أسال تناوش السيدين إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وعبد الحميد أبو النعيم، شيخ سلفي مغربي، أسال هذا التناوش حبرا غزيرا لم أود المساهمة في رفع صبيب تياراته الفائضة أصلا، فالوكلاء، من كل الجهات، كثر لا نعدمهم إلا إذا تعلق الأمر بعاقل متعقل رصين موضوعي متجرد، ضالته الحكمة ومبتغاه الإصلاح وغايته القسط ولو في ذوي القربى، لا يجرمنه الشنآن على غير العدل، ولا عشيرة النسب أو الفكر أو السياسة أو حتى المصلحة على البغي والغي.. يرأب الصدع ويجسر الهوة ويقول خيرا أو يصمت.. إلا أن توارد مقال في الموضوع إلى جداري في "الفيس بوك" ذي عنوان -[شعبوية لشكر ومغالطات الشيخ نعيم]، رابطه: http://www.hespress.com/writers/103111.html- أقول ذاك العنوان أعطاني انطباعا بشيء مما ذكرت آنفا، ما جعلني أطالعه متوسما فيه العثور على ضالتي! وقبل التعرض للمقال، أود التنويه أني لا أروم الدفاع متعصبا عن أي طرف، فلكل مثالبه، لكني أحاول تمحيص المقال ذاته، وكذا التعليقات التي كتبت بشأنه، وفي الأثناء أُلفت إلى المواقف المبدئية القارة التي يتبناها أصحاب التوجه الحداثي تجاه المنطلق المحافظ عامة.. أولا بالنسبة للمقال: 1- بدءا، ومن حيث الشكل، لم يكن هناك توازن وموضوعية في التعاطي مع تصرفي طرفي الموضوع(3 فقرات مقابل 16 فقرة، "تسييد" أحدهما مقابل ذكر الآخر ب[المدعو] ووصف رده ب[المتطرف])؛ 2- تم الاستقواء على السلفي ب[دولة المؤسسات]، وفي نفس الوقت تم رميه ب["التموقع" داخل أجندتها المحافظة في مواجهة رياح الدمقرطة والحداثة...]، فإذا كانت فعلا دولة القانون والمؤسسات قائمة، فهي يقينا لا تحتاج إلى المراوغة عبر التحالف مع من يقرها على المماطلة والتملص من الاستحقاقات الديمقراطية!! مع أن وقوف السلفيين إلى جانب الدولة وتعطيل آلية الإصلاح، صحيح إلى أبعد الحدود؛ 3- عندما تنتقد شخصا لأنه استقى حكما مرجعيا معينا، لا يحق لك أن تسلك نفس المسلك في إعطاء أحكام قيمية استنادا إلى نفس المرجع: [وللأخلاق الإسلامية السمحة التي تحرم على المسلم تكفير الناس والافتراء عليهم]، [يزرع بذور الفتنة التي حرمها الله بين أبناء هذا الوطن].. فما يكون الرجل قد قال إلا مثل ما تقول: استنادا إلى مراجع معينة، فإن الممارسة ما تأخذ حكما محددا.. 4- أنت تتحدث عن [سطحية في الفهم]، وإذن ليس من الضروري أن يكون فهمك هو الأعمق!! والحالة هذه فأنت تقر أن المسألة مسألة فهم واطلاع وعلم، وهذا صحيح.. فمن يمتلك هذه الآليات، وما شواهده، وما حجته؟ 5- بالنسبة لمسألة [تأبيد الاستبداد]، ليس من القدر أن نختار فقط بين الاستبداد والفوضى!! هناك حرية داخل منظومة عقدية، تماما كما هي موجودة داخل المنظومات الفكرية والسياسية والقانونية.. فيمكن للبراليين أن يختلفوا ويفكروا وينظروا ولكن يبقوا مع ذلك لبراليين، تماما كما يمكن ذلك للاشتراكيين والبوذيين.. والمسلمين.. ولكن من داخل الآصرة!! 