لم يعد هناك أي مجال للشك أو حتى للنفي، المغرب دخل مرحلة غيبوبة قصوى، لم تعد تنفع معها كل أنواع الأجهزة المخزنية التي لا تزال توهم الجسد/البلاد بأن كل شيء على ما يرام وأنه فقط على الخلايا/المواطنين، أن تلعب دورها؛ الدور الذي لم تلعبه أبدا بسبب حرمانها من كل مقومات الحياة، وفي كل مرة تحتاج فيها هذه الأجهزة لتوهيم الدماغ بأنه على ما يرام؛ و بأنه يقوم بدوره كما يجب وأن كل الأعضاء التي يتحكم فيها تسير على ما يرام حسب القوانين التي وضعها، و ليس حسب القوانين الصحيحة و الطبيعية الواجب إتباعها؛ تلجأ إلى إستعمال كل وسائل الضغط من أجل دفع الخلايا للمشاركة في المهزلة. "" معذرة سأخرج عن سياق التشبيه إلى سياق التحليل السياسي، بالفعل المغرب وصل إلى مرحلة حرجة في تاريخه السياسي الحديث، من قبل شكل الصراع السياسي بين القصر و كل أشكال النخب(الحركة الوطنية، جيش التحرير، قادة الجيش في الستينات و السبعينات، الأحزاب و المنظمات اليسارية و فيما بعد الحركات الإسلامية....) أداة لقياس المستوى السياسي للحكم مع إبراز كل هفوات الحكم السائد و الأخطاء المرتكبة من طرفه، بالاضافة إلى وضوح الملف المطلبي السياسي لكل أشكال المعارضة رغم الفروق الشاسعة في طرق الاشتغال و الإستراتيجيات المتبعة؛ و منها كانت الاستنتاجات السياسية التي تقيس طبيعة الحكم سهلة، بحيث ليس هناك أي إستنتاج آخر يختصر طبيعة الحكم بالمغرب؛ إلى غذاة وفاة الحسن الثاني؛ بأنه حكم ملكي مطلق مغلف بمؤسسات و آليات شكلية، حكم عرف كل آليات الحكم الديكتاتوري مع فترات دموية عنيفة ،الآليات التي بدأت تتغير مع التقارير الطبية الأخيرة للحسن الثاني بالإضافة التي التقارير الداخلية للوضع المتأزم للبلاد و التي تهدد انتقال الحكم. منذ بداية التسعينات فهم الحسن الثاني أنه لابد من إظهار كل الاوراق بما في ذلك سفراءه داخل بعض الأحزاب التي كانت دوماً في صفوف ما يسمى بالمعارضة، سفراء كانت من عادتهم دوماً المرور من الباب الخلفي للقصر، لكن هذه المرة سيعتمد عليهم الملك للدخول من البوابة الرسمية للقصر ، بشرط التصويت بنعم على التعديلات الطفيفة على الدستور من أجل الحسم نهائيا مع مطلب الإصلاح الدستوري ، ثانيا عدم الطعن في آليات الحكم بما فيها مشاركة القصر في إتخاذ كل القرارات المصيرية للبلاد عبر وزارات السيادة، ثالثآ المشاركة الفعالة من أجل تبييض كل الصفحات السوداء من تاريخ حكم الحسن الثاني لكي لا تكون إرثا أسوداً لولي العهد، وأخيرا القبول بتغيير إستراتجية النضال و الإشتغال عبر القبول بالإندماج التام داخل صالونات النخب المقربة من القصر أو الصالونات المقربة من اللوبيات باختلاف أشكالها بما سيخلق إفراغ الأحزاب من كل أشكال التنطير السياسي لتعويضه بنخب أو أطر مكونة من داخل الصالونات السالفة الذكر؛ لقد كان هذا الشرط الأخير في صالح النطام بإعتبار ما عرفته هذه الأحزاب من إنشقاقات داخلية تمخضت عنه فبركت أحزاب على مقاس القصر. بعد الإنتخابات التشريعية وما ترب قبلها من صراع بين أجهزة الداخلية و حزب العدالة والتنمية؛ الذي استخلص أنه يمكن المرور ببرنامج أخلاقي ذي مرجعية إسلامية أكثر منه ببرنامج سياسي نظراً لما تعرفه البلاد من فساد على كافة الأصعدة وأيضاً للتبعية المطلقة للأحزاب التاريخية للقصر، البرنامج الذي فهمت منه أجهزة الداخلية حسب الإحصاءات و التقديرات الأجنبية فوزاً ساحقاً للحزب الإسلامي و ما سيشكله للخريطة السياسية للبلاد رغم أنه لا يشكل أي خطر لمصالح القصر؛ الصراع الذي أدى إلى استعمال ورقة الأسعار يوم الاقتراع بالإضافة إلى الحياد السلبي لرجال السلطة لتكون