تستخدمها السلطات الفرنسية في محاصرة المتظاهرين ضمن دائرة ضيقة، أو في زاوية معينة، ثم رشهم بالغاز المسيل للدموع وتعريضهم للعنف، وهي التقنية التي تعتبرها العديد من الدول "مخالفة جسيمة لضوابط تفريق التجمهرات، التي تفرض على القوات العمومية فتح الباب دائما للمتجمهرين لكي يغادروا المكان وفض التجمهر، وليس محاصرتهم بغرض التنكيل بهم". ومن تمظهرات العنف التي وقفت عليها اللجنة كذلك، "قيام السلطات الفرنسية باعتقال صحافيين ووضعهما تحت تدبير الحراسة النظرية يوم 17 مارس الجاري، بدعوى وجودهما في مكان التجمهر"، قبل أن تذكّر اللجنة السلطات الفرنسية بأن "مجلس أوروبا اعتبر في قراره الصادر بتاريخ 10 يونيو 2020 أن الصحافيين، مثلهم مثل المراقبين المستقلين، ليسوا مطالبين بمغادرة مكان التجمهر عند عمليات تفريقه". وأضافت اللجنة الفرنسية لحقوق الإنسان أن "العديد من المتظاهرين تم اعتقالهم ووضعهم تحت الحراسة النظرية بشكل اعتباطي وتعسفي. ففي باريس مثلا، وفي ليلة واحدة ليوم الخميس 16 مارس، تم اعتقال 292 متظاهرا ممن جاؤوا إلى ساحة لاكونكورد للتعبير عن رفضهم استخدام المادة 49-3، تسعة منهم فقط هم من شكلوا موضوع متابعات قضائية!". وخلصت اللجنة إلى أن "هذه الأرقام تثير شكوكا حول اللجوء التعسفي للوضع تحت الحراسة النظرية من قبل السلطات الفرنسية من أجل منع المتظاهرين من المشاركة في الاحتجاجات"، قبل أن تشدد في ختام تقريرها على أن "مجرد المشاركة في تظاهرة غير مصرح بها لا يعد جريمة". يذكر أن خروج اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان للتنديد بالقمع الذي تمارسه السلطات الفرنسية ضد المشاركين في الاحتجاجات ضد قانون إصلاح التقاعد، أملته العديد من الضرورات التي تتعلق أساسا بسمعة فرنسا على الصعيد الدولي. فأولا هناك تقارير المراقبين الدوليين الذين قاموا بتوثيق ورصد انتهاكات حقوق الإنسان خلال العمليات الأمنية الفرنسية الأخيرة، وهي التقارير التي أشارت إليها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بفرنسا من تلقاء ذاتها. ثم هناك أيضا السياق الزمني الراهن، إذ إن هذه الانتهاكات تأتي عشية الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، الذي يتعين على فرنسا أن تعرض فيه وضعيتها الحقوقية أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على ضوء هذه التطورات الخطيرة، وهي التطورات التي سوف تؤثر بدون شك على مصداقية وصورة فرنسا التي تراجعت في جميع الميادين والمجالات، بما فيها المجال الحقوقي.