"لقد دكت كرواتيا شباك المنتخب المروكي بنتيجة ثقيلة وأرسلهم في اتجاه مطار الدوحة، وغادر هذا المنتخب "المونديال" خائبا بعد الهزيمة القاسية، لتقرر الفيفا سحب المركز الرابع منه، وإلغاء جميع نتائجه لارتكابه خطأ إداريا فادحا. أما رئيس الفيفا فأكد أن المغرب أبهر العالم ولكن الجزائريين لو تأهلوا لوصلوا للنهائي.. أنا حزين فعلا لغيابهم يضيف رئيس الفيفا". هذه خلاصات ما يمكن أن يقرأه المرء في صحف الجزائر ووسائل التواصل الاجتماعي فيها، وهي معلومات مزيفة يتناقلها مستخدم تلو آخر. لقد أصبح المواطن الجزائري العادي يفكر ويكتب كما يريد النظام في مأساة تتخذ من غسل الدماغ والتدجين ديدنا لقصر المرادية الذي يبحث عن خصم وعدو بأي ثمن. كي يستمر في الحكم في الأسبوع الفائت، هالني ما رأيته على الويب الجزائري وصدمت من هول ما رأيت وسمعت لأدرك أن فائض العنف لدى الأشقاء الجزائريين قد تجاوز المدى بل وبدأ يؤشر بشكل جلي على أن الجانب النفسي لهؤلاء أصبح مركبا ومعقدا بشكل تصعب معه الإحاطة به. عثرت يداي صدفة على فيديوهات لشخص يدعى فاردينو كان يرتدي زيا عسكريا جزائريا، ويحرص من يصوره على استحضار المغرب فيفقد صاحبنا صوابه متوعدا "المروك بالويل والثبور ومهددا بقصف الرباط وشن حرب وشيكة على المغرب بزعامة شنقريحة الذي يقول إنه "سليل خالد بن الوليد". إن من يصغي لهذا السيل العارم من فم فاردينو يدرك أن هذا النموذج يمثل بحق الشخصية الجزائرية بكل تلاوينها وتعقيداتها النفسية، فبدل أن يولي فاردينو شيئا من الاهتمام بشكله ويبحث عن طقم أسنان ينتهج "صاحبنا" سياسة الهرب إلى الأمام، مطبقا بذلك قاعدة "قد يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه". من يستمع لكل هذه الفيديوهات ويراها يدرك أن العدو الحقيقي لفاردينو هو فاردينو نفسه... فاردينو مجرد إنسان بسيط دُجِّل تدجيلا مخجلا وبشعا شأنه شأن ملايين الجزائريين الذين تشربوا بالإيديولوجيا العسكرتارية الجزائرية التي تصر على أن معظم مصائب الجزائر تأتي من جار الغرب. هل كان المغرب وراء الحراك؟ هل كان وراء العشرية السوداء؟ وهل كان وراء ارتفاع البطالة في الجزائر؟ هل كان وراء عدم تأهل الجزائر إلى كأس العالم؟ يجب على الجزائري أن يطرح هذه الأسئلة بعقل ناقد على نفسه. يتذكر القارئ الكريم الحوار الأخير الذي أجرته القناة الجزائرية مع الرئيس تبون، عندما باغته الصحفي بسؤال حول عدم تأهل الفريق الجزائري ل"مونديال" قطر الأخير، فأرجع الأسباب إلى "قدر الله". ليت النظام الجزائري يطبق، على الأقل في المرحلة الحالية، هذه الحكمة على كل الإخفاقات التي عاشها بدل أن يعلق مآسيه على شماعة "جار السوء". لن نغفل في هذا السياق ذكر ردة فعل بعض الجزائريين في حرائق صيف 2021. فقد أحرقوا من كان يساعد في إخماد نيران الغابات وكذلك يشبه اتهامهم المغرب بالضلوع في هذه الحرائق. لنتأمل معا هذا الحوار الذي جرى أثناء محاكمة الضالعين في حرق جثة جمال بن سماعيل، إذ اتهمت النيابة العامة المتهم الرئيسي بأنه قلّب جمال بن إسماعيل وهو يحترق، وقد أجاب على أسئلة القاضي، وهو في حالة برود أعصاب قائلا: "لقد لمست الضحية مرة واحدة فقط. القاضي: لماذا شاركت في حرق جثة الضحية؟ المتهم: لمسته من رجله فقط. القاضي: لمست الضحية برك.. ألم تر نفسك في الفيديو؟ المتهم: نادولي (الشواي).. أنا قمت بتقليبه فقط، لم أكن في وعيي، كنت تحت صدمة الحرائق. النائب العام: صرحت سابقا أنك لقيت جثة الضحية مشتعلة جزئيا وقمت بالتقاط عصا من الأرض وقلبت الجثة حتى تحترق بالكامل واثناء الحرق كانوا يغنون ويرددون عبارات عنصرية، وقلت أنت إن ذلك سيشفى غليلك. ويكرر المتهم بارد الأعصاب: أنا لمسته فقط...". وقائع هذه الحادثة وحدها كفيلة لتميط اللثام عن مأساة الجزائر "الدار الكبيرة" مدى عقود من الزمن شبابا غاضبين، مقهورين، منحطين قتلت "الحكرة" كل شيء إنساني فيهم، فحولتهم إلى وحوش منفلتة العقال.. اليوم، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بحدة بالغة من ينقذ شعب الجزائر الشقيق؟