نسبة المشاركة شبه منعدمة خاصة مشاركة الأميين،و بالتالي قطع الطريق على اكتساح الإسلاميين مجلس النواب في انتظار إعادة ترتيب البيت السياسي المغربي. لم تكن أبداً غياب الشرعية السياسية لمجلس النواب و للأغلبية المنبثقة عنه، على ضوء المقاطعة المتعمدة للناخبين، مشكلا سياسياً للقصر ما دامت العادة في النظام السياسي المغربي تغييب كل أشكال المراقبة الشعبية لشؤون الحكم خاصة داخل قبة البرلمان أو حتى محاسبة السلط، وأن معطى الإسلاميين داخل البرلمان سيكون أخلاقياً أكثر منه سياسياً بحيث سيكون دورهم مقتصراً في قراءة البرنامج الحكومي بقراءة دينية أكثر منها سياسية؛ الترتيب الذي سيبدأ من المعطيات التي خلفها الحسن الثاني، بحيث لدينا أحزاب خلقت من داخل مكاتب وزارة الداخلية تم تليين برامجها وأجهزتها مع ما تعرفه البلاد، و الأحزاب التي تم إشراكها في التسيير و ليس الحكم و عبرها تم تمرير مجموعة من البرامج الهيكلية(الخوصصة على سبيل الذكر..) التي شكلت كارثة للشعب، هاته الأحزاب الأخيرة التي تم تقييسها سواء على مستوى الأجهزة أو حتى على مستوى البرامج، لتكون على مقاس متطلبات القصر و الدليل على ذلك التدخل المباشر للملك في مهام قيادات هذه الأحزاب و الحسم في أولويات هذه الأحزاب، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الصغيرة التي تشكلت من الأطر الغاضبة التي لم تجد لها مكاناً بعد 1998 داخل كل الهياكل السياسية الموجودة و أخيرا كل الحركات الإسلامية و اليسارية الصغيرة و التي لا تشكل أي خطر يذكر نظراً لاختراقها من طرف أجهزة الدولة و لمحدودية نطاق اشتغالها و طبيعة برامجها و مناضليها. الترتيب الذي إبتدأ بتجميع كل الأحزاب الصغيرة وإلحاق كل الأطر الغاضبة و الغائبة عن ترتيب ما قبل و ما بعد 1998 و محاولة سحب الأطر المشاكسة من داخل الأحزاب التقليدية و ذلك ضمن تصور وضعه القصر و تم تمريره من طرف أحد كوادره الذي رسم الخريطة السياسية الأخيرة للمغرب، التصور الذي ينبني على خلق قطب سياسي يشكل لبنة احتياط في حال فشل القطب الحالي المشكل للأغلبية في المحافظة على التزاماته السياسية خصوصاً عدم الطعن في طبيعة المشاركة في التسيير، خصوصاً بعد مطالبة بعض الأطر المهمشة داخل هذه الأحزاب في إعادة النظر في طبيعة الاشتغال مع القصر و ضرورة فتح جبهات تحالف جديدة خصوصاً الإسلاميين و هو ما لا يريده القصر بتاتاً، خصوصاً مع الظرفية السياسية الراهنة للبلاد. لقد قامت أجهزة الداخلية، في محاولة منها لإعادة ترتيب الخريطة السياسية للبلاد، بإنقلاب أبيض داخل حزب العدالة و التنمية بحيث تم تغيير القيادة الراديكالية بقيادة مقربة من أجهزة الحكم بحيث يسهل التواصل و التوافق، قيادة وفرت لها كل الإمكانيات من أجل التحكم في كل أجهزة الحزب بما في ذلك الشارع العام، أيضاً عملت هذه الأجهزة على أن تحافظ نفس القيادات؛ رغم تجديد بعضها؛ داخل الأحزاب( التاريخية) على طبيعة العلاقة القائمة مع القصر. ولقد قامت أيضاً باختراق الجمعيات المقربة من الحقل السياسي لاستمالة أطرها أو حتى لتحميلهم مسؤوليات رسمية في محاولة منها كسر الصالونات الجانبية التى تطرح داخلها تقييمات و تحاليل تربك اشتغال أجهزة الدولة و حتى المؤسسات الحزبية و النقابية المقربة من القصر. إن إعادة ترتيب البيت السياسي أو بالأحرى الخريطة السياسية بالمغرب تخضع لمتطلبات القصر أكثر منه متطلبات الشعب، و في إطار دستوري يخول كل الصلاحيات السياسية للملك و يلغي كل أشكال المشاركة و المحاسبة، يجعل كل الصيغ البديلة من أجل إخراج البلاد من أزماته مجرد مضيعة للوقت و مساهمة في استمرار المهزلة.