بوتيرة سريعة يواصل المغرب إنشاء محطات لتصفية مياه البحر، لتأمين حاجياته من الموارد المائية، بعد توالي سنوات الجفاف، واحتمال استمرار أزمة ندرة المياه بسبب التغيرات المناخية التي تعد المملكة من أكثر البلدان عرضة لتداعياتها. ويطمح المغرب إلى توفير حوالي 1.3 مليار متر مكعب من الماء الشروب والمياه الموجهة للسقي في أفق سنة 2030، من خلال محطات معالجة مياه البحر التي تم إنشاؤها، والمحطات المبرمجة. ويهدف مشروع إنشاء محطات تحلية مياه البحر إلى تلافي الاعتماد على مصادر المياه الاعتيادية (المياه السطحية والجوفية)، وكذلك الاستعداد لتداعيات التغيرات المناخية المحتملة، بحسب محمد السراج، مهندس بالمكتب الوطني للماء والكهرباء. ويتوفر المغرب على حوالي 100 محطة لمعالجة مياه الشرب المعبّأة في مختلف السدود، بطاقة استيعابية تفوق 7.2 مليون متر مكعب في اليوم، بحسب ما جاء في عرض قدمه السراج في ندوة حول موضوع "السياسات المائية بالمغرب"، نظمتها مؤسسة علال الفاسي، أمس الخميس. وبحسب المصدر نفسه فإن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أنتج مليارين و35 مليون متر مكعب من الماء سنة 2022، بينما يمثل إنتاجه 90 في المائة من الإنتاج الوطني ككل. وتمثل المياه السطحية 67 في المائة من الإنتاج الوطني من الماء الصالح للشرب، مع 30 في المائة من الموارد الجوفية؛ بينما لا تمثل مياه البحر المُحلّاة سوى 3 في المائة. وتضاعف إنتاج الماء الصالح للشرب خلال العقدين الأخيرين، إذ انتقل من حوالي 670 مليون متر مكعب سنة 2000 إلى 1.35 مليار متر مكعب سنة 2022. ويرجع هذا التطور إلى النمو الديمغرافي والاقتصادي الذي يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الماء الشروب. وشدد محمد السراج على ضرورة عقلنة تدبير استهلاك الماء عبر الرفع من مردودية القنوات، سواء في مجال الماء الشروب أو الماء المخصص للزراعة، لافتا إلى أن المغرب يتوفر على 90 ألف كيلومتر من قنوات المياه، بمردودية تصل إلى 96 في المائة من حيث الإنتاج، و76 في المائة بالنسبة للتوزيع، ما يعني ضياع 30 في المائة من المياه التي تمر عبر شبكة القنوات. ورغم ضياع 30 في المائة من المياه فإن السراج اعتبر أن مردودية شبكة القنوات جيدة، قبل أن يستدرك بأن الإجهاد المائي الذي يعاني منه المغرب يقتضي تعزيز مردودية الشبكة لتقليص حجم المياه الضائعة. وشرع المغرب في تحلية مياه البحر منذ سنة 1977، إذ أنجزت أول محطة لتحلية مياه البحر في مدينة بوجدور. وتتوفر المملكة حاليا على 12 محطة، 9 منها تُنتج المياه الصالحة للشرب بقدرة إنتاجية تناهز 85 مليون متر مكعب في السنة، فيما تُنتج 3 محطات أخرى مياه الريّ الزراعي والصناعة، خاصة الفوسفاط، حيث يتوفر المكتب الشريف للفوسفاط على ثلاث محطات في الجرف الأصفر وآسفي والعيون، بينما تُنتج محطة أكادير الماء الموجه إلى الشرب والفلاحة. ويصل الإنتاج الإجمالي لمحطات تحلية مياه البحر الموجودة في المغرب إلى 177 مليون متر مكعب سنويا. ورغم التطور الذي يشهده إنتاج الماء عن طريق تحلية مياه البجر فإن المغرب مازال يعتمد بالأساس على الموارد المائية التقليدية، بنسبة 97 في المائة، في وقت تشهد هذه الموارد تراجعا مستمرا خلال السنوات الأخيرة بفعل التغيرات المناخية. وبحسب المعطيات التي قدمها المهندس محمد السراج فإن الطلب على الماء الصالح للشرب في المغرب سيتزايد بشكل لافت خلال السنوات المقبلة، إذ يُتوقع أن ينتقل من 1.7 مليار متر مكعب سنة 2025 إلى حوالي 2.5 مليار متر مكعب سنة 2050، وشدد على أن معادلة ارتفاع الطلب على الماء الصالح للشرب مقابل تراجع الموارد المائية التقليدية تقتضي اللجوء إلى الموارد المائية غير الاعتيادية، كتحلية مياه البحر، لضمان تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب، معتبرا أن الأمر لا يتعلق فقط بتوفير الماء، بل يكتسي صبغة أمنية. ورغم التحديات التي يواجهها المغرب في الحفاظ على أمنه الماء، اعتبر السراج أن هناك جوانب إيجابية تتمثل في كون المملكة تتوفر على 3500 كلم من الشواطئ على الواجهة الساحلية الشمالية والغربية، فضلا عن التطور المستمر لتكنولوجيا تحلية مياه البحر، والإمكانيات الهائلة في مجال الطاقة، ما يجعل كلفة الإنتاج جدَّ تنافسية.