حركية غير عادية تلك التي شهدتها مدينة تاركيست، مساء أمس الأحد، بمناسبة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية 2964، والتي تصادف 13 من يناير الجاري، حيث كان العنوان الرئيس للاحتفالية هو المزج بين مطالب السياسة وإبداعات الثقافة. وحمل الحفل، الذي نظمته جمعية "أمازيغ صنهاجة الريف"، تحت شعار "تحاكوزت تراث صنهاجي أمازيغي، ويوم 13 يناير كعيد وطني، حق دستوري"، مطلبا صريحا بإقرار "ايض أوسكاس" رأس السنة الأمازيغية، عيدا وطنيا رسميا. وتميز الحفل الفني والثقافي بتكريم شخصيات السنة التي أسدت خدمات جليلة لمنطقة صنهاجة الريف، ولعبت دورا كبيرا في التعريف بالمنطقة، حيث عملت الجمعية على تكريم بعض المنابر الإعلامية التي عاد لها الفضل في تسليط الضوء على مشاكل المنطقة وواقعها المرير، وساهمت في رفع العزلة الإعلامية عنها ومواكبة حراكها الاجتماعي. وهكذا تم تكريم الجريدة الإلكترونية الرائدة "هسبريس" نظير مواكبتها المهنية لمجريات الأحداث التي عرفتها المنطقة، وأيضا جريدة "المساء" في شخص الصحفي "محمد أحداد"، وصحيفة "أخبار اليوم المغربية" في شخص الصحفي "عبد المجيد أمياي"، كما تم تكريم جمعية "روح الإنسانية للتضامن الاجتماعي" بتاركيست، والتي عملت منذ نشأتها على تجسيد معاني الإنسانية، وجندت نفسها لخدمة الضعفاء، وإغاثة البؤساء، وإعانة الفقراء. وشاركت في الحفل فرق أمازيغية من إقليمالحسيمة، وفرقة "صنهاجة للموسيقى والفلكلور"، التي أتحفت الجمهور الحاضر برقصات من فن الهايت الصنهاجي الذي يشكل جزء من الفلكلور والثقافة الصنهاجية بمنطقة الريف. وتخللت الحفل الفني عروض موسيقية أمازيغية، وفقرات شعرية وأخرى فكاهية بالعربية من تنشيط الفنان محسن حمود، الفائز بمسابقة مواهب 2013، والذي تنظمه جمعية مواهب للثقافة والفنون بتطوان، بينما الفنان الكوميدي "عزيز العيساتي" كان له عرض ساخر بأمازيغية "صنهاجة اسراير" المهددة بالاندثار، والتي تعمل الجمعية على إحيائها والحفاظ عليها، صونا للذاكرة الجماعية لمنطقة صنهاجة بالريف. وتعد "صنهاجة السراير" القبيلة الصنهاجية الوحيدة التي لا تزال تتكلم الأمازيغية بشمال المغرب، بعد "تعريب" كل من صنهاجة غدو، وصنهاجة مصباح، المتواجدتين بتازة وتاونات. وتجدر الإشارة إلى أن الحفل عرف أيضا تنظيم معرض للمنتوجات التقليدية الصنهاجية، ولمجلة "تيدغين" للأبحاث الأمازيغية والتنمية، بالإضافة إلى أكلات صنهاجية تقليدية تقدم خصيصا بمناسبة الحاكوز. الإطار الأسطوري والتاريخي للإحتفال في كل مرة يحتفل فيها بدخول السنة الفلاحية الجديدة، نتذكر قصة العجوز التي استهانت بقوى الطبيعة، فاغترت بنفسها وخرجت بغنمها متحدية البرد القارس، مرجعة صمودها لقوتها، غير شاكرة للطبيعة، مما أغضب يناير الذي طلب من فورار (فبراير) أن يقرضه يوما حتى يعاقب العجوز على تصرفها و جحودها. فأبانت الطبيعة على قوتها وجبروتها في اليوم الذي يعرف بالحاگوز. ومن مظاهر الاحتفال بهذا اليوم بمنطقة جبالة، أن الحاگوزة وهي امرأة عجوز تأتي بالليل لتفقد الأطفال الصغار، وتوزيع الهدايا على الطيبين منهم، في حين تهدد كل من لا يأكل جيدا في ذلك اليوم بملء بطنه بالتين. أما بمنطقة "تيزي تشين" التابعة لقبيلة آيت سدات، التي تنضوي بدورها تحت لواء "قبيلة صنهاجة اسراير" الموجودة بضواحي تاركيست وكتامة، فإن الأطفال الصغار يضعون ليلة الحاگوز فطيرة يوجد بداخلها لوز تسمى بأمازيغية صنهاجة اسراير "تانگولت" معدة خصيصا للاحتفال بهذا اليوم، يضعونها تحت وسادتهم لتأتي الحاگوزة وتأخذها ليلا، أي يتقاسمون معها حصتهم من فطيرة الاحتفال حتى تباركهم ويكونوا محظوظين طيلة العام. هذا المظهر المميز للاحتفال بالسنة الأمازيغية يحيلنا على التقارب الموجود بين الأب "نويل" في الثقافة الغربية و"الحاگوزة" في الثقافة الأمازيغية. هذا في الوقت الذي ذهب فيه البعض الآخر إلى أن السنة الأمازيغية مبنية على واقعة هزم الأمازيغ للمصريين القدامى، واعتلاء الملك الأمازيغي "شيشنق" لعرش الفراعنة، وتأسيسه