6- أما [الاستئصال] فللأسف شواهد الجغرافيا السياسية الآنية تنسب الاستئصال لغير الإسلاميين بكل أطيافهم على الإطلاق إلا من رحم ربك، وقليل ما هم.. ولك في مصر الكنانة وتونس الخضراء مثال يا ذا اللب! 7- فيما يتعلق بالاتهام والقذف، لم تكن أنت أحسن منه حالا مع أنك قدمت نفسك كناقد موضوعي لتصرفين أرعنين، ولا أظنني في حاجة لإيراد بعض تلك القذفات المرسلة، فحبرها لم يجف بعد(جاهل، مأجور، متأسلم، متطرف...).. 8- مسألة [الخليفة] في الأرض، السيد السلفي، تماما كما هو حالك أنت وأنا، مستخلفين في الأرض بصريح النص!! 9- [تفسير] النصوص مسألة قائمة، تتعلق بكل النصوص الدينية والفكرية والقانونية.. بل أُلفت آلاف المؤلفات فقط في التفسير والتأويل، وهي لم تتعلق بنصوص ذات مصدر سماوي فحسب، على اختلاف الديانات، بل أغلبها تعلق بتفسير نظريات فكرية أو اقتصادية أو سياسية أو قانونية صادرة عن أناس مثل الذين يفسرونها، حيث يفترض أن يضيق مجال الاستعصاء على الفهم ما دام الملقي والمتلقي من نفس "الجنس"!! ثم إنك أنت نفسك -في ذات كتابك- حينما تطلق أحكاما فلا تكون قمت بشيء غير تفسير نص وإنزاله على واقعة.. وهذه مسألة واقعية طبيعية حتمية أزلية أبدية.. إنما يمكن أن يطرح سؤال مشروع عن صحة التفسير وأهلية المفسر،، وهنا لا يخفى أن شروطا موضوعة للانبراء لهكذا فعل، بالضبط كما هو الحال بالنسبة لكل العلوم والتخصصات.. مسألة في غاية البساطة: آتونا ذوو علم، مستقيمين ورعين، من غير مفتيي البلاط المأجورين، يقرؤون لنا الأصليْن(القرآن والسنة) ويرسمون لنا المنهج فنتبعه.. تفقهوا يرحمكم الله ونورونا بطرح رؤية منسجمة متكاملة معضودة معللة فيما مضى ويأتي من النوازل، ونكون لكم من التابعين الشاكرين.. لكن في انتظار ذلك دعونا نأخذ بالموثق المعتمد لدى الأمة.. إن المسألة ليست باليسر والفسحة في الاختيار التي تبدو. إنه الاضطرار لقول الحق واختيار الصعب، أما وإنا كل بشر يحلو له اليسر واللهو، فلو كان المرغوب مباحا ما سبقهم("المفسرون") أحد إليه.. 10- [التسامح والمحبة والإخاء من صميم الدين الإسلامي] صحيح، غير أنه ليس هذا كل ما في الدين.. في الدين قوة وشدة وغلظة... ولكن لكل مقام مقال.. فالدين كل لا يتجزأ بحيث نأخذ منه ما نحب للاستشهاد ونلفظ منه ما نريد.. إننا نكون قد حق علينا القول بالإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض!! واقرأ الآية لتعرف الحكم، حتى لا أكون أنا "المفسر".. حقيقة لا تُفهم "موضة" الإصرار على حشر مسألة السماحة واللين والرأفة... في النقاش في أي جزئية في "المسألة الإسلامية" حاليا، وكأن قوة المسلمين وجبروتهم قد قهروا شعوب الأرض واسترهبوهم! أو ليس المسلمون هم من يؤدي ضريبة الضعف والوهن في مشارق الأرض ومغاربها؟؟!!! 