الثلث الأخير من ماراطون المشهد السياسي المغربي مع كل دخول سياسي تتناسل الأسئلة بخصوص المشهد السياسي ببلادنا، و دخول هذه السنة ليس كسوابقه إذ تميز بتهلهل الركح السياسي أكثر من تهلهل المجال الرياضي الذي أعلن للملأ عن إفلاسه الذريع غير المسبوق. و قد ساعد الجو العام للحالة التي تعيشها السياسة ببلادننا على التأكيد مرة أخرى أن فؤاد عالي الهمة تكلف بمهمة فرضتها دواعي المرحلة التاريخية التي يجتازها المغرب حاليا. و لتسليط بعض الأضواء على جملة من جوانب هذه الإشكالية أجرينا حوارا سريعا مع إدريس ولد القابلة(الصورة)، رئيس تحرير أسبوعية "المشعل" التي أضحت معروفة بجرأة غير معهودة. كيف ترون المشهد السياسي حاليا؟ إن معاينة واقع حال المشهد السياسي تعني بالدرجة الأولى معايشة وملاحظة حضور وتموقع القوى السياسية الكائنة والمسجلة لحضورها، الفعلي أو الافتراضي، بالركح السياسي. هذا المشهد حاليا شبيه جدا بسباق الماراطون 40.195 كلم، في ثلثه الأخير، أي بعد 3 كيلومترات. هناك كائنان سياسيان في المقدمة يتنافسان على الزعامة وعلى مسافة كبيرة جدا، من أحزاب عتيقة لم تقم منذ سنوات بتجديد دمائها، تكمل المسار ولا تتوقف عن السير، وهي عالمة علم اليقين، أنها غير مؤهلة للمنافسة، لكنها صامدة قصد تأكيد البقاء في الصورة، حتى لا يقال إنها تخلت وقدمت الاعتذار (forfait). وهناك مجموعة صغيرة، لا هي مهتمة بمقدمة السباق ولا بالمجموعة الثانية، تشارك في الركح السياسي من أجل المشاركة لتأكيد أنها على قيد الحياة ولم تنقرض بعد، وأخيرا هناك أحزاب سياسية حاولت التوهيم بأنها تلعب دور الأرانب لكنها سرعان ما توقفت عن السير، غيرت قميصها لارتداء قميص الحزب الجديد، وإذا علمنا أن حزب الهمة وحزب بنكيران يحتلان رأس المسيرة الآن، يسهل التعرف على مكونات المجموعات 2 و 3 و 4. هل فعلا إن الأحزاب "القيدومة" تفقد مصداقيتها يوما بعد يوم أمام الأحزاب الجديدة؟ أولا وقبل كل شيء، الحديث عن مصداقية الأحزاب السياسية، القديمة منها والمستحدثة، يجرنا إلى الاهتمام بمدى تأثيرها على الساكنة وتأطيرها للمواطنين، وواقع الحال أن كل المؤشرات تبين بجلاء، بما لا يدع أي مجال لأدنى درجة من الشك، أن مستوى مصداقية تلك الأحزاب، عبر تأثيرها وتأطيرها، هي متدنية جدا، والدليل على ذلك نسبة المشاركة في الانتخابات الماضية ووقوع الأغلبية الساحقة خارج دائرة الأحزاب، قديمها وجديدها على السواء. والحالة هذه سيكون الحديث عن هذه الإشكالية بوثوقية تغليطا للرأي العام عن مدى مصداقية الأحزاب المغربية في الفترة الحالية. هل لديكم تصور لحزب الهمة الذي أسندت أمانته العامة إلى ناشط ماركسي بغية مواجهة حزب العدالة والتنمية وتقزيمه؟ لم يعد هناك أدنى شك أن فؤاد عالي الهمة مكلف بالقيام بمهمة فرضتها المرحلة التاريخية الحالية لتجاوز الإفلاس السياسي البين، وهي مهمة لا تختلف عن تلك التي لعبها سابقا كديرة ومن معه، هذا الأخير الذي هيأ لديكور خارجي جديد وقتئذ تحت غطاء الدفاع على المؤسسات الدستورية ليوهم أن المغرب يتطور وليس في حاجة لتغيير جذري، كما كانت تنادي آنذاك القوى السياسية الحية المرتبطة بالشعب. إن مهمة عالي الهمة حاليا هي إنقاذ الركح السياسي المغربي من الإفلاس المحتوم ومحاولة إثارة "الأغلبية الساحقة الصامتة سياسيا" واسترجاع ولو قدر من ثقتها، من أجل الإعداد لديكور سياسي جديد، إذ أن المرحلة تستوجب قطبين أسياسيين يتنافسان بقدر من الشفافية، وذلك لاستكمال ديكور "الديمقراطية المغربية" التي يقاطعها أغلب المغاربة، وهذا بدليل نسبة المشاركة السياسية ودرجة تأثير الأحزاب القائمة ومدى تأطيرها للساكنة، وبالتالي سواء تكلف ماركسي "سابق" أو غيره بأمانة حزب الهمة فالأمر لن يغير من الجوهر شيئا. هل فعلا إن بعض الأحزاب السياسية المغربية تتلقى تعليماتها من وزارة الداخلية؟ في اعتقادي لم تعد وزارة الداخلية في حاجة لتبليغ تعليماتها لجملة من الأحزاب، فكل شيء يصل إليهم عبر فؤاد عالي الهمة وجيش السياسيين والإعلاميين والاقتصاديين والأطر ورجال الأعمال وذوي النفوذ الذين أصبحوا يحيطون به ويتمسكون بأهذابه، والقائمون على وزارة الداخلية مرتاحون حاليا من هذه الناحية لأن هناك من يلعب الدور أحسن منهم وبطريقة أجدى من طريقتهم. ما الفائدة من إجراء انتخابات تصرف خلالها أموال طائلة؟ إن كانت الانتخابات لا فائدة من ورائها في عيون أغلب المغاربة حاليا، فإنها ضرورية في عيون القائمين على الأمور والمستفيدين من الواقع القائم حاليا، وذلك لاستكمال إكسسوارات "الديمقراطية المغربية"، ومهما يكن من أمر فإن اللعبة لحد الآن تهم البعض وليس الكل، وذلك بدليل، مرة أخرى، مؤشرات المشاركة السياسية ومدى تأطير القوى السياسية للمواطنين.