للسلالة الثانية والعشرين سنة 950 قبل ميلاد المسيح، ليؤسس بذلك دولة حكمت هذا البلد لمدة قرنين من الزمن. عادات و تقاليد قبائل صنهاجة اسراير (إصنهاجن) بتاركيست* بقبيلة "آيت بونصر" يتم تحضير الفواكه الجافة ليلة الحاگوز (12 يناير) تقدم للمقيمين بالبيت حيث تتكون من الجوز، اللوز، التين الجاف و الزبيب. كما يتم تحضير حريرة "إبرين" (الدشيشة) في قدر تسمى "تاقنوشت" خارج المنزل حيث تؤخذ لتشرب بالمسجد. بعد صلاة المغرب، يخرج الأطفال الصغار الذين يدرسون بالمسجد (لمحاضرة) ليجوبوا أزقة المدشر، و ذلك لجمع الغلة (تسمى المعاملة) لفائدة الفقيه حيث تكون المعاملة نقدا أو عينا. مرددين نشيدا خاصا بأمازيغية صنهاجة : " أبيانو ابيانو، أبيانو طاق طاق. وانا ما غن ئك شاي، أس نكشم زي طاق، أس نحرق الطبق" (أبيانو ابيانو، أبيانو طاق طاق. الذي لم يعطينا شيئا، سندخل من نافذة بيته، لنحرق له الطبق الذي يتضمن الفواكه الجافة الخاصة للاحتفال بالمناسبة). في يوم 13 يناير، أي اليوم الأول من السنة الجديدة، تمتنع النساء عن العمل خارج البيت، فهو يوم عطلة بالنسبة لهن، حيث لا يقمن بجلب الحطب أو الرعي. الاحتفال "بقبيلة آيت احمد" يمتد على مدى ثلاثة أيام، حيث يقوم الأهل بأخذ ما يلزم للأكل لمدة ثلاثة أيام من غرفة المؤونة و إغلاقها حتى دخول العام الجديد، لاعتقادهم بأن حاگوزة تجلب معها البركة لتحل على الأكل الموجود بالغرفة، لذا لا يجب فتح الغرفة حتى لا تفر حاگوزة و بركتها. في اليوم الأول يتم تحضير أكلة "فاورن" (ذرة مطحونة جزئيا) التي يخلطونها بالزيت عادة أكلة "إركمان" (قطاني مطهية في إناء مليء بالماء) و "تفظيرت" (خبز مطهي في مقلاة طينية) و يهيئون طبقا لمدة ثلاثة أيام مليئ باللوز والجوز والتين والزبيب.. يتم وضع قليل من أكلة "فاورن" فوق "إنيان" (الحجارة التي يتم الطهي عليها) لاعتقادهم بأن حاگوزة ستأخذ حقها من الأكلة، كما لا يتم إحراق قشور اللوز و الجوز، لأنه يوضع بجنب إحدى أشجار اللوز أو الزيتون "أزمور" التي تملكها العائلة. في اليوم الثاني الذي يسمى "بين لتنين" يتم تحضير أكلة "البيصارة" فوق "إنيان" (حجارة مخصصة للطهي)، فإذا فاضت البيصارة على أحد الحجارة، فإن الخير سيأتي من جهة ذلك الحجر، حسب اعتقاد السكان. في اليوم الثالث "ليلة دخول العام"، يتم تحضير أكلة "أفوَار" (يتم تحميص الذرة في الفرن التقليدي، ثم طحنها كليا على شكل دقيق) حيث تطهى في كسكاس، ويطهى اللحم والخضر في طاجين، ليتم تقديم هذه الأكلة مثل الكسكس على العشاء ليلة لحاڭوز. وفي صباح السنة الجديدة يتم تحضير "السفنج" على الفطور. وكباقي القبائل الأمازيغية يخرج أطفال آيت احمد لطلب هدية لحاڭوز من سكان مدشرهم مرددين نشيدا خاصا بالمناسبة: "أبيانٌّو أبيانُّو، خالي علي بن صالح، و لحاڭوز البارح، اللي ماشي لدَّاموس إعطينا بالكمٌّوس، اللي ماشي للغرفة إعطينا بالقفة، اللي ماشي لرُّوف إعطينا بالمغروف". وبقبيلة "زرقت" يتم الاحتفال بالحاگوز لمدة ثلاثة أيام حيث يمنع طهي القطاني و جميع انواع "لگواز" في المنزل حتى لا يمتلئ الأخير بالصراصير (إبوجيجن) حسب اعتقادهم، فيكتفي أهل المنزل بأكل الخبز و الزيت او السفنج ... في صباح أيام الحاڭوز يتم تحضير طبق لحاڭوز الذي يضم اللوز و الجوز و الزبيب و التين الجاف... ، فيما يتم طهي ديك أو أرنب على عشاء ليلة الحاگوز للاحتفاء بدخول السنة الجديدة. و كباقي القبائل الصنهاجية بالريف يخرج أطفال مداشر زرقت مرددين نشيدا خاصا بالمناسبة لطلب هدية الحاڭوز: " الحاڭوز البارح، أ يامنة ن صالح، عطينا ما نقشقش، ولا نهرس القش ". و هناك نشيد آخر بأمازيغية صنهاجة اسراير كان يستعمل في قبيلة زرقت: "أ تدُّارت أ تدُّارت، شواي ن زبيب د تازارت، أ يامنة طاق طاق، لحاڭوز إ طُّاق (يا دار يا دار، القليل من الزبيب و التين، يا أمينة طاق طاق، لحاڭوز عند نافذتك)". * شريف ادرداك:رأس السنة الأمازيغية (لحاگوز):عادات تاريخية و دلالات تراثية –مجلة تدغين للأبحاث الامازيغية و التنمية، العدد 1، يناير 2013