11- الاتهام بالعمالة، وإن كان الكثير من السلفيين متورطين فعلا، فإن غيرهم ليسوا بأحسن منهم حالا عندما نستحضر التحالفات الحالية للقوى والاستقطابات غير الإسلامية مع أعداء الأمس من محافظي الخليج وامبرياليي أمريكا وصهيوني إسرائيل... حتى يبدو أن منتسبو التيارات الإسلامية حاليا هم الشرفاء المستقلون الذين لا صديق لهم اليوم من القوى كلها لا في الإعلام ولا في المال وفي السلاح ولا حتى في المؤازرة المعنوية.. لا ينجو من تهمة العمالة -بل والخيانة حتى- من يترك النضال من أجل حقوق شعبه المهضومة ويبحث في رفوف الأرشيف المهترئة عن خزعبلة يصنع منها قضية يصرف بها الناس عن جادة الجد بمعارك وهمية لا تمت لحاجيات الناس ولا انتظاراتهم بصلة!! وكذلك لا ينجو من يبحث عن "الحيط القصير" ما دام لم يستطع مجابهة الاستبداد القائم، بل ويفضل التحالف مع هذا الاستبداد على أن يتحالف مع من يحارب الاستبداد، وإن اختلفت المنطلقات!! إنه النضال "ديال الدوزيام أو ديال الشينوا"، يعني مزور غير أصلي ولا أصيل، ليست الأولوية أولويته ولا الأوان أوانه ولا محل له ولا فائدة بتاتا من طرحه إلا البحث عن دور بطولي كرطوني.. فليست المشاكل التي تؤرق بال المغاربة هي تلك.. 12- أعبت على الرجل وصف المفكرين ب[العلمانيين]، وهم من يظلون ويبيتون يجاهرون، بل ويفاخرون بها بوصفها مرادفا للحداثة والتقدمية والعقلانية.. فما ذنب الرجل!! 13- مسألة [الوسطية والاعتدال]، فإني كنت قد نشرت مقالا بخصوصهما(رابطه: http://www.hespress.com/writers/81343.html) مفاده أن التوسط إنما يحدده حدود الكائن الفضائي وتموقع الذات/الموضوع في أرجائه، آنذاك فقط يمكن أن نحكم بالتوسط أو التطرف.. والحال أننا لا زلنا مختلفين في تثبيت حدود هذا الكائن/الإسلام، وبالتالي فإن مركز وسطه بالنسبة لي(نصوص المواريث) يظهر لك أنت أقصى طرف!! 14- مسألة شرعية "الدفاع عن الله سبحانه وتعالى" و"حاجته جل وعلا" إلى ذلك، فإن الله جلت قدرته عزيز ذو انتقام، غني قوي، ولكنه مالك الملك أمرنا أن ندافع عن شرعه، وهو القادر، لتكون كلمة الله هي العليا، إصلاحا لشأننا، وتمحيصا لصدقنا، واختبارا لإيماننا، ليميز الله الخبيث من الطيب.. فإنه -ولله المثل الأعلى- كل ولي نعمة يختبر ولاء أوليائه ووفائهم له.. وعلى أيٍ، فنصوص القرآن الكريم مليئة بالحض والتحريض على هذا الأمر، وإنما يشكك هذا التشكيك(في الشرعية) في أن أصحابنا لم يقرؤوا مرة كتاب الله، أو لم يقرؤوه بالعربية على الأقل!! ختاما، وللإحاطة بجوانب احتماليات الخطأ، يجدر بنا أن نطرح سؤالا مرجعيا: أين الإشكال؟ - هل أن تصرف السيد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي سليم يدخل في إطار حرية الرأي والتعبير، ولا يمس أي أحد بسوء في أي جانب من جوانب شخصيته، وإنما كان ذاك بغيا وتهورا من لدن صاحبنا السلفي؟ - أم أنه كان تصرفا أهوج بالفعل، لكنه لا يرقى إلى درجة الكفر، فكان صديقنا أكثر هوجا باندفاع أخرق لم يمتلك معه الحجية المعتمدة شرعا للتدليل على صحة الحكم؟ - أم أنه(التصرف) حتى وإن كان كفرا، لم يكن يجز لصاحبنا وسْمه به(وفي هذه الحالة ينبغي التعليل، أي ذكر المانع من الوسم)؟ - أم الاعتراض إنما كان على مبدأ ذكر مصطلحات ومفاهيم: حلال/حرام، كفر/إيمان؟ بعبارة أكثر وضوحا وأشد اختصارا -دعنا من تصرف السياسي الذي لم تسلط عليه الأضواء ولم يتعرض للنقد والتمحيص- أين يكمن الخطأ بالضبط في مسطرة السلفي؟ بعيدا عن هذه الحادثة بالذات، وارتباطا بهوامشها التقليدية الحاضرة بقوة في مجال السجال الفكري المغربي المعاصر، يمكن الجزم أن مجمل القول هو جواب عن سؤال: هل معارضة بعض الأحكام الفقهية(هذه المرة الإرث والتعدد، وأمس الأول الحجاب والجهاد، وغدا الجنس الرضي بلا قيود..) تكون من منطلق فهم آخر للنص(أي اختلاف من الداخل)، أم هي معارضة راديكالية للنص من القواعد؟ فإذا كان الجواب هو الافتراض الأول، فالأمر محسوم: البينة على من ادعى، هاتوا برهانكم، ونحن مضطرون لرفع القبعات لكم لكونكم أحللتمونا من ثقل هد كاهلنا،،، وإن كان الافتراض الثاني، فالأمر محسوم أيضا أنكم لا تؤمنون بذلك النص المتحدث بشأنه، وفي هذه الحالة لا يستقيم في ذهن عاقل أن لا يقبل بنص/قاعدة دينية/قانونية ويتبرم من نعته بنكرانها!! تماما كالحكام يسرقون قوت شعوبهم ويسجنون الصحفيين الذين سموهم لصوصا!! إذن أين الجريمة، هل هي السرقة أم التسمية؟ هل مكتوب علينا أن نسمي السارق شريفا أمينا؟؟!!! هراء.. السيد كاتب المقال: لقد حالفك التوفيق كله في المقدمة إذ شفيت غليل كل عاقل عندما تساءلت عن مسوغات فتح هذه المعارك المستهلكة لقوانا المنعدمة أصلا.. هل تم حل جميع المشاكل التي يغرق فيها البلد؟! ما هي أولويات الراهن؟ لكن البادئ يكون دائما أكرم أو أظلم!! أنت محق أيضا عندما تحدثت عن المواقف العامة لتيار صاحبنا السلفي المخزية التي "تتحربأ" لتمهد للاستبداد، وكذا عن "مشبوهية" "عنكبوتيتها"، لكن ليس الأمر كذلك فيما تعلق بالضبط بهذه النازلة، حيث سحبت مواقف مبدئية ثابتة على حدث يمكن أن يدرس بمعزل عن الامتدادات الفكرية والسياسية للفئة التي ينتمي إليها محْدثه!! ثانيا بالنسبة للتعليقات: ليس كثير كلام يقال يخص التعليقات، خلا أنها تتسم بالصراحة الفاضحة في رفض الدين من حيث أنه دين دون الدخول في مساومات حول البحث عن المشترك المقبول!! تصريح بالإلحاد يساعد عليه الظهور بأسماء مستعارة يتيح لأصحابه حرية أكبر ملفوفة في جبن أدبي ومادي.. تطرف ووقاحة وتجرأ وسماجة وعنف لفظي في الحكم والفكر والتعامل مع العرض، وفي أحيان كثيرة ركاكة وأخطاء تلمذية في اللغة والتعبير.. حصيلة التعليقات من الإعجاب دائما أبدا أرقام كبيرة في قيمتها المطلقة، غير أنها سلبية الإشارة!!