صدر كتاب جديد للكاتب وقيدوم الصحافيين المغاربة الأستاذ عبد القادر الإدريسي، بعنوان "الإيسيسكو الجديدة.. الضمير الحضاري للعالم الإسلامي". في مقدمة الكتابي الذي يقع في 304 صفحات من الحجم الكبير، أشار المؤلف إلى أن العنوان الذي اختاره "هو التوصيف الدقيق والعميق لرسالة هذه المنظمة لأن عبارة الضمير الإسلامي أوسع دلالة وأعمق معنى وأقوى تعبيرا عن الوظيفة الرئيسة التي تؤديها الإيسيسكو إلى العالم الإسلامي، وأدق اختصارا للأهداف التي تعمل عليها". واستطرد قائلا عن الإيسيسكو الجديدة: "إنها القيمة المضافة للعمل الإسلامي المشترك في الميادين الحيوية التي تدخل ضمن اختصاصاتها. ومن حق القارئ من الدول الأعضاء ومن خارجها أن يتعرف على هذه المنظمة التي انتقلت من طور إلى آخر، ولا تزال تتطور في خط متصاعد وتراكم المكتسبات والإنجازات، وتقدم لشعوب العالم الإسلامي خدمات جلى في مجالات التربية والعلوم والثقافة، وما يتفرع عنها من حقول المعرفة وقضايا المعارف الحديثة التي هي قاعدة التقدم في عالمنا اليوم". حين تلقيت نسخة من هذا الكتاب سعدت سعادة غامرة لسببين: الأول يعود لعلاقتي المهنية والأخوية مع كاتبه الأستاذ الفاضل الشريف سيدي عبد القادر الإدريسي التي ظلت علاقة يطبعها الاحترام والتقدير منذ التحاقي بالإيسيسكو عام 2001 إلى أن غادرتها مثله نهاية عام 2019. أما السبب الثاني فيرجع إلى أن موضوع كتابه يتمحور حول المرحلة الجديدة والمتجددة لمنظمة الإيسيسكو، ويتناول بالتحليل مختلف مظاهر وتجليات النقلة النوعية التي تحققت لها منذ تعيين مديرها العام الدكتور سالم بن محمد المالك يوم 9 مايو من عام 2019. يشتمل الكتاب على ستة فصول وخاتمة وملاحق. في مقدمة الكتاب استعرض المؤلف الملامح البارزة للنقلة النوعية التي تحققت للإيسيسكو، مبرزا الطفرات التي جعلت منها منارة مشعة ومعلمة من معالم الحضارة الإسلامية. كما ركز على إظهار الطابع المميز للجهود التي تقوم بها الإيسيسكو على الصعيدين الإسلامي والعالمي. ودعا الأستاذ عبد القادر الإدريسي في مقدمة كتابه النخب الفكرية والعلمية والثقافية في العالم الإسلامي وخارجه إلى مواكبة الإيسيسكو بالبحث والدراسة والإسناد الفكري والدعم الثقافي لأنها تجربة رائدة وفريدة من نوعها جديرة بأن تتصدر التجارب في مجالات العمل الإسلامي المشترك. أفرد المؤلف الفصل الأول من كتابه للحديث عن المهام الحضارية للإيسيسكو من حيث حدودها وعناصرها وتنوعها. وتناول عددا من المواضيع، من أبرزها الرؤية التخطيطية العملية للإيسيسكو، ومفهوم القيادة، والمنهج التشاركي والتوجه الجديد للشراكات مع اللجان الوطنية في الدول الأعضاء، وتفعيل التحالف الحضاري، وتطوير المراكز التربوية والثقافية، وتوظيف اللغة العربية في خدمة الأمن والسلم، وتعزيز حضور الإيسيسكو ثقافيا وفكريا. في الفصل الثاني تناول المؤلف آفاق الولوج إلى المعرفة من المنظور الجديد للإيسيسكو، وتحدث عن بناء المنظومات وصياغة العقول وصناعة المستقبل، ودلالات مجتمع المعرفة ومفاهيمه، وإنتاج العلم واستثمار المعرفة، وولوج العالم الإسلامي إلى مؤشر المعرفة العالمي. وأكد المؤلف أن هذه الموضوعات العلمية الدقيقة جديدة تماما جملة وتفصيلا ليس على الإيسيسكو فحسب وإنما على الأوساط العلمية والدوائر التكنولوجية في غالبية دول العالم الإسلامي. وقال في ختام هذا الفصل: "يعد هذا الانفتاح على آفاق المعرفة الواسعة ملمحا رئيسا من ملامح التجديد الفكري والتحديث المؤسساتي والتطوير المعرفي في اتجاه الولوج إلى مجتمع المعرفة على صعيد العالم الإسلامي لتكون الإيسيسكو قائدة لهذه الحركة المتوثبة والمتفاعلة مع المتغيرات العالمية". واستعرض