يمثل حدث انْعقاد لجنة القدس في دورتها العشرين بمراكش بتاريخ 16 و 17 يناير 2014 تحت الرئاسة الفعلية لرئيس اللجنة الملك محمد السادس، وبمشاركة وزراء خارجية عدد من الدول الإسلامية، وفي هذا الظرف بالذات، مناسبة لتأكيد حقائق التاريخ وحتميات الجغرافيا والحضارة والانتماء، ولإطلاق نداء-طالما أطلقه الأحرار فيها من أبنائها الصامدين الصابرين- أن الأقصى في خطر، وهو نداء يستنفر مجموع الامة بكل مكوناتها وأطرافها أن تهب لانقاد القدس من دنس الصهاينة الغصبين، الاقصى يستصرخنا من أجل استنقاده من مخططاتهم الاجرامية الرامية لتدمير الاقصى ونسفه لبناء الهيكل على أنقاضه، 1- الاقصى في خطر، مسؤولية منالاقصى يئن تحت وطأة اليهود المغتصبين، وهو في خطر ماحق، من جراء سياسات التهويد والاستيطان وتغيير معالم القدس وملامحها العربية الاسلامية التي تنتهجها دولة الاستيطان الاحلالي الصهيوني، كل هذا ما يطرح المسؤولية الانسانية والشرعية والتاريخية أمام العرب جميعا-حكاما ومحكومين- بكل أطيافهم، و هو ما يجعل من لجنة القدس -على وجه التحديد - المعنية الاولى بالعمل على تأكيد الهوية العربية والإسلامية للقدس الشريف والحفاظ على معالمها وملامحها وانتمائها الحضاري لهذه الامة، وذلك بتجديد العزم والمبادرة للنهوض من أجل صياغة برنامج استعجالي لمقاومة مخططات التهويد التي تكرسها سلطة الاحتلال الصهيوني الغاصب. وهنا لا بد من التأكيد على أهمية الدور المغربي في هذه المرحلة التي تمر منها القضية الفلسطينية بعامة وقضية القدس و المسجد الاقصى بخاصة . إننا نعتقد-أكثر من أي وقت مضى- أن قضية القدس وقضية المسجد الأقصى أصبحت تعيش على مشارف خطر محدق شديد ووشيك، وهي بذلك ترسل إشارات الانذار للالتفات لوضعها، وتستذر فينا المسؤولية الوطنية والدينية بغاية التصدي لمخططات تهويدها وارادة تغيير ملامحها من قبل الصهاينة، وهذا الوضع الشديد الخطورة والحرج يستدعي من كل القوى الحية في الامة الانتباه الى جسامة المسؤولية، وهو بذلك يسترعي الالتفات الى أن وضع القدس لا ينتظر الارجاء ولا التسويف وسياسة الاسترخاء والمهادنة أو اللامبالاة، 2- القدس في سياق عاصفة الردة الديمقراطية ويبدو أن قادة الكيان الصهيوني المجرم هم بصدد استثمار الظروف العصيبة الحالية التي تمر منها الامة، تلك الظروف التي يعتبروها مواتية لتمرير مخططاتهم بالانقضاض للاجهاز على القدس وقضمها، من أجل تنفيذ خطوات تهويدية عميقة بشأن مدينة القدس والمسجد الأقصى، ربما تكون أكثر جرأة في الاجرام وأشد بشاعة وخطورة من كل الفترات السابقة، في أفق تحويلها إلى عاصمة موحدة وأبدية للصهاينة كما تقضي بذلك ديباجاتهم الصهيونية . فعندما تكون مصر الكنانة على هذا النحو من المأزق الحاد والانهيار ومن الاستقطاب الحاد الذي تنشغل فيه قيادة الدولة-سلطة الانقلاب المتغلبة وتوابعها- وكل أدوات مراكز القوة داخلها، إمعانا في الملاحقة الواسعة و الاستئصال الشرس لكل القوى الوطنية من الديمقراطيين والإسلاميين، حيث تفرغ فيها الجيش بأركان قيادته وعناصره لاعداءه في الداخل –حسب تقديره- بحيث استغرق كل مقدراته في قيادة معركة بائسة، تدور رحاها على عقيدة بديلة مضللة تعتبر شريحة من أبناء مصر هي العدو الأول، بدلا من اسرائيل باعتبارها العدو التاريخي لكل العرب، وهم الخطر الأسود الذي يهدد مصر