احتدم، مؤخرا، النقاش بعد تقديم حزب "بوديموس" اليساري لمقترح منح الجنسية الإسبانية عن طريق الإقامة لمدة سنتين أو حسب قانون "ميثاق التجنس " Carta de naturaleza للمزدادين في الأقاليم الجنوبية قبل 26 فبراير من سنة 1976. فما هو "ميثاق التجنس "Carta de naturaleaza؟ وما هي شروط الحصول على الجنسية الإسبانية بموجبه؟ باختصار، إن هذا الميثاق يخول الحصول على الجنسية الإسبانية عن طريق المسار السريع. بمعنى أنه بإمكان أي شخص أجنبي -تحت ظروف معينة- التقدم بطلب للحصول على الجنسية الإسبانية؛ ولكن يجب أن يوثق الظروف الاستثنائية التي يتم أخذها في الاعتبار حتى يتم منحه الجنسية عن طريق المسار المذكور، ولا يحتاج الطلب إلى الإجراءات المطولة المتعارف عليها. وتنظم المادة الحادية والعشرون من القانون المدني الإسباني على النحو التالي: "تُكتسب الجنسية الإسبانية بحكم "ميثاق التجنس"، ويُمنح حسب التقدير بمرسوم ملكي، عندما تتفق ظروف استثنائية مع الطرف المتقدم بالطلب. إذن، من هذا المنطلق، الذي يظهر لنا من جبل الجليد هو أن حزب "بوديموس" يريد أخيرا – وبعد كل هذه السنوات والحكومات المتعاقبة – تطبيق هذه الظروف الاستثنائية على الأشخاص من أصل صحراوي، تعويضهم على سنوات الاحتلال، ومكافأتهم بجنسية أوروبية تخول لهم الولوج إلى خدمات اجتماعية وصحية من مستوى معين. ولكن إذا غطسنا قليلا في الماء الذي يحيط بذلك الجبل الجليدي، ستظهر لنا بعض الحقائق والتساؤلات. تكلم حزب "بوديموس" عن منح الجنسية لأشخاص كانوا تحت الحماية الإسبانية. ماذا عن سكان طرفاية، سيدي إفني وسكان شمال المغرب؟ ألم يعانوا هم أيضا من ويلات الاحتلال؟ لم استثنوا من مبادرة "بوديموس"؟ هنا المسألة تعدت مجرد أشخاص كانوا تحت "الحماية الإسبانية" إذن هناك معايير أخرى دفعت بحزب "بوديموس" إلى أن يتخذ هذا الاقتراح المفاجئ. إذن، لنغص أكثر قليلا في عمق المحيط الذي يشمل ذلك الجبل الجليدي، لعل الغموض ينقشع قليلا ونكتشف سر إلحاح "بوديموس" على هذه المبادرة؛ على الرغم من اعتراض الحزب الاشتراكي، زعيم الأغلبية وحليفه في الحكومة. هناك شطر خاص في المبادرة يتعلق بالمسائل الفنية، وهي التي أثنت حزب العمال الاشتراكي عن دعم الاقتراح؛ وهي أنه من المقترح أن تكون جبهة "البوليساريو" هي "التي يمكنها إصدار الشهادات التي تسهل الحصول على الجنسية" بهذا يكون حزب "بوديموس" قد أقحم "البوليساريو" في هذه المبادرة وأعطاها شرعية كممثل للصحراويين مغالطا بذلك الرأي العام الإسباني بل والمجتمع الدولي. ها قد وصلنا إلى قاعدة الجبل الجليدي حيث "البياض الأعظم" من الحقيقة، أن حزبا متطرفا ك"بوديموس" أراد أن يستبق الأحداث إدراكا منه أنه مع توالي سحب الدول اعترافها بجمهورية الوهم وازدياد اليقين لدى الدول الكبرى بالحل المغربي فعاجلا أم آجلا سيتم تطبيق الحكم الذاتي داخل السيادة المغربية؛ وهو ما دفع الحزب إلى تبني هذا الاقتراح قبل مغادرة الحكومة – وهذا أمر مؤكد حسب قراءتنا للمشهد السياسي الإسباني – وكأن لسان حاله يقول: بما أن الحكم الذاتي سيتحقق لا محالة، فلا أقل أن نكون حاضرين بجنسيتنا في التركيبة السكانية للإقليم بصيغته الجديدة تحت الحكم الذاتي، جنسية من المنتظر أن تعطى لجميع سكان الصحراء المغربية "كنظيرتها" المغربية في عملية تجنيس جماعية لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها. (*) مهندس دولة، عضو الحزب الشعبي الإسباني وخبير في العلاقات المغربية الإسبانية