مرة أخرى تقدم السلطات المغربية على حجب المواقع الإلكترونية لجماعة العدل والإحسان عن المتصفحين للأنترنيت من داخل المغرب.. ومرة أخرى يتم الحجب بتواطؤ مكشوف مع شركات الاتصال الثلاثة الفاعلة في المغرب: وانا واتصالات المغرب وميديتيل التي يملك، للأسف الشديد، مستثمرون أجانب جزءا من رأسمال بعضها.. ومرة أخرى لم تبرر السلطات خطوتها هاته ولم تستصدر لذلك حكما قضائيا ولا حتى قرارا إداريا ولا امتلكت جرأة إعلان سبب ذلك وخلفية التوقيت والأهداف المتوخاة من هذه الخطوة. وهذا ما فتح الباب لتخمينات وتحليلات يمكن إجمالها في: "" حملة التضامن مع قطاع غزة: فهناك من ذهب إلى أن سبب المنع يتمثل في الدينامية التي عرفتها الجماعة أثناء الحملة التضامنية مع قطاع غزة إبان العدوان الصهيوني الأخير، فقد نظمت الجماعة وشاركت في أزيد من ألف وقفة عمت كل مناطق البلاد ولم تستثن المدن الصغرى والقرى وحتى المناطق الجنوبية حيث شهدت وقفات الجماعة في مدينة العيون تدخلات أمنية وحشية لتفريق المتضامنين؛ مما أسقط أطروحة انهيار الجماعة وتراجعها وضعفها، وهي الأطروحة التي صنعتها السلطة بمعية أبواقها والظاهر أنهم صدقوها. ولذلك فالصدى الإعلامي لهذه الدينامية الإشعاعية سيضر لا محالة بصناع هذه الأطروحة الذين أنفقوا عليها أموالا طائلة وبذلوا في سبيل الإقناع بها جهودا مضنية؛ والحل، في نظرهم، هو حجب المواقع على المغاربة حتى يبقوا أسرى إعلام رسمي يسوق لرأي السلطة ولا ينفتح على رأي الجماعة إلا استثناء لا يلغي قاعدة الحصار. المسيرة التضامنية مع الشعب الفلسطيني: فقد حجبت المواقع الإلكترونية ابتداء من يوم السبت 17 يناير 2009 وهو التاريخ الذي تزامن مع الإعداد لمسيرة الدارالبيضاء التضامنية مع قطاع غزة، وهذا ما فسره البعض بسعي السلطات إلى تحجيم مشاركة الجماعة من خلال ضرب قوتها التواصلية والتعبوية المتمثلة في مواقعها الإلكترونية، سيما أن هذه المسيرة عرفت مشاحنات حول الجهة الداعية والمنظمة لها وحول مسارها ومن له الأحقية بالمشاركة فيها. ولكن امتداد الحجب بعد المسيرة لأزيد من أسبوع يضعف هذا الاحتمال أو يجعله فرضية إلى جانب فرضيات أخرى. الانتخابات المحلية ل12 يونيو 2009: يطفو هذا الاحتمال على السطح ويعضده حرص السلطات على تجنب كارثة الانتخابات التشريعية ل 7 شتنبر 2007 التي شهدت عزوفا تتصور السلطة أن سببه الحملة المضادة الداعية إلى مقاطعة التصويت والمشككة في جدوى العملية الانتخابية بالشكل الذي تجري فيه وبالإطار الدستوري الذي يؤطرها، وبالتالي فهي تتخوف من كل حملة ضد هذا الاستحقاق الانتخابي القادم. وهذه فرضية تبقى قائمة إلى أن تثبت السلطة عكسها، ولذلك فما علينا إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا منتظرين القادم فقد يكون حجب مواقع العدل والإحسان مقدمة لتضييق أكبر على وسائل الإعلام المستقلة وعلى دورها في نقل كل الآراء حول هذه الانتخابات، وقد يكون مقدمة لعملية تزوير من شأنها النفخ في نسبة المشاركة لحفظ ماء وجه السلطة. خطوة استباقية لحملة أمنية منتظرة: هناك من ذهب إلى أن حجب مواقع الجماعة في هذا التوقيت مؤشر على مراجعة