الدولة والشعب، ويتم تسخير قوى الأمن والشرطة والمال والإعلام والمساعدات الخارجية وحشدها في هذه الحرب الشاملة والمعركة المقدسة التي تحرق الأخضر واليابس، وتثير الفتنة في كل بيت وحي وقرية ومدينة، بتحالف دولي وتواطؤ اقليمي مضاد للتحول الديمقراطي بغاية ايقاف حركة المد الديمقراطي المنبعثة انطلاقا من موجة الربيع العربي. فينبغي أن نقف على حقيقة لا يماري فيها عاقل من المتابعين لتطورات القضية الفلسطينية بعامة والفاعلين فيها من الوطنيين والديمقراطيين، تتمثل بالاسترخاء الصهيوني، وتمتع سلطات الاحتلال بقمة الراحة والاستجمام والمتعة الحقيقية، الناتجة عن رؤية الأنظمة العربية المجاورة تخوض حربها الشاملة ضد شعوبها، وتسخر كل ما لديها من قوة في عملية تدمير ذاتي ممنهج ومستمر وبث الحقد الاسود داخل كيانها . 3- شيء من تاريخ الصراع مع العدو، احياء الذاكرة ووعي بالمواعيد فعندما نرجع الى الوراء بعض الشيء لنسترجع العبرة من التاريخ القومي للامة، نستخلص أن الأنظمة العربية داخل الدولة القطرية خاضت معركتها ضد العصابات الصهيونية في عام 1948م وتعرضت للهزيمة ونكبة، وجدت الشعوب العربية بعض العذر وقليلا من التبرير، حيث كانت الدول العربية تعيش لحظة الاستقلال القريبة من براثن المستعمر، ووجدت عزاءها بالأمل على سرعة استعادة البناء والوحدة، وإمكانية القدرة على لملمة الصفوف في مواجهة هذا الكيان اللقيط والضعيف عددا وعدة أمام الأمة المترامية الأطراف. لقد عاشت شعوب أمتنا على وهج الوعد الكبير والشعارات الرنانة، والخطابات المنبرية التي ألهبت المشاعر والوجدان العربي لحظتها أيان انبعاث الشعور القومي وارتقاء الحماس الوطني والتحرري، والتي كانت تستثمر في السذاجة العربية والبساطة المتناهية، والثقة العمياء بمنتجي الاوهام الايديلوجية والاحلام القومية الذين كانوا يلوحون بسيوفهم اللامعة، ويهتفون بقصائدهم ومعلقاتهم ، التي أطربت ساعتها، لكنها كانت تنتظر نكسة القرن في عام 1967م، التي كشفت عمق الخيانة ودنس المؤامرة وانحطاط الوعي والاستعداد للتضحية، بل فضحت خواءا على مستوى الارادة وانكشافا في مدى القدرة الامكان الحضاري للمواجهة الكبرى، وفضحت عطبنا المستطير كأمة وتخلفنا الذي جعل أمتنا تنهار أمام أعدائها التاريخيين والحضاريين، ولم تكن ساحة المواجهة تلك سوى ثرى الاقصى وصعيد القدس الشريف الطاهر. منذ ذلك العام وشعوب أمتنا العربية ترقب –بألم وأمل-تنفيذ الوعود القاطعة بإعادة بناء كيانات الدول المحطمة، وبنيات الجيوش المهزومة النخرة، وهي ترقب هدر المال وإنفاق الوقت وبذل الجهد ببناء ترسانة مسلحة قادرة على سحق العدو، لكن وفي الخفاء كانت ذات الشعوب تطلع على أسرار امتلاك أسلحة كيماوية-نموذج سوريا مثلا- قادرة على مواجهة العدو، الذي استطاع أن يطور ترسانة عظمى من أسلحة التدمير الشامل، ولكن كانت الخيبة المركبة تلو الخيبة، عندما لدغت الشعوب من الجحر نفسه عشرات المرات، ولكن هذه المرة كانت لدغة مميتة، حيث لم يتم الاكتفاء بمصيبة العجز والضعف الإداري، والتفرق والتبعية، بل وجدت نفسها أمام مصيبة غير متوقعة ولم تخطر على بال أحد، حيث تم استخدام هذه الجيوش، وما تم من شراء واستيراد للأسلحة الثقيلة والطائرات الحديثة، وبناء ترسانات أسلحة التدمير الشامل، في عملية تدمير ذاتي، وعملية إبادة للشعوب ومطاردة للأحرار تحت شعارات مواجهة الإرهاب والعنف وحفظ الأمن والصمود والمقاومة، هكذا زعموا زورا واعاءا . وجدت الشعوب أن كل الأموال والامكانيات التي تم اقتطاعها من قوت عيالهم يتم استخدامها ضدهم قتلا وسجنا واعتقاللا، وإهانة وتشويها، وهدرا للكرامة وتحطيما للإنسانية. بعد مرور ما يقارب 66 عاماً على هزيمة -النكبة-48، وبعد مرور قرابة 47 عاماً على هزيمة –النكسة-67، كيف أصبح حال أمة العرب وكيف أصبح وضع الكيان المحتل الغاصب. 4- مسؤوليتنا إزاء القدس إن الإجابة العلمية والموضوعية على هذا السؤال تجعلنا نشعر بالخطر أشد ما يكون فيما يتعلق يالأقصى والقدس وفلسطين برمتها، فهناك خطة تهويد ساحقة ماحقة تقوم على استحداث مستوطنات جديدة، وتوسيع المستوطنات القائمة، على وقع ارادة تحريك لعملية المفاوضات –كخيار عاجز أثبت فشله-وما سمي مسلسلا للسلام-الاستسلام-التي أصبحت تسير جنباً إلى جنب مع عملية الاستيلاء والتهويد الكامل على القدس وما حولها، والاستيلاء على كامل الضفة الغربية، وإحكام الخطة على سلب الفلسطينيين قدرتهم على المقاومة والممانعة، وقدرتهم الفعلية على وقف الاستيطان ووقف التهويد. عندما تكون مصر على هذا الحال، وسوريا على شفا الانهيار ، والعراق على ذلك المنوال، وباقي الدول العربية الشرق أوسطية-تجاوزا- وكذا المقاومة الفلسطينية على هذا الوضع من الضعف والانقسام وتأبيد الاستقطاب والتواطؤ الامني لإفشال برنامج المقاومة واستراتيجية الصمود وإنجاح المصالحة الوطنية بين قوى الحركة الوطنية الفلسطينية على أرضية المقاومة الشاملة، والاستعمال الخبيث للريع المتأتي من المال النفطي الذي يموّل بسخاء عمليات التدمير الذاتي للدول والجيوش والشعوب العربية مفروض أن تدعم برنامج صمود الشعب الفلسطيني في مقاومته للعدو-عدو الامة جمعاء- الوقتل حلم الشعوب العربية المقهورة بالحرية والديموقراطية، 5- القدس والحاجة الى وعي النداء الاخير أقول عندما تكون أمتنا على هذه الحال من الانهاك والارباك والانحطاط والتداعي والانقسام، يحق للصهاينة -تجاوزا وبالمنطق الحضاري -أن تقرأوا علينا السلام ويهزمونا كما سلف لهم ذلك في التاريخ القريب والبعيد، ويسعوا لتدمير ما بقي من وحدتنا ومصادرة أراضينا وتهويد قدسنا، والقفز لتكريس سياساتهم التطبيعية مع مكونات أمتنا من خلال تفكيكها وادامة تدميرها والامعان في تبعيتها، لكن هذه الامة تبقى عصية على المسخ والتدمير والاجتثات، وتبقى القدس عصية على التهويد وتغيير معالمها، ستصمد-بإذن الله –كما صمدت عبر التاريخ، وتلك لعمري هي الرسالة البالغة والقوية والاساسية التي ننتظرها من هذا الانعقاد للجنة القدس في المغرب الاقصى، فلنكن في مستوى المرحلة والتحدي، و لنكن في مستوى انتظارات أمتنا، وهذا هو الدور الذي من الواجب الوطني والديني والحضاري الملقى على عاتق المغاربة أن يلعبوه وينهضوا بأعبائه، ويحملوه للعالم أجمع ولكل أمتنا العربية والاسلامية، أليس المسجد الاقصى في خطر، ألم يكن عنوان صمود للامة كلها في مراحل انحطاطها وانهيارها، ألم يكن عنوان ألقها ورصيد وحدتها ومنطلق عنفوانها ، وإطار انبعاثها من جديد، يا أقصى إننا قادمون،،، وكما قال د.خالد الحسن : سيظل موضوع القدس يمتلك القدرة على الحشد والتعبئة للامة برمتها، إذا قدر عدم جعل قضيتها رهينة للخلافات المزمنة على المستوى العربي والدولي.