المؤلف بتركيز في الفصل الثالث من كتابه التحديات والمعوقات التي تواجه تجديد البناء التربوي والعلمي والثقافي من خلال الحديث عن تحديات العصر ومتغيراته، والتخلف، والاستثمار الأمثل للموارد والحكامة الجيدة. وأكد في مقدمة هذا الفصل أن العالم الإسلامي يعاني من مشاكل تنموية بتفاقم بعضها ليصل مستوى الأزمات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، حصرها في ثماني أزمات هي: الفقر، والجفاف، والأمية، وانخفاض مستويات التربية والتعليم، وتفاقم النزاعات والصراعات، والتزايد المطرد لأعداد اللاجئين والنازحين المهجرين، وانتشار التطرف والتعصب والإرهاب، وبروز التيارات الأصولية المتزمتة. وفي الفصل الرابع تطرق المؤلف للرؤية الجديد للإيسيسكو في قطاع الشراكات والتعاون الدولي باعتبارهما رافعة للانفتاح والوصول إلى العالمية. وفي هذا السياق تحدث عن التفاعل والانخراط في المحيطين الإقليمي والدولي، وعن كراسي الإيسيسكو ودورها في تعزيز التعاون الدولي. واستنتج في ختام هذا الفصل أن "الايسيسكو تخطت حاجز الإقليمية ودخلت من الباب الواسع في رحاب العالمية فصارت منظمة دولية تقف في صف واحد مع المنظمات الدولية ذات الاختصاصات المشتركة من قريب أو من بعيد". وأفرد المؤلف الفصل الخامس من الكتاب للحديث عن الفكر الإبداعي وخاصية الابتكار عند المدير العام للإيسيسكو في جوانبها المتصلة بالرؤية الإبداعية الاستشرافية، والطرح الفريد لمفهوم حقوق الإنسان، وتجليات الفكر الإبداعي، والمرونة والقابلية للتطوير، والمفهوم الأصيل للفكر الإبداعي، والديبلوماسية الحضارية، والإبداع الشعري، والمستهدفات الثمانية في أفق 2025. وفي الفصل السادس الذي اختار له المؤلف عنوان "الإيسيسكو الجديدة على الطريق نحو المستقبل"، تحدث عن الاستثمار في المستقبل وعن الإيسيسكو كقيمة مضافة للعمل الإسلامي المشترك. واستنتج أن صناعة المستقبل عند الإيسيسكو تقوم على ثلاثة أركان هي: الوعي بالمستقبل، والتخطيط للمستقبل، والتفكير الاستراتيجي والرؤية المستقبلية. وفي هذا السياق كتب قائلا: "من أهم خصائص الإيسيسكو أنها لا تنتظر المستقبل أو تستشرفه وتتطلع إليه، وإنما هي تساهم في صناعة المستقبل ليكون مستجيبا لطموحات شعوب العالم الإسلامي". وأكد أن القيمة المضافة التي تنفرد بها الإيسيسكو هي الشهادة على رقيها وتقدمها وتطورها ومسايرتها الحثيثة للمستجدات التي يعرفها العالم في ميادين اختصاصها. ووضع المؤلف للكتاب ملاحق شملت 15 وثيقة قال إن الهدف منها هو الزيادة في توضيح التطور الذي سارت الإيسيسكو في طريقه منذ أن عين المؤتمر العام الاستثنائي الثالث للإيسيسكو الدكتور سالم بن محمد المالك مديرا عاما يوم 9 مايو من عام 2019. ليس من المبالغة القول بأن كتاب "الإيسيسكو الجديدة.. الضمير الحضاري للعالم الإسلامي"، يكتسي أهمية بالغة، ويعود ذلك في رأيي المتواضع لاعتبارات عديدة ألخصها فيما يلي: 1. مؤلف الكتاب هو قيدوم الصحافيين المغاربة وكاتب غزير الإنتاج، يشهد له الجميع بقدرة متميزة في القراءة والتأليف والمتابعة والتحليل العميق للأحداث والقضايا، بأسلوب رصين وسلس. لقد قال عنه الدكتور عباس الجيراري، عميد الأدب المغربي، أنه "صاحب القلم السيال والبيان البديع، مَن انقادت له قضايا الفكر والثقافة، وذُلِّلت له أساليب القول والتعبير. وهو صاحب خبرة وتجربة قل له فيهما النظير. وكيف وقد تسنى له أن يحضر العديد من المؤتمرات الإسلامية الكبرى ويقوم بتغطيتها الإعلامية، إضافة إلى مواكبته لما تعج به سوح الثقافة في المغرب والخارج، وما تهيأ له من اتصال وثيق أتاح له أن يحتك برجالات العالم الإسلامي من مختلف الأقطار". وأصدر الأستاذ عبد القادر الإدريسي 23 كتابا، من بينها أربعة كتب عن الإيسيسكو، بالإضافة إلى نشر كم هائل من المقالات في صحف ومجلات مغربية وعربية، ورئاسة تحرير عشرات المجلات الثقافية، والمشاركة في تنشيط برامج إذاعية، والتغطية الإعلامية لمئات المؤتمرات العربية والإسلامية داخل المغرب وخارجه. وهي تجارب غنية وواسعة دونها في كتابه الرائع "أوراق عاشق في بلاط صاحبة الجلالة.. بعض من سيرة" الصادر عن منشورات باب الحكمة في عام 2018. 