داخل تيار في السلطة يرى أن الحملة القمعية التي شنت على الجماعة منذ الأبواب المفتوحة سنة 2006 لم تؤت أكلها، ولم تضعف الجماعة؛ ولذلك وجب التهييء لحملة جديدة بوثيرة أكثر حدة لإيقاف مد الجماعة والحد من انتشارها وخاصة بعد المشاركة الكثيفة لأعضائها في الآونة الأخيرة إضافة إلى حسن التنظيم والانضباط. وأول خطوة في هذا الاتجاه هي قطع لسان الجماعة الذي يمكن أن يفضح كل تجاوز ضدها، أي حجب مواقعها الإلكترونية من داخل المغرب، وهذا أقصى ما تستطيعه. عزل الجماعة عن محيطها: فرضية أخيرة مفادها أن حجب مواقع الجماعة سببه سعي السلطات إلى عزل الجماعة بعد تزايد الدعوات إلى وجوب الانفتاح عليها وضرورة إشراكها في حوار وطني حول مستقبل البلاد باعتبارها قوة مجتمعية لها وزنها وتمثل شريحة اجتماعية لا يمكن إقصاؤها؛ وهذا ما لا يعجب تيارا استئصاليا متنفذا داخل السلطة يتصور الجماعة عدوا لا يجب فتح الباب أمامه إلا بعد تقديم تنازلات ترفض الجماعة مناقشتها فأحرى القبول بها. الآن وقد مر ما يزيد عن نصف شهر من الحجب يمكن تقييم نتائج هذا الإجراء السلطوي. هل حقق أهدافه؟ ومن الرابح فيه والخاسر؟... باطلاع على عدد متصفحي مواقع الجماعة، وخاصة الموقع الرسمي، يلاحظ أنه سرعان ما عاد لاستقراره، فزوار الموقع من خارج المغرب لم يتأثروا بهذا الإجراء والمستهدفون بالموقع من داخل المغرب، الأعضاء والمتعاطفون والمهتمون بشأن الجماعة، لم يتضرروا بعدما نجح مهندسو الجماعة وتقنيوها في كسر الحجب عبر مجموعة من الروابط proxy وعبر حملة تواصلية مع كل هذه الفئات على الأنترنيت، وكذلك بعدما تمكنوا من تحيين مادة الموقع بشكل يومي ومنتظم وعادي.. وجماعة العدل والإحسان لم تغير من مواقفها، بل أكسبها حجب المواقع نقطة أخرى كشفت حقيقة حصارها وطبيعة حملة السلطة عليها، كما وضح الحجب أن مشكل الجماعة سياسي وإن لبس أحيانا لباسا قانونيا أو اجتماعيا ويتمثل في أن السلطة تضيق درعا بالرأي الآخر الذي يعارض سياساتها والأسس التي تقوم عليها سيما إن تمتع صاحب هذا الرأي بمصداقية وجماهيرية. ولعل هذا سر استهداف صوت العدل والإحسان منذ البدايات الأولى للجماعة "مجلة الجماعة، جريدة الصبح، الخطاب، رسالة الفتوة، العدل والإحسان"، ولعله سبب عدم انفتاح الإعلام العمومي على قيادات الجماعة رغم أنه يمول من جيوب دافعي الضرائب المحرومين من حقهم في الاطلاع على كل وجهات النظر الموجودة في المجتمع، ولعله أخيرا السبب وراء الضغط على العديد من القنوات الأجنبية حتى لا تستضيف وجوها معروفة من الجماعة والوقائع في هذا الباب كثيرة ومتواترة. وبالمقابل أضافت السلطات المغربية إلى سجلها الأسود منعا آخر لوسيلة إعلامية ومصادرة أخرى للرأي الآخر وتضييقا آخر على حرية الإعلام، وأثارت موجة سخط المنظمات الحقوقية والإعلامية الدولية، وورطت شركات الاتصال في قرار متسرع غير محسوب العواقب، ومن شأن هذا وذاك التأثير على سمعة البلاد والإضرار بترتيبها في المنتظم الدولي وسيكون لذلك انعكاس سلبي على مجالات متعددة. هكذا يتضح من الرابح ومن الخاسر من حجب المواقع الإلكترونية لجماعة العدل والإحسان !!! [email protected]