2. يعد هذا الكتاب وثيقة مهمة لأن مؤلفها خبير في شؤون الإيسيسكو بحكم اشتغاله فيها أكثر من 32 سنة. فقد التحق بالإيسيسكو رسميا في منتصف شهر ديسمبر من سنة 1987 بقرار من المدير العام الأول للإيسيسكو الراحل الأستاذ عبد الهادي بوطالب بعد أن كان يتابع أخبارها عن بعد. وتم تعيينه في بداية مشواره المهني في الإيسيسكو مساعدا في مديرية الثقافة، ثم عين رئيسا لقسم الإعلام خلال الفترة من 1991 إلى 2012، ومستشارا خبيرا ملحقا بديوان المدير العام إلى غاية عام 2019. لقد كان لي الشرف أني استلمت بعده مشعل الإشراف على قسم الإعلام في الإيسيسكو عام 2012، الذي تحول في عام 2016 إلى مركز للإعلام والاتصال وكنت أجد فيه دائما الزميل المتعاون والموجه الصادق والمرشد الحكيم. وفي إطار تجديد هيكلة الإيسيسكو تم إنشاء إدارة للإعلام والاتصال المؤسسي يديرها حاليا باقتدار ومهنية عالية الزميل سامي القمحاوي من جمهورية مصر العربية إلى جانب طاقم من الكفاءات الإعلامية الشابة المتخصصة في مختلف أجناس الإعلام القديم والجديد. 3. الكتاب ليس ترويجا للإيسيسكو أو تعريفا بها أو تلميعا لصورة مديرها العام، بل هو في رأيي اعتراف وعرفان من شخص يمثل اليوم الذاكرة الحية للإيسيسكو، وشهادة صادقة وثمينة وشاملة ومفيدة من شاهد على العصر، أي عصر الإيسيسكو الجديدة. ولذلك من الواجب أن يطلع على هذا الكتاب شركاء الإيسيسكو على اختلاف أنواعهم ومستوياتهم، وأن يقرأه بإمعان واعتزاز موظفو الإيسيسكو السابقون والحاليون، وأن يسترشد بمعلوماته ويستفيد منها المتدربون الشباب في مختلف إدارات ومصالح الإيسيسكو. ومن الواجب المهني كذلك أن يطلع عليه الإعلاميون ليدركوا جيدا حجم التطور الكبير الذي عرفته الإيسيسكو في أقل من ثلاث سنوات. ومن المهم جدا أن تنظر الإدارة العامة للإيسيسكو في ترجمته إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية لتعميم الفائدة من محتوياته داخل العالم الإسلامي وخارجه. وفي ختام هذا المقال الذي لم يوف كتاب الزميل الأستاذ عبد القادر الإدريسي حقه من العرض والتعريف، تجب الإشارة إلى أن مضامينه والمعلومات القيمة الواردة فيه تدحض بالدلائل والبراهين الوشايات الباطلة والأكاذيب المغرضة التي عمل بعض أعداء التجديد والإبداع على ترويجها عن الإدارة الجديدة للإيسيسكو في بعض وسائل الإعلام داخل المغرب وخارجه وعند جهات الاختصاص في الدول الأعضاء، واتهامهم لقيادات الإيسيسكو بانعدام الكفاءة والأهلية، والسعي لهدم صرح الإيسيسكو والتنبؤ بانحلالها وإفلاسها ماليا وفكريا. لكن خابت مساعيهم، فاستطاعت الإيسيسكو أن تلج حقبة جديدة سماها الأستاذ عبد القادر الإدريسي "المرحلة التجديدية والإبداعية والابتكارية التي تم فيها إعادة البناء على قواعد جديدة وبهندسة برامجية ومشروعاتية وإدارية وتأطيرية جديدة". كل ذلك تم بفضل من الله، وبثقة ومؤازرة من الدول الأعضاء، وبفضل الرؤية الإبداعية والاستشرافية للمدير العام للإيسيسكو الدكتور سالم بن محمد المالك وفريق عمله المتميز بكفاءته المهنية والعلمية العالية من الخبراء، نساء ورجالا، من مختلف الجنسيات والتخصصات. (*) رئيس مركز الإعلام والاتصال سابقا في